الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
دليل من قال بطهارة المني:
الدليل الأول:
الأصل في الأعيان الطهارة، ولا يقال بنجاسة شيء حتى يأتي دليل صحيح صريح سالم من المعارضة، ولا دليل على نجاسة المني.
الدليل الثاني:
قالوا: لو كان المني نجسًا لجاء الأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم بغسله، خاصة أن البلوى فيه شديدة في الأبدان والثياب والفرش وغيرها، فلما لم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بغسل ما أصابهم علم أن المني طاهر، إذ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الحائض أن تغسل ما أصاب ثوبها من دم الحيض، مع أن البلوى في المني أكثر وأشد، وأمر بغسل المذي أيضًا، ولم يأمر بغسل المني، فعلم أن غسله ليس واجبًا، وأن عينه ليست نجسة.
الدليل الثالث:
(1509 - 251) ما رواه مسلم، قال: حدثنا أحمد بن جواس الحنفي أبو عاصم، حدثنا أبو الأحوص، عن شبيب بن غرقدة، عن عبد الله بن شهاب الخولاني، قال: كنت نازلًا على عائشة، فاحتلمت في ثوبي، فغمستهما في الماء، فرأتني جارية لعائشة، فأخبرتها، فبعثت إلي عائشة، فقالت:
ما حملك على ما صنعت بثوبيك. قال: قلت: رأيت ما يرى النائم في منامه. قالت: هل رأيت فيهما شيئًا. قلت: لا. قالت: فلو رأيت شيئًا غسلته، لقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسًا بظفري
(1)
.
وجه الاستدلال:
أن عائشة كانت تفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركًا، وهذا دليل على طهارته؛ إذ
(1)
صحيح مسلم (109 - 290).
لو كان نجسًا لوجب غسله كسائر النجاسات.
• وأجيب بأجوبة منها:
أولًا: ثبت في طهارة النعل الدلك بالتراب، وكان ذلك طهارة له.
(1510 - 252) فقد روى أحمد، قال: يزيد، أنا حماد بن سلمة، عن أبي نعامة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى، فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف قال: لم خلعتم نعالكم؟ فقالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت فخلعنا. قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثًا فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعله فلينظر فيها فإن رأى بها خبثًا فليمسه بالأرض ثم ليصل فيهما
(1)
.
[صحيح]
(2)
.
فإذا كان الدلك في النعل لم يدل على طهارة الأذى الذي في النعل، لم يكن ذلك المني دليلًا على طهارة المني. نعم يصح الاستدلال على طهارة المني لو أن عائشة تركت المني على ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تغسله رطبًا، ولم تفركه يابسًا، أو اكتفت بفركه، وهو رطب، أما ما دامت تغسله رطبًا، وتفركه يابسًا فليس فيه دليل على طهارته، والله أعلم.
ثانيًا: ذكر بعض الحنفية: أن هذه الآثار إنما جاءت في ذكر ثياب ينام فيها، ولم تأت في ثياب يصلي فيها، وقد رأينا الثياب النجسة بالغائط والبول والدم لا بأس بالنوم فيها، ولا تجوز الصلاة فيها، وأما الثياب الذي يصلي فيها فإن عائشة كانت تغسله من الثوب، فقد قالت رضي الله عنها: كنت أغسل الجنابة من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم، فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه
(3)
.
(1)
المسند (3/ 20، 92).
(2)
انظر تخريجه ح: (1499).
(3)
البخاري (229)، ورواه مسلم بنحوه (289).
(1511 - 253) وقد روى أحمد، قال: ثنا حجاج وشعيب بن حرب قالا: ثنا ليث، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن سويد بن قيس، عن معاوية بن خديج،
عن معاوية بن أبي سفيان، أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الواحد الذي يجامعها فيه؟ قالت: نعم، إذا لم يكن فيه أذى
(1)
.
[صحيح]
(2)
.
(1)
المسند (6/ 426).
(2)
الحديث رواه أحمد كما في إسناد الباب عن حجاج وشعيب بن حرب.
وأخرجه ابن أبي شيبة (2/ 228) رقم 8411 وأبو بكر الشيباني في الآحاد والمثاني (3073)، والخطيب في تاريخ بغداد (7/ 407) عن شبابة.
