الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبهذه الأحاديث رأى البخاريّ أنّ ما رواه الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس". أنه مضطرب لما وصفنا، ولا ندري الحكم سمع هذا من مقسم أم لا؟ . ذكره في التاريخ الصغير (1/ 295).
وإلى هذه الأحاديث ذهب الشافعيّ والإمام أحمد في رواية إلى جواز الرّمي قبل طلوع الشمس لمن ارتحل من الضعفة والنساء من المزدلفة بعد نصف الليل.
وأما حديث ابن عباس الذي حكم عليه البخاريّ بالاضطراب فله طرق كثيرة يعضد بعضها بعضًا كما هو الآتي.
103 - باب من كره الرّمي قبل طلوع الشّمس
• عن ابن عباس، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قدم ضعفة أهله قال:"لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس".
حسن: رواه الترمذيّ (893) من حديث وكيع، عن المسعوديّ، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، فذكره.
قال الترمذيّ: "حسن صحيح".
قلت: فيه المسعوديّ هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة مختلط، وإنّ سماع وكيع منه كان بالكوفة قديم كما قال الإمام أحمد، وقال:"إنه كان قد اختلط بغداد، وإن سماع من سمع هناك ليس بشيء. قال: ومن سمع منه بالكوفة فسماعه جيد".
وتابعه الأعمش، عن الحكم بإسناده.
ومن طريقه الإمام أحمد (2507) مطولًا، و (3513) مختصرًا.
ولكن نقل الترمذي (880) عن شعبة قال: لم يسمع الحكم من مقسم إلا خمسة أحاديث" وهذا الحديث ليس منها؛ لأنّ يحيي القطّان عدّها. انظر: تحفة التحصيل: (80 - 81).
قلت: ولكن له طرق أخرى.
منها: ما رواه أبو داود (1941)، والنسائيّ (3065) كلاهما من حديث حبيب، عن عطاء، عن ابن عباس، قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدّم ضعفاء أهله، ويأمرهم - يعني لا يرمون الجمرة حتى تطلع الشمس".
وحبيب هو ابن أبي ثابت مدلّس وقد عنعن، وفي حديثه عن عطاء وهم.
نقل العقيلي عن القطان قال: في حديثه عن عطاء ليس بمحفوظ.
ومنها: ما رواه فضيل بن سليمان، عن موسى بن عقبة، قال: أخبرني كريب، عن ابن عباس: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يأمر نساءه وثَقله من صبيحة جمع أن يفيضوا مع أوّل الفجر بسواد، وأن لا يرموا
الجمرة إلّا مصبحين".
رواه البيهقيّ (5/ 132) عن محمد بن أبي بكر عنه.
وفيه: فُضيل بن سليمان وهو النميري، مختلف فيه، ولكن الغالب على حديثه الضعف، وخاصة في روايته عن موسى بن عقبة الإمام في المغازي.
قال صالح بن محمد جزرة: منكر الحديث، روى عن موسى بن عقبة مناكير.
وقال ابن معين: "ليس بثقة"، وقال:"ليس هو بشيء، ولا يكتب حديثه".
ومنها: ما رواه أبو داود (1940)، والنسائي (3064)، وابن ماجه (3025)، والإمام أحمد (2082) كلهم من حديث سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن الحسن العرني، عن ابن عباس.
وصحّحه ابن حبان (3869)، فرواه من هذا الوجه.
وفيه انقطاع فإنّ العرني لم يسمع من ابن عباس، بل لم يدركه وهو يرسل عنه كما قال الإمام أحمد وابن معين وأبو حاتم وغيرهم.
ومنها: ما رواه الإمام أحمد (2459) من طريق شريك، عن ليث، عن طاوس، عن ابن عباس، قال:"عجلنا النبيّ صلى الله عليه وسلم أو عجّل أمّ سلمة، وأنا معهم من المزدلفة إلى جمرة العقبة، فأمرنا أن لا نرميها حتى تطلع الشمس".
وفيه شريك وليث، وفيهما كلام معروف. وله طرق أخرى يقوي بعضها بعضًا، كما قال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(3/ 617).
إلا أن ابن خزيمة في صحيحه (4/ 280) أبدى الشك في صحة أخبار ابن عباس، فقال:"ولست أحفظ في تلك الأخبار إسنادًا ثابتًا من جهة النّقل، فإن ثبت إسناد واحد منها فمعناه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم زجر المذكور ممن قدمهم تلك الليلة عن رمي الجمار قبل طلوع الشمس، لا السّامع المذكور؛ لأنّ خبر ابن عمر -الآتي- يدل على أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قد أذن لضعفة النساء في رمي الجمار قبل طلوع الشمس، فلا يكون خبر ابن عمر خلاف خبر ابن عباس إن ثبت خبر ابن عباس من جهة النقل، على أنّ رمي الجمار لضعفة النساء بالليل قبل طلوع الفجر أيضًا عندي جائز للخبر الذي أذكره" انتهى.
وبهذا قال مالك وأبو حنيفة بأنه لا يجوز الرمي قبل طلوع الشمس ولو ارتحل بعد نصف الليل، ولكن هذا يخالف الغاية التي من أجلها أذن النبيّ صلى الله عليه وسلم للضعفة من الارتحال من المزدلفة إلى منى، فيحمل هذا الحديث إن صحَّ على كراهية الرّمي قبل طلوع الشمس، فإن الوقت المختار الذي لا خلاف فيه هو وقت الضّحي.
وأمّا ما روي عن شعبة مولي ابن عباس، عن ابن عباس، قال:"أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بعث به مع أهله إلى منى يوم النحر فرموا الجمرة مع الفجر" ففيه ضعف. رواه الإمام أحمد من وجهين (2935،