الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير الثاني: أنّ الصّرورة هو الرّجل الذي لم يحجّ، فمعناه على هذا أن سنة الدين أن لا يبقى أحدٌ من الناس يستطيع الحج، فلا يحج حتى لا يكون صرورة في الإسلام.
وقد يستدل به من يزعم أن الصّرورة لا يجوز له أن يحجّ عن غيره، وتقدير الكلام عنده: أن الصّرورة إذا شرع في الحج عن غيره صار الحج عنه، وانقلب عن فرضه ليحصل معنى النفي فلا يكون صرورة.
وهذا مذهب الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق.
وقال مالك، والثوري: حجّه على ما نوى، وإليه ذهب أهل الرّأي، وقد روي ذلك عن الحسن البصري، وعطاء، والنخعي" انتهي. قاله الخطابي في "معالم السنن".
وقال سفيان: كان أهل الجاهلية يقولون للرجل إذا لم يحج: هو صرورة، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:"لا صرورة في الإسلام".
رواه الطّحاوي في "مشكله"(1283) بإسناده عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا صرورة في الإسلام" فذكر سفيان قوله. ورجاله ثقات وهو مرسل.
وذكر الطّحاوي المعاني الأخرى للصرورة فراجعه.
وللحديث شواهد في كتب المعاجم إلّا أنها كلّها ضعيفة.
وأشهرها حديث جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صرورة في الإسلام" رواه الطبرانيّ في "الكبير"(2/ 137) من طريق منصور، عن كلاب بن علي، عن ابن جبير بن مطعم، عن أبيه مرفوعًا.
وكلاب بن علي العامريّ، حدّث عنه منصور بن المعتمر قال فيه الذهبي:"مجهول" وأظهر البيهقيّ (5/ 165) الاختلاف، فقال: رُوي عن منصور بن أبي سليم تارة عن جبير بن مطعم، وتارة عن ابن جبير عن أبيه، وتارة عن ابن أخي جبير، وتارة عن نافع بن جبير أُراه عن أبيه، فذكر الحديث.
5 - باب ما جاء في فضل الحج
• عن أبي هريرة، قال: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَال: "إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ". قِيل: ثُمَّ مَاذَا؟ قَال: "جِهَادٌ فِي سَبِيلِ الله". قِيل: ثُمَّ مَاذَا؟ قَال: "حَجٌّ مَبْرُورٌ".
متفق عليه: رواه البخاريّ في الحج (1519)، ومسلم في الإيمان (83) كلاهما من طريق إبراهيم بن سعد، عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، فذكره.
• عن أبي هريرة، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجَّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ".
متفق عليه: رواه مالك في الحج (65) عن سُمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح
السّمان، عن أبي هريرة، به.
ورواه البخاريّ في العمرة (1773)، ومسلم في الحج (1349) كلاهما من طريق مالك، به، مثله.
• عن أبي هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".
متفق عليه: رواه البخاريّ في الحج (1521) ومسلم في الحج (1350) كلاهما من حديث سيار أبي الحكم، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، فذكره، واللفظ للبخاريّ، ولفظ مسلم نحوه.
• عن عائشة أنها قالت: يَا رَسُولَ الله، نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلا نُجَاهِدُ؟ قَال:"لا لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ".
صحيح: رواه البخاريّ في الحج (1520) عن عبد الرحمن بن المبارك، حدّثنا خالد -هو ابن عبد الله الواسطيّ-، أخبرنا حبيب بن أبي عمرة، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة، به.
وأما ما رُوي عن عمرو بن عبسة، قال: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُول اللهِ، مَا الإِسْلامُ؟ قَال:"أَنْ يُسْلِمَ قَلْبُكَ لله عز وجل، وَأَنْ يَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِكَ وَيَدِكَ". قَال: فَأَيُّ الإِسْلامِ أَفْضَل؟ قَال: "الإِيمَانْ" قَال: وَمَا الإِيمَانُ؟ قَال: "تُؤْمِنُ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ". قَال: فَأَيُّ الإِيمَانِ أَفْضَلُ؟ قَال: "الْهِجْرَةُ". قَال: فَمَا الهِجْرَةُ؟ قَال: "تَهْجُرُ السُّوء". قَال: فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَال: "الجِهَادُ". قَال: وَمَا الْجِهَادُ؟ قَال: "أَنْ تُقَاتِلَ الْكُفَّارَ إِذَا لَقِيتَهُم". قَال: فَأَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ وَأُهْرِيقَ دَمُهُ". قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ثُمَّ عَمَلانِ هُمَا أَفْضَلُ الأَعْمَالِ إِلّا مَنْ عَمِلَ بِمِثْلِهِمَا حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ أَوْ عُمْرَةٌ".