وأخرجه أبو داود (366) والنسائي في السنن الكبرى (287) وفي المجتبى (295) والبغوي في شرح السنة (522) من طريق عيسى بن حماد.
وأخرجه ابن ماجه (540) من طريق محمد بن رمح.
وأخرجه الدارمي (1376) وابن خزيمة (776) وابن حبان (2331) من طريق أبي الوليد الطيالسي.
وأخرجه أبو يعلى في مسنده (7126) من طريق هاشم بن القاسم.
وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 50) والبيهقي (2/ 410) من طريق ابن وهب،
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (20/ 220) رقم 405، من طريق عبد الله بن عبد الحكم، كلهم عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب به.
وأخرجه أحمد (6/ 325) من طريق محمد بن إسحاق.
والدرامي (1375) من طريق عبد الحميد بن جعفر.
وأخرجه الطحاوي (1/ 50)، والطبراني في المعجم الكبير (20/ 220) رقم 406، 408، من طريق عمرو بن الحارث،
وأخرجه الطحاوي (1/ 50) من طريق ابن لهيعة وجعفر بن ربيعة، كهلم عن يزيد بن أبي حبيب به. وهؤلاء تابعوا الليث بن سعد في روايته عن يزيد بن أبي حبيب.
وقال البخاري في الصلاة (1/ 465): باب وجوب الصلاة في الثياب
…
ومن صلى في الثوب الذي يجامع فيه ما لم ير فيه أذى.
قال الحافظ في الفتح (1/ 466): «يشير إلى ما رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان من طريق معاوية بن أبي سفيان، أنه سأل أخته أم حبيبة، هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامع فيه. قالت: نعم إذا لم ير فيه أذى، وهذا من الأحاديث التي تضمنتها تراجم هذا الكتاب بغير صيغة رواية حتى ولا التعليق» . اهـ
وقد روي عن عائشة ما يوافق ذلك،
(1512 - 254) فقد روى أبو داود، قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا الأشعث، عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن شقيق،
عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في شعرنا أو لحفنا.
قال عبيد الله: شك أبي
(1)
.
] أنكره الإمام أحمد أشد الإنكار، والمعروف فيه ذكر اللحاف فقط]
(2)
.
(1)
سنن أبي داود (367).
(2)
الحديث مداره على أشعث،
يرويه خالد بن الحارث كما في سنن الترمذي (600)، والمنتقى لابن الجارود (134)، وشرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 50).
وسفيان بن حبيب كما في سنن النسائي (5366).
ومعتمر بن سليمان كما في سنن النسائي (5366).
ومحمد بن جعفر كما في سنن البيهقي (2/ 409) أربعتهم رووه عن أشعث، عن محمد بن سيرين به بذكر اللحاف فقط دون ذكر الشعار.
ويرويه معاذ بن معاذ واختلف عليه:
فرواه ابن حبان في صحيحه (2330) أخبرنا أبو خليفة، قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ، قال: حدثنا أبي معاذ بن معاذ، قال: حدثنا أشعث بن سوار به، بلفظ:(كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في لحفنا). وهذه رواية منقلبة دون شك.
فقد رواه أبو داود في السنن (367) حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا الأشعث به، بلفظ:(لا يصلي في شعرنا أو لحفنا) بزيادة شعرنا. قال عبيد الله: شك أبي. يعني هل قال: شعرنا أو قال: لحفنا.
ورواه أحمد في العلل (5982) وابن حبان في صحيحه (2336) عن القواريري،
والحاكم (1/ 252) والبيهقي في السنن (2/ 409 - 410) من طريق يحيى بن محمد البختري، كلاهما عن معاذ بن معاذ به:(كان لا يصلي في شعرنا ولا لحفنا) بالجمع بدون شك.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يتعقبه الذهبي بشيء، والصحيح أنه ليس على شرط واحد منهما، فإن أشعث بن عبد الملك لم يخرج له مسلم، وخرج له البخاري تعليقًا. فتبين أن معاذ بن معاذ انفرد بزيادة ذكر الشعار، وهو الثوب الذي يلبس على الجسد.
…
قال أحمد في العلل: ما سمعت عن أشعث حديثًا أنكر من هذا، وأنكره أشد الإنكار.
