الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي، فأقبل به المسور وعبد الرحمن مشتملين بأرديتهما حتى استأذنا على عائشة، فقالا: السلام عليك ورحمة اللَّه وبركاته، أندخل؟ قالت عائشة: ادخلوا. قالوا: كلنا. قالت: نعم، ادخلوا كلكم، ولا تعلم أن معهما ابن الزبير، فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب، فاعتنق عائشة، وطفق يناشدها، ويبكي، وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدانها إلا ما كلمته، وقبلت منه، ويقولان: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عما قد علمت من الهجرة، فإنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال. فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج طفقت تذكرهما، وتبكي، وتقول: إني نذرت والنذر شديد. فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير، وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة، وكانت تذكر نذرها بعد ذلك، فتبكي حتى تبل دموعها خمارها.
صحيح: رواه البخاريّ في الأدب (6073، 6074، 6075) عن أبي اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: حدثني عوف بن مالك فذكره.
وفي رواية عنده (3505) عن عروة بن الزبير قال: كان عبد اللَّه بن الزبير أحب البشر إلى عائشة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وكان أبرَّ النّاس بها، وكانت لا تمسك شيئًا مما جاءها من رزق اللَّه إلا تصدقت. فقال ابن الزبير: ينبغي أن يؤخذ على يديها، فقالت: أيؤخذ على يدي، علي نذر إن كلمته. فذكر بقية الحديث.
وهذا الحجر على عائشة لم يكن في محله؛ لأنها لم تكن سفيهة؛ فإن تصرفها كان صحيحا، ولذا لم ترض بحجر ابن الزبير، بل شدت عليه بأن لا تكلمه أبدا.
3 - باب متى ينقطع اليتم
• عن حنظلة يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يتم بعد احتلام، ولا يتم على جارية إذا هي حاضت".
حسن: رواه الطبراني في الكبير (4/ 16) عن محمد بن عبد اللَّه الحضرمي، ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، ثنا سلم بن قتيبة، ثنا ذيال بن عبيد قال: سمعت جدي حنظلة يقول فذكره.
وإسناده حسن من أجل ذيال بن عبيد وهو ابن حنظلة بن حذيم الحنفي، وثّقه ابن معين.
وقال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عنه، فقال: تابعي. قلت: يحتج بحديثه؟ فقال: شيخ أعرابي". الجرح والتعديل (3/ 452). وذكره ابن حبان في ثقاته (4/ 222)، فمثله يحسن حديثه، فإن قول أبي حاتم:"شيخ أعرابي" ليس بجرح مفسر، ولا توثيق مطلق، بل هو بين هاتين الدرجتين، وهو الذي عبر عنه ابن حجر في التقريب:"صدوق". وقال في التلخيص: "إسناده لا
بأس به".
وأما الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 226) فقال: "رجاله ثقات" اعتمادا على توثيق ابن حبان.
وفي الباب ما روي عن علي بن أبي طالب قال: حفظت عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يتم بعد احتلام، ولا صُمات يوم إلى الليل".
رواه أبو داود (2872) عن أحمد بن صالح، حدّثنا يحيى بن محمد المديني، حدّثنا عبد اللَّه بن خالد بن سعيد بن أبي مريم، عن أبيه، عن سعيد بن عبد الرحمن بن يزيد بن رُقَيش أنه سمع شيوخا من بني عمرو بن عوف ومن خاله عبد اللَّه بن أبي أحمد قال: قال علي بن أبي طالب. فذكر الحديث.
ورواه العقيلي في "الضعفاء الكبير"(4/ 428 - 429) من طريق يحيى بن محمد بإسناده، وزاد فيه:"ولا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتاق إلا بعد ملك، ولا وفاء في ذمة في معصية اللَّه، ولا وصال في الصيام".
قال العقيلي: "وهذا الحديث لا يتابع عليه يحيى، وهذا يرويه معمر، عن جويبر، عن الضحاك، عن النزال بن سبرة، عن علي مرفوعا. ورواه الثوري وغيره عن جويبر موقوفا، وهو الصواب". انتهى كلامه.
وأعله أيضًا المنذري بيحيى بن المدني، فقال:"قال الخطابي: يتكلمون فيه. وقال ابن حبان: يجب التنكب عما انفرد به من الروايات". وذكر كلام العقيلي. انتهى كلام المنذري.
وحديث معمر بن راشد رواه عبد الرزاق في مصنفه (11450) عنه عن جويبر بإسناده.
ورواه ابن ماجه (2049)، والبيهقي (7/ 461) كلاهما من حديث عبد الرزاق إلا أن ابن ماجه اقتصر على قوله:"لا طلاق قبل النكاح".
قال عبد الرزاق: "قال سفيان لمعمر: إن جويبرا حدّثنا بهذا الحديث، ولم يرفعه. قال معمر: وحدثنا به مرارا، ورفعه".
وجويبر -تصغير جابر- ابن سعيد الأزدي أبو القاسم البلخي، ضعيف جدا، ضعفه ابن معين، والنسائي، والدارقطني، والحاكم، وغيرهم.
فالإسناد ضعيف موقوفا ومرفوعا، وصحّح وقفه الدارقطني أيضًا. انظر "العلل"(4/ 142). وممن ضعّفه أيضًا ابن القطّان في "الوهم والإيهام"(3/ 536)، وفي الإسناد علل أخرى.
وفي الباب ما روي أيضًا عن أنس بن مالك مرفوعا: "لا يتم بعد حلم".
رواه البزار (12/ 350) عن إبراهيم بن سعيد الجوهري، نا يحيى بن يزيد بن عبد اللَّه بن المغيرة، عن أبيه، عن محمد بن المنكدر، عن أنس فذكره.
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد، ويزيد بن عبد الملك لين الحديث، وقد روى عنه جماعة من أهل العلم، واحتملوا حديثه على لينه".
قلت: خفف البزار القول في يزيد بن عبد الملك، وهو ضعيف باتفاق أهل العلم. قال الذهبي في "المغني في الضعفاء" (2/ 751):"مجمع على ضعفه". وبه أعله الهيثمي في "المجمع"(4/ 226). وفي الباب أيضًا عن جابر بن عبد اللَّه، قال المنذري بعد أن ذكر حديث أنس وجابر: ليس فيها شيء يثبت.
قلت: وحديث جابر رواه أبو داود الطيالسي، وعنه البيهقي (7/ 319)، وفيه حرام بن عثمان، ونقل عن الشافعي وابن معين أنهما قالا: الحديث عن حرام بن عثمان حرام. وفيه أيضًا خارجة بن مصعب متروك.
والخلاصة أن حديث الباب حسن، وتقوّيه هذه الشواهد، ولذا أخذ الفقهاء بهذا الحديث، وفرعوا عليه تفريعات في حكم الأيتام.
قال الخطابي: "ظاهر هذا الحديث يوجب انقطاع أحكام اليتم عنه بالاحتلام، وحدوث أحكام البالغين له، فيكون للمحتلم أن يبيع ويشتري ويتصرف في ماله ويعقد النكاح لنفسه، وإن كانت امرأة فلا تزوج إلّا بإذنها. ولكن المحتلم إذا لم يكن رشيدًا لم يفك الحجر عنه، وقد يحظر الشيء بسببين، فلا يرتفع بارتفاع أحدهما مع بقاء السبب الآخر، وقد أمر اللَّه تعالى بالحجر على السفيه، فقال:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [سورة النساء: 5].