ففيه انقطاع رواه أحمد (17027) عن عبد الرزاق وهو في مصنفه (20107) عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عمرو بن عبسة، فذكره. وأبو قلابة لم يدرك عمرو بن عبسة.
ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده كما في "البغية"(13) وفيه رجل مجهول.
• عن ماعز، عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سُئِلَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَال:"إِيمَانٌ بِاللهِ وَحْدَهُ، ثُمَّ الْجِهَادُ، ثُمَّ حَجَّةٌ بَرَّةٌ تَفْضُلُ سَائِرَ الْعَمَلِ كَمَا بَيْنَ مَطْلَعِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا".
صحيح: رواه الإمام أحمد (19010)، وعنه الطبراني في "الكبير"(20/ 244)، عن محمد بن جعفر، حدّثنا شعبة، عن أبي مسعود -يعني الجريريّ-، عن يزيد بن عبد الله بن الشّخّير، عن ماعز، فذكره.
وأبو مسعود الجريريّ هو سعيد بن إياس البصريّ، اختلط قبل موته بثلاث سنين، وهو من رجال الجماعة، وقد روي عنه شعبة كما هنا قبل اختلاطه.
ورواه أيضًا عبد الله بن الإمام أحمد (19011) عن هُدبة بن خالد، حدّثنا وُهيب بن خالد،
قال: الجريريّ، حدّثنا عن حيان بن عمير، حدّثنا ماعز، فذكره بنحوه.
ووهيب بن خالد ممن سمع الجريري قبل الاختلاط، إلّا أن الجريري جعل هنا شيخه حيان بن عمير، فلعله سمع من الشيخين.
وأما ماعز فهو غير منسوب، قال ابن عبد البر كما في "التعجيل":"لم أقف على نسبه".
والحديث أورده الهيثمي في "المجمع"(3/ 207) وعزاه إلى أحمد والطبرانيّ، وقال:"رجال أحمد رجال الصحيح".
قلت: كذا قال، مع أن الطبرانيّ رواه من طريقي المسند إلا أنه أقحم بين شعبة وأبي مسعود الجريريّ "أبا موسي" وهو خطأ.
ثم رواه من الطريق الثالث من وجه آخر عن هدبة بن خالد بإسناده نحوه، ونسب ماعز إلى بني تميم.
قوله: "حج مبرور" قال النووي: "الأصح الأشهر أنّ المبرور هو الذي لا يخالطه إثم مأخوذ من البر وهو الطاعة، وقيل: هو المقبول، ومن علامة القبول أن يرجع خيرًا مما كان. وقيل: هو الذي لا رياء فيه. وقيل: الذي لا يعقبه معصية، وهما داخلان فيما قبلهما". شرح صحيح مسلم (9/ 118).
وقال أبو العباس القرطبي في "المفهم"(3/ 463) في الأقوال التي ذكرت في تفسير الحج المبرور: "كلّها متقاربة المعنى، وهو أنّ الحجّ الذي وُفّيت أحكامه، ووقع موافقًا لما طُلب من المكلف على الوجه الأكمل" اهـ.
وفي الباب ما رُوي عن الشّفاء بنت عبد الله -وكانت امرأة من المهاجرات- قالت: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الأعمال؟ فقال: "إيمان بالله، وجهاد في سبيل الله، وحجّ مبرور".
رواه الإمام أحمد (27094) عن هاشم بن القاسم، حدّثنا المسعودي، عن عبد الملك بن عمير، عن رجل من آل أبي حثمة، عن الشّفاء، فذكرته.
والمسعوديّ مختلط، وروى عنه هاشم بن قاسم بعد الاختلاط.
وكذلك رواه شبابة بن سوار، عن المسعودي، عن عبد الملك بن عمير، عن رجل من آل أبي حثمة.
