الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي رواية عند مسلم (199) من طريق أبي العالية البراء، عن ابن عباس، به، وفيه:"فقدم لأربع مَضَيْن من ذي الحجة".
قوله: "برأ الدَّبَر" أي ما كان يحصل بظهور الإبل من الحمل عليها، ومشقّة السّفر، فإنه كان يبرأ بعد انصرافهم من الحجّ.
وقوله: "عفا الأثر" أي درس. والمراد: أثر الإبل وغيرها في سيرها، وعفا أثرها لطول مرور الأيام.
6 - باب بيان عدد عمرات النبيّ صلى الله عليه وسلم وزمانها وأنها كانت كلها في أشهر الحجّ
• عن أنس بن مالك، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر، كلَّهنّ في ذي القعدة إلا التي مع حجّته: عمرة من الحديبية -أو زمن الحديبية- في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من جعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته.
متفق عليه: رواه البخاريّ في العمرة (1778)، ومسلم (1253) كلاهما من طريق همّام، حدثنا قتادة، أن أنسًا، أخبره، فذكره. واللفظ لمسلم.
• عن مجاهد، قال: دخلتُ أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة. والناس يصلّون الضُّحى في المسجد. فسألناه عن صلاتهم، فقال: بدعة. فقال له عروة: يا أبا عبد الرحمن، كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أربع عمر. إحداهنّ في رجب. فكرهنا أن نكذّبه ونردّ عليه، وسمعنا استنان عائشةَ في الحجرة. فقال عروة: ألا تسمعين، يا أمَّ المؤمنين إلى ما يقول أبو عبد الرحمن؟ فقالت: وما يقول؟ قال يقول: اعتمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أربع عمر إحداهنّ في رجب. فقالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن. ما اعتمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلّا وهو معه. وما اعتمر في رجب قطّ.
متفق عليه: رواه البخاريّ في العمرة (1775 - 1776)، ومسلم في الحجّ (1255: 22) كلاهما من طريق جرير، عن منصور، عن مجاهد، به، فذكره.
وأما قول ابن عمر: "إحداهنّ في رجب" فهو وهم منه رضي الله عنه، ولذا لما اعترضته عائشة سكت. زاد مسلم:"وابن عمر يسمع، فما قال: لا، ولا نعم. وسكت".
• عن البراء بن عازب، قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة قبل أن يحجّ مرتين.
صحيح: رواه البخاريّ في العمرة (1781) من طريق إبراهيم بن يوسف، عن أبيه (هو يوسف بن
إسحاق بن أبي إسحاق السبيعيّ)، عن أبي إسحاق، قال: سألتُ مسروقًا وعطاء ومجاهدًا، فقالوا: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة قبل أن يحجّ. وقال سمعت البراء بن عازب يقول (فذكره).
وقوله: "مرتين" أراد بهما العمرة المفردة المستقلة وهما اثنتان حقًّا: عمرة القضاء، وعمرته من جعرانة.
• عن البراء بن عازب، قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحجّ، واعتمر قبل أن يحج، واعتمر قبل أن يحج. فقالت عائشة: لقد علم أنه اعتمر أربع عمر بعمرته التي حجّ فيها.
صحيح: رواه الإمام أحمد (18629) عن يزيد بن هارون، أخبرنا زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، فذكره.
ورواه البيهقي (5/ 11) من هذا الطريق وقال: ثلاث عمر كلهن في ذي القعدة". ثم ذكر استدراك عائشة.
واختصره أبو يعلي (1660) بلفظ: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الحج" ولم يكرره ثلاثًا.
ثم ذكر استدراك عائشة ولا منافاة بين قول البراء وبين قول عائشة؛ فإن البراء لم يدخل عمرة النبيّ صلى الله عليه وسلم في حجته من جملة العمر، وأدخلته عائشة فاختلف العدد - وكلاهما صواب.
• عن ابن عباس، قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر: عمرة الحديبية، والثانية حين تواطؤوا على عمرة من قابل، والثالثة من جعرانة، والرابعة التي قرن مع حجّته.
