الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكتوبة عليهما، ولأنهما يلعنانه؛ ولأن نورهما من نور الله، وقيل: لشرفهما بالقسم بهما، فأشبهتا الكعبة
(1)
.
أما قولهم: إن معهما ملائكة، فلا يقتضي ذلك كراهة؛ لأن كثيرًا من مخلوقات الله قد وكل فيها ملائكة كالسحاب، والجبال وغيرهما، فهل يكره استقبال الغيم مثلا؟
وأما القول بأن أسماء الله مكتوبة عليهما، فهذا يحتاج إلى توقيف، فأين الدليل عليه؟
وكذلك يقال عن قولهم: بأنهما يلعنان من يستقبلهما.
وأما قولهم بأن فيهما من نور الله، فلا شك أن نورهما نور مخلوق، وليس المقصود بنور الله الذي هو صفته، وإذا كان كذلك فلا يقتضي هذا التعليل كراهة، ولو أخذنا بهذا التعليل لكره استقبال ضوئهما، بحيث لا يستقبل ضوء الشمس والقمر حال البول، وأنتم إنما كرهتم استقبال عينهما.
وأما قولهم: إن الله قد أقسم بهما، فقد أقسم الله بالنجوم أيضًا، وأقسم بالضحى، وأقسم بالليل، فلا تقضى فيها الحاجات إذًا، فهذه التعاليل هالكة.
•
دليل من قال: لا يكره استقبال الشمس والقمر:
الدليل الأول:
عدم الدليل على الكراهة، والكراهة حكم شرعي يفتقر إلى دليل شرعي.
الدليل الثاني:
(1377 - 119) ما رواه البخاري، قال: حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي،
عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة
(1)
كشاف القناع (1/ 61)، نيل الأوطار (1/ 110)، حاشية ابن قاسم (1/ 134).
ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا. قال أبو أيوب: فقدمنا الشأم، فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة، فننحرف، ونستغفر الله تعالى، ورواه مسلم
(1)
.
وجه الاستدلال:
قوله: (ولكن شرقوا أو غربوا) فيه الإذن باستقبال الشرق أو الغرب واستدبارهما، فلا بد أن يكونا أو أحدهما في الشرق أو الغرب، والله أعلم.
• الراجح:
جواز استقبال النيرين. قال ابن القيم: لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك كلمة واحدة، لا بإسناد صحيح، ولا ضعيف، ولا مرسل، ولا متصل، وليس لهذه المسألة أصل في الشرع
(2)
.
وقال الشوكاني: وأما استقبال النيرين فهذه من غرائب أهل الفروع، فإنه لم يدل على ذلك دليل لا صحيح، ولا حسن، ولا ضعيف، وما روي في ذلك فهذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن رواية الكذابين، وإن كان ذلك بالقياس على القبلة، فقد اتسع الخرق على الراقع، ويقال لهذا القائس: ما هكذا تورد يا سعد الإبل .. وأعجب من هذا إلحاق النجوم النيرات بالقمرين، فإن الأصل باطل، فكيف بالفرع، وكان ينبغي لهذا القائس أن يلحق السماء، فإن لها شرفًا عظيمًا، لكونها مستقر الملائكة، ثم يلحق الأرض؛ لأنه مكان العبادات والطاعات، ومستقر عباد الله الصالحين، فحينئذ تضيق على قاضي الحاجة الأرض بما رحبت، ويحتاج أن يخرج عن هذا العالم عند قضاء الحاجة، وسبحان الله ما يفعل التساهل في إثبات أحكام الله من الأمور التي يبكى لها تارة، ويضحك منها أخرى
(3)
.
* * *
(1)
صحيح البخاري (394)، صحيح مسلم (264).
(2)
مفتاح دار السعادة (2/ 205).
(3)
نيل الأوطار (1/ 70).