ثم اختلف على عبد الملك بن عمير، فرواه الطبراني في "الكبير"(24/ 315) من طريق زكريا بن أبي زائدة، عن عبد الملك بن عمير، قال: حدثني فلان القرشي، عن جدته أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه عبدة بن حميد، عن عبد الملك بن عمير، عن عثمان بن أبي حثمة، عن جدته الشّفاء، قالت (فذكرته).
ورواه الوليد بن أبي ثور، عن عبد الملك بن عمير، عن عثمان بن أبي سليمان، عن جدته أم أبيه، قالت: جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال (فذكرته).
وعبد الملك بن عمير وإن كان من رجال الجماعة فقد وُصف بأنه يخطئ كثيرًا.
قال الإمام أحمد: "إنه مضطرب الحديث جدًّا مع قلّة روايته، ما أري له خمسمائة حديث، وقد غلط في كثير منها".
وقال أيضًا: "إنه ضعيف جدًا"، وعن ابن معين:"إنه مخلّط". وقال أبو حاتم: "عبد الملك بن عمير لم يوصف بالحفظ".
ولذا قال الدارقطني في "العلل"(15/ 310): "ويشبه أن يكون الاضطراب من عبد الملك".
وأمّا ما رُوي عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلّا الجنّة" قالوا: يا نبي الله، ما برُّ الحجّ المبرور؟ قال:"إطعام الطّعام، وإفشاء السّلام". فهو ضعيف.
رواه الإمام أحمد (14482) عن عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا محمد بن ثابت، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر، به.
ورواه العقيلي في "الضعفاء"(4/ 40) من طريق بكر بن بكار، عن محمد بن ثابت البناني، عن محمد بن المنكدر، به، مختصرًا بلفظ:"حج مبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
ومحمد بن ثابت بن أسلم البناني البصري، قال فيه يحيى بن معين:"ليس بشيء"، وقال أبو حاتم:"منكر الحديث، يكتب حديثه ولا يحتج به"، وقال البخاري:"فيه نظر". انظر "تهذيب الكمال"(6/ 255 - 256).
ورواه ابن عدي في "الكامل"(6/ 2146) وقال: "وله غير ما ذكرت وليس بالكثير، وعامة أحاديثه لا يتابع عليه".
ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده (1824) عن طلحة بن عمرو، عن محمد بن المنكدر به، بلفظ:"أفضل الأعمال إيمان بالله، وجهاد في سبيل الله" قال: قلنا: ما برُّ الحجّ؟ قال: "إطعام الطعام، وطيب الكلام".
وإسناده ضعيف جدًّا، فيه طلحة بن عمرو الحضرمي المكي وهو متروك.
ورواه الحاكم (1/ 483) من طريق أيوب بن سويد، ثنا الأوزاعي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما برُّ الحجّ؟ قال (فذكره بمثل حديث الطيالسي).
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، لأنهما لم يحتجا بأيوب بن سويد لكنه حديث له شواهد كثيرة" اهـ.
قلت: بل إسناده ضعيف؛ لأن أيوب بن سويد الرّملي متكلم فيه، قال فيه ابن معين:"ليس بشيء يسرق الحديث"، وقال البخاري:"يتكلمون فيه"، وقال النسائي:"ليس بثقة"، وقال أبو حاتم:"لين الحديث"، وقال ابن عدي:"يقع في حديثه ما يوافقه الثقات، ويقع فيه ما لا يوافقونه عليه، ويكتب حديثه في جملة الضعفاء" انظر "تهذيب الكمال"(1/ 318).
قلت: ومع ضعفه فقد خالف فيه الثقة، فقد رواه البيهقي (5/ 262) من طريق الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن ابن المنكدر، مرسلًا.
وبالجملة فليس ما يشهد لتفسير الحج المبرور من الحديث المرفوع؛ ولذلك قال ابن حجر في "الفتح" بعد ما عزا حديث جابر لأحمد والحاكم: "وفي إسناده ضعف، فلو ثبت لكان هو المتعين دون غيره". فتح الباري (3/ 382).
وفي الباب أحاديث إلا أنها لا تصح.
منها ما رُوي عن جابر مرفوعًا: "ما أمعر حاجٌّ قطّ".
قيل لجابر: "ما الإمعار؟ قال: ما افتقر". فهو مما تفرّد به محمد بن أبي حميد. ومن طريقه رواه البزار -كشف الاستار (1080) - عنه، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، فذكره.