وقال ابن رجب في فتح الباري (2/ 87): «وقد أنكره الإمام أحمد إنكارًا شديدًا، وفي إسناده اختلاف على ابن سيرين، وقد روي عنه أنه قال: سمعته منذ زمان، ولا أدري ممن سمعته، ولا أدري أسمعه من ثبت أولا؟ فاسألوا عنه ..... » . اهـ
فثبت بما ذكرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي في الثوب الذي ينام فيه إذا أصابه شيء من الجنابة، وثبت أن ما ذكرته عائشة، من فرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو في ثوب النوم، لا في ثوب الصلاة
(1)
.
وأن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أطلقت على المني اسم الأذى، والأذى هو النجس، كما قال تعالى:(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى)[البقرة: 222].
• ورد هذا بعدة أجوبة:
الجواب الأول:
أن حديث عائشة كان لا يصلي في لحاف نسائه، قد أنكره الإمام أحمد أشد الإنكار، ونقلنا عنه ذلك في تخريج الحديث.
ولو صح لم يكن هذا دليلًا على نجاسة المني، فإن لحاف المرأة قد يصيبه من دم حيضها، وهي لا تشعر.
الجواب الثاني:
أن ترك الصلاة في لحاف المرأة ليس بواجب، فقد ورد أنه كان يصلي وعليه ثوب، وبعضه على بعض نسائه، وهي حائض
(2)
.
(1)
انظر شرح معاني الآثار بتصرف يسير (1/ 50).
(2)
اختار الشوكاني أن ترك لحاف النساء مستحب، وليس بواجب، ونقله عنه أحمد شاكر في تحقيقه لسنن الترمذي (1/ 497) فقال:«كل ذلك يدل على عدم وجوب تجنب ثياب النساء، وإنما هو مندوب فقط، عملًا بالاحتياط. وبهذا يجمع بين الأحاديث» .
وقيل: إن ذلك مباح، وهو ما اختاره أحمد شاكر، فقال متعقبًا لكلام الشوكاني:«لا دليل على الندب؛ لأنه لم يطلب ذلك في حديث نعلمه، وإنما كان تارة يفعل، وتارة يترك، وهو الجمع الصحيح بين الروايات، فهو أمر مباح» .
الجواب الثالث:
أن النساء لا يكره لهن الصلاة في ثياب الحيض، وإنما الخلاف في الرجال، وهذا دليل على أن الحامل على الكراهة ليس النجاسة.
جاء في فتح الباري لابن رجب: «قال أبو بكر الأثرم: أحاديث الرخصة أكثر وأشهر. قال: ولو فسد على الرجال الصلاة في شعر النساء لفسدت الصلاة فيها على النساء.
وهذا الكلام يدل على أن النساء لا يكره لهن الصلاة في ثياب الحيض بغير خلاف، إنما الخلاف في الرجال.
والأحاديث التي أشار إليها في الرخصة متعددة:
ففي صحيح مسلم، عن عائشة، قالت: كان النبي يصلي من الليل وأنا إلى جنبه، وأنا حائض، على مرط، وعليه بعضه إلى جنبه
(1)
.
وخرج النسائي، عن عائشة، قالت: كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد، وأنا حائض طامث، فإن أصابه مني شيء غسلت ما أصابه، لم يعده إلى غيره، ثم صلى فيه
(2)
.
وخرج أبو داود وابن ماجه، عن ميمونة، قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعليه مرط، وعلى بعض أزواجه منه، وهي حائض، وهو يصلي، وهو عليه
(3)
.
(1)
صحيح مسلم (514). قال النووي في شرحه لمسلم: «وفيه جواز الصلاة بحضرة الحائض، وجواز الصلاة في ثوب بعضه على المصلي وبعضه على حائض أو غيرها» .
(2)
رواه أبو يعلى (4802)، وأبو داود (269)، والنسائي (284) من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن جابر بن صبح، قال: سمعت خلاسًا يحدث عن عائشة، وسنده صحيح.
(3)
رواه أحمد (6/ 330)، والحميدي (315)، وأبو يعلى (7095)، وأبو داود (369)، وابن ماجه (653)، وابن الجارود في المنتقى (133)، والطبراني في الكبير (24/ 8) ح 9، وابن خزيمة (768)، وأبو عوانة (1426)، وابن حبان (2329)، والبيهقي في السنن (2/ 409) من طريق سفيان بن عيينة، عن الشيباني، عن عبد الله بن شداد، عن ميمونة، وإسناده صحيح.