صحيح: رواه أبو داود (1993)، والترمذيّ (816)، وابن ماجه (3003)، وأحمد (2211)، وصحّحه ابن حبان (3946)، والحاكم (3/ 50) كلّهم من طريق داود بن عبد الرحمن العطار، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكره.
قال الترمذي: "حديث ابن عباس حديث حسن غريب، وروى ابن عيينة هذا الحديث عن عمرو ابن دينار، عن عكرمة، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر، ولم يذكر فيه عن ابن عباس".
ثم أسنده عن سعيد بن عبد الرحمن المخزوميّ، عن سفيان بن عيينة، بإسناده.
قلت: داود بن عبد الرحمن العطار، وثّقه أبو داود وغيره وهو من رجال الجماعة، فزيادته مقبولة.
• عن جابر، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر كلّها في ذي القعدة: إحداهنّ زمن الحديبية، والأخرى في صلح قريش، والأخرى مرجعه من الطائف من الجعرانة.
حسن: رواه البزار -كشف الأستار (1149) -، والطبراني في الأوسط -مجمع البحرين (1790) - كلاهما من حديث سهل بن بكار، ثنا وهيب، عن ابن خثيم (وهو عبد الله بن عثمان بن خثيم)، عن سعيد بن جبير، وطلق بن حبيب، وأبي الزبير - كلّهم عن جابر، فذكره.
قال الهيثمي: "رجاله رجال الصحيح""المجمع"(3/ 279).
قلت: وهو كذلك وعبد الله بن عثمان بن خثيم "صدوق" من رجال مسلم.
• عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: لم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة إلّا في ذي القعدة.
صحيح: رواه ابن ماجه (2997) عن أبي بكر بن أبي شيبة، حدّثنا عبد الله بن نمير، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عائشة، فذكرته.
وإسناده صحيح. وفي سماع مجاهد من عائشة خلاف، والصحيح أنه ثابت.
• عن عائشة، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرتين: عمرة في ذي القعدة، وعمرة في شوال.
صحيح: رواه أبو داود (1991) عن عبد الأعلى بن حماد، حدّثنا داود بن عبد الرحمن، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، فذكرته إلا أن قولها:"شوال" لا بد من تأويله -أي في آخر شوال وأوائل ذي القعدة كأنها تقصد أنه صلى الله عليه وسلم أحرم في آخر شوال، وكانت عمرته في ذي القعدة كما قال أنس وغيره. لأنّ الثابت في الأحاديث الصحيحة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم اعتمر في ذي القعدة.
وقولها: "عمرتين" تعني مستقلتين.
ورواه البيهقيّ (4/ 346) من حديث عبد الله بن محمد بن إسحاق الفاكهي بمكة، ثنا أبو يحيى ابن أبي ميسرة، ثنا سعيد بن منصور، ثنا عبد العزيز بن محمد، أبنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت:"اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر: عمرة في شوال، وعمرتين في ذي القعدة".
تقصد غير عمرته التي كانت في الحجّ.
وأمّا ما رواه الدارقطنيّ (2293) من طريق العلاء بن زهير، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة، قالت: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عُمرة في رمضان فأفطرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وصمتُ، وقَصَر وأتممتُ، فقلت: يا رسول الله، بأبي وأمي أفطرتَ وصمتُ، وقصرتَ وأتممتُ؟ فقال:"أحسنتِ يا عائشة".
فهو حديث غلط، بل ادّعى البعض أنه مكذوب؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رمضان قط، ولأنّ عائشة ما كانتْ تخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصة في العبادات التي هي توقيفية.
وذكر ابن القيم في "الزاد" أنّ الحديث لا يصح، ونقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية قوله:"هو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم".
واختلف حكم الدّارقطني عليه، فقال في "السنن":"إسناده حسن". وقال في "العلل"(14/ 258) بعد أن أشار إلى الاختلاف فيه على العلاء بن زهير وصلًا وإرسالًا، قال:"والمرسل أشبه بالصّواب".
ولكن حاول الحافظ في "الفتح"(3/ 603) تأويله بأن قولها: "في رمضان" متعلق بقولها: "خرجت" ويكون المراد سفر فتح مكة. فإنه كان في رمضان، واعتمر النبيّ صلى الله عليه وسلم تلك السنة من