قال البزار: تفرّد به محمد بن أبي حميد، وعنده أحاديث لا يتابع عليها، ولا أحسب ذلك من تعمّده، ولكن من سوء حفظه، فقد روى عنه أهل العلم.
وأمّا قول الهيثميّ (3/ 208) بعد أن عزاه للطبراني في "الأوسط"، والبزار:"ورجاله رجال الصّحيح" فهو ليس بصحيح؛ فإنّ محمد بن أبي حميد الأنصاريّ الزرقي ليس من رجال الصحيح، بل من رجال الترمذيّ وابن ماجه، ثم هو ضعيف عند جمهور أهل العلم.
ومنها ما رُوي عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أمَّ هذا البيت من الكسب الحرام شخص في غير طاعة الله، فإذا أهلّ ووضع رجله في الغَرْز (أي الركاب) وانبعثت به راحلته وقال: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك كسبك حرام، وزادك حرام، وراحلتك حرام، فارجع مأزورًا غير مأجور، وأبشر بما يسوؤك، وإذا خرج الرجل حاجًا بمال حلال، ووضع رجله في الركاب، وانبعثت به راحلته وقال: لبيك اللهم لبيك، ناداه منادٍ من السماء: لبيك وسعديك قد أجبتك، راحلتك حلال، وثيابك حلال، وزادك حلال، فارجع غير مأزور، وأبشر بما يسرّك".
رواه البزار -كشف الأستار (1079) - عن محمد بن مسكين، ثنا سعيد، عن سليمان بن داود، ثنا يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، فذكره.
قال البزار: "الضّعف بيّن علي أحاديث سليمان، ولا يتابعه عليها أحد، وهو ليس بالقوي".
وبه أعلّه الهيثميّ في "المجمع"(3/ 209 - 210) فقال: "ضعيف".
وأما ما روي عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وفدُ الله ثلاثةٌ: الغازي، والحاجُّ، والمعتمر"، فهو موقوف على كعب الأحبار.
رواه النسائي (2625)، وابن خزيمة (2511)، وابن حبان (3692)، والحاكم (1/ 441) كلّهم من حديث مخرمة بن بكير، عن أبيه، قال: سمعت سهيل بن أبي صالح، قال: سمعت أبي يقول:
سمعت أبا هريرة يقول (فذكره).
ومن هذا الوجه رواه أيضًا ابن شاهين في "الترغيب"(321)، والبيهقيّ (5/ 262) وقال:"وكذا رُوي عن موسى بن عقبة، عن سهيل".
قال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم".
قلت: مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه، وإنما وجد كتابه فروى عنه، ولم يسمع منه؛ ولذا قال ابن حبان في "الثقات":"يحتج بحديثه من غير روايته عن أبيه؛ لأنه لم يسمع من أبيه".
وهذا تناقض! لأنه أخرج حديثه في صحيحه على القاعدة الأصلية بأن الوجادة من أنواع تحمل الحديث، فلعلّ ذهل عنه لما تكلّم في "الثقات" وهو متقدم في تأليفه على الصّحيح.
لكنه خولف في رفعه إلى أبي هريرة.
وقد أشار إلى هذا الاختلاف أبو حاتم فقال: "ورواه سليمان بن بلال، عن سهيل، عن أبيه، عن مرداس الجندعيّ، عن كعب قوله. وقال: ورواه عاصم عن كعب قوله". العلل (1/ 339 - 340).
وقال الدّارقطني في "العلل"(10/ 125) بعد أن سئل عن حديث أبي صالح، عن أبي هريرة.
قال: "يرويه سهيل بن أبي صالح، واختلف عنه. فرواه بكير بن عبد الله بن الأشجّ، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة. تفرّد به عنه ابنه مخرمة بن بكير. وخالفه روح بن القاسم، وسليمان بن بلال، وعبد العزيز بن المختار، والدراوردي، وابن أبي حازم، ووهيب بن خالد، رووه عن سهيل، عن أبيه، عن مرداس الجندعيّ، عن كعب الأحبار، قوله. وهو الصحيح".
ثم أسند رواية روح بن القاسم، ووهيب بن خالد، وسليمان بن بلال كلّهم عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن مرداس، عن كعب، قال:"وفد الله ثلاثة: الغازي في سبيل الله وافد على الله، والحاج إلى بيت الله وافد على الله، والمعتمر وافد على الله" انتهى.
وأخرجه أيضًا البيهقي في "شعب الإيمان"(3/ 474 - 475) من حديث وهيب بن خالد وقال: "وحديث خالد أصح".
وكذلك أعلّه أبو نعيم في "الحلية"(8/ 328) فقال: "غريب، تفرّد به مخرمة، عن أبيه، عن سهيل".
وللقائل أن يقول: لعلّ سهيلًا روى هذا الحديث من وجهين: مرفوعًا من حديث أبي هريرة، رواه عنه اثنان: بكير بن عبد الله بن الأشجّ وعنه ابنه مخرمة. وموسى بن عقبة عن سهيل، كما قال البيهقي ولم أقف على إسناده.
ورواه روح بن القاسم، وسليمان بن بلال، وعبد العزيز بن المختار وغيرهم -الذين ذكرهم الدارقطني- كلّهم عن سهيل، عن أبيه، عن مرداس، عن كعب من قوله.
فيجاب بأنّ الحكم للأكثر، وكلام أهل العلم يؤيد ذلك.
أو لأنّ مخرمة بن بكير كان يروي عن أبيه وجادة من كتاب ولم يسمع منه، فلعلّه انتقل بصره من هذا المتن إلى إسناد آخر، فحدّث به كذلك.
وأما أصحاب الصِّحاح ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، فمشوا على الجادة بأن من رفع عنده زيادة علم، ولم ينظروا إلى اختلاف الرواة قلة وكثرة.
وكذلك لا يصح أيضًا ما رواه ابن ماجه (2892) عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الحجاج والعُمار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروا غفر لهم".
رواه من طريق صالح بن عبد الله بن صالح مولى بني عامر، حدّثني يعقوب بن يحيى بن عبّاد بن عبد الله بن الزبير، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، فذكره.
ومن هذا الطريق رواه أيضًا البيهقيّ (5/ 262) وقال: "صالح بن عبد الله منكر الحديث".
قلت: وهو كما قال، وقد قال مثله البخاريّ، وابن عدي، وفي التقريب:"مجهول".
ووهم الحافظ المنذريّ فعزاه في "الترغيب والترهيب"(1723) للنسائيّ أيضًا. والصّواب حديث النسائيّ هو كما مضى، وهذا اللفظ تفرّد به ابن ماجه؛ ولذا ذكره البوصيريّ في زوائد ابن ماجه.
وكذلك لا يصح ما رُوي عن ابن عمر مرفوعًا: "الغازي في سبيل الله، والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم".
رواه ابن ماجه (2893)، وصحّحه ابن حبان (4613) كلاهما من حديث عمران بن عيينة، حدّثنا عطاء بن السّائب، عن مجاهد، عن ابن عمر، فذكره.
وعمران بن عيينة أخو سفيان بن عيينة مختلف فيه غير أنه حسن الحديث إذا لم يخالف، ولكن علته شيخه عطاء بن السائب فإنه مختلط، وهو روي عنه بعد الاختلاط، كما أنه خولف فيه.
وأمّا البوصيريّ فحسّن إسناده وقال: "عمران مختلف فيه. وقال: رواه البيهقي من هذا الوجه فوقفه ولم يرفعه".
ولم يشر إلى اختلاط عطاء واضطرابه في الرفع والوقف فتنبّه.
وكذلك لا يصح ما رُوي عن جابر مرفوعًا: "الحجّاج والعمّار وفد الله، دعاهم فأجابوه، سألوه فأعطاهم".
رواه البزار -كشف الأستار (1153) - عن الوليد بن عمرو، ثنا أبو عاصم، ثنا محمد بن أبي حميد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، فذكره.
قال البزار: "لا نعلمه عن جابر إلا عن ابن المنكدر. ورواه عنه ابن أبي حميد وطلحة بن عمرو".
ومحمد بن أبي حميد هو إبراهيم الأنصاريّ الزرقي اتفق أهل العلم على أنه ضعيف منكر الحديث.
وأما طلحة بن عمرو فهو ابن عثمان الحضرمي المكي أضعف من محمد بن أبي حميد قال فيه الحافظ: "متروك".