الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم يكن معه هدي فلا شيء عليه، إلّا إن كان حجّه حجّة الإسلام فعليه حجة قابلة، وبه قال الحنابلة.
قال أبو داود في "المسائل"(ص 123): سمعت أحمد سُئل عمن اشترط في الحج ثم أُحصر؟ قال: ليس عليه شيء. ثم ذكر أحمد قول الذي قال: كانوا يشترطون ولا يرونه شيئًا! قال: كلام منكوس، أراد أن يحسِّن ردّ حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم لقول ضباعة:"قولي: محلي حيث حبستني". انظر للمزيد "المنة الكبرى"(4/ 372).
14 - باب ما يحلّ للمحرم أكله من الصّيد وما لا يحلّ
• عن الصّعب بن جثّامة اللّيثيّ، أَنَّهُ أَهْدَى لِرُسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَهُوَ بِالأبْوَاءِ أو بِوَدَّانَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا فِي وَجْهِي. قَال: "إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلا أَنَّا حُرُمٌ".
متفق عليه: رواه مالك في الحج (83) عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عبد الله بن عباس، عن الصعب بن جثامة، به.
ورواه البخاريّ في جزاء الصيد (1825)، ومسلم في الحج (1193) كلاهما من طريق مالك، به، مثله.
وبوّب له البخاري بقوله: "إذا أهدي للمحرم حمارًا وحشيًا حيًّا لم يقبل".
قال الترمذي عقب إخراج الحديث من طريق الزهري: "وقد روى بعض أصحاب الزهري عن الزهري هذا الحديث وقال: أهدى له لحم حمار وحش، وهو غير محفوظ".
قلت: وكذلك قال الشافعي كما سيأتي.
• عن عبد الله بن عباس، قال: أَهْدَى الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَال: "لَوْلا أَنَّا مُحْرِمُونَ لَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ".
صحيح: رواه مسلم في الحج (1194) من طرق، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، فذكره.
وفي رواية: "رجْل حمار وحْش".
وفي رواية: "عجز حمار وحش يقطر دمًا".
وفي رواية: "شقُّ حمار وحش".
قال الشافعي: وحديث مالك أن الصّعب أهدى للنبيّ صلى الله عليه وسلم حمارًا أثبت من حديث من حدّث أنه أهدي له من لحم حمار".
وأما ما روي عن يحيى بن سليمان الجعفي، قال: حدثني ابن وهب، أخبرني يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضّمريّ، عن أبيه، أنّ الصّعب بن جثّامة أهدي
للنبيّ صلى الله عليه وسلم عجز حمار وحشي، وهو بالجحفة فأكل منه، وأكل القوم" فهو منكر.
رواه البيهقي (5/ 193) من هذا الوجه.
ويحيى بن سليمان الجعفي مختلف فيه، فقال أبو حاتم:"شيخ"، وقال الدارقطني:"ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات.
ولكن قال النسائي: ليس بثقة، والراوي عنه يحيى بن أيوب، وهو الغافقي قال النسائي: ليس بذاك القوي، وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال أحمد: يخطئ خطأ كبيرًا. وكذّبه مالك في حديثين.
ولذا قال ابن التركماني بعد أن نقل أقوال أهل العلم فيهما: "فعلي هذا لا يشتغل بتأويل هذا الحديث لأجل سنده، ولمخالفته للحديث الصحيح. وقول البيهقي: وقبل اللحم. يردّه ما في الصحيح أنه عليه السلام ردّه" انتهى كلام ابن التركمانيّ.
• عن ابن عباس، قال: قَدِمَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ -يَسْتَذْكِرُهُ-: كَيْفَ أَخْبَرْتَنِي عَنْ لَحْمِ صَيْدٍ أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ حَرَامٌ؟ قَال: قَال: أُهْدِيَ لَهُ عُضْوٌ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ فَرَدَّهُ فَقَال: "إِنَّا لا نَأْكُلُهُ إِنَّا حُرُمٌ".
صحيح: رواه مسلم في الحج (1195) عن زهير بن حرب، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، أخبرني الحسن بن مسلم، عن طاوس، عن عبد الله بن عباس قال: فذكره.
• عن عبد الرحمن بن عامر بن ربيعة، قال: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعْرَجِ وَهُوَ مُحْرِمُ فِي يَوْم صَائِفٍ قَدْ غَطَّى وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ، ثُمَّ أُتِيَ بِلَحْمٍ صَيْدٍ فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: كُلُوا، فَقَالُوا: أَوَ لا تَأُكُلُ أَنْتَ؟ فَقَال: إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي.
صحيح: رواه مالك في الحج (87) عن عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الرحمن بن عامر بن ربيعة، فذكره.
قال مالك: "في الرجل المحرم يصاد من أجله صيد، فيصنع له ذلك الصيد، فيأكل منه وهو يعلم أنه من أجله صيد، فإن عليه جزاء ذلك الصيد كله".
• عن عبد الله بن الحارث -وَكَانَ الْحَارِثُ، خَلِيفَةُ عُثْمَانَ عَلَى الطَّائِفِ -فَصَنَعَ لِعُثْمَانَ طَعَامًا فِيهِ مِنَ الْحَجَلِ وَالْيَعَاقِيبِ وَلَحْمِ الْوَحْشِ، قَالَ: فَبَعَثَ إِلَى عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَجَاءَهُ الرَّسُولُ وَهُوَ يَخْبِطُ لأَبَاعِرَ لَهُ، فَجَاءَهُ وَهُوَ يَنْفُضُ الْخَبَطَ عَنْ يَدِهِ. فَقَالُوا لَهُ: كُلْ، فَقَال: أَطْعِمُوهُ قَوْمًا حَلَالًا؛ فَإنّا حُرُمٌ. فَقَالَ: عَلِيٌّ رضي الله عنه: أَنْشُدُ اللَّهَ مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ أَشْجَعَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْدَى إِلَيْهِ رَجُلٌ حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
حسن: رواه أبو داود (1849) عن محمد بن كثير، حدّثنا سليمان بن كثير، عن حميد الطويل،
عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي، عن أبيه، فذكره.
وإسناده حسن من أجل سليمان بن كثير العبدي البصري فإنه مختلف فيه غير أنه يُقبل في غير الزهري، وقد توبع ..
وهو ما رواه أحمد (783)، والبزار -كشف الأستار (1100) - مطوّلًا من طريق سليمان بن المغيرة، عن علي بن زيد، حدّثنا عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي، قال: كان أبي الحارث على أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ مَكَّةَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ، فَأَقْبَلَ عُثْمَانُ رضي الله عنه إِلَى مَكَّةَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ: فَاسْتَقْبَلْتُ عُثْمَانَ بِالنُّزُلِ بِقُدَيْدٍ فَاصْطَادَ أَهْلُ الْمَاءِ حَجَلا فَطَبَخْنَاهُ بِمَاءٍ وَمِلْحٍ فَجَعَلْنَاهُ عُرَاقًا لِلثَّرِيدِ فَقَدَّمْنَاهُ إِلَى عُثْمَانَ وَأَصْحَابِهِ فَأَمْسَكُوا، فَقَالَ عُثْمَانُ: صَيْدٌ لَمْ أَصْطَدْهُ وَلَمْ آمُرْ بِصَيْدِهِ، اصْطَادَهُ قَوْمٌ حِلٌّ فَأَطْعَمُونَاهُ، فَمَا بَأْسٌ، فَقَالَ عُثْمَانُ: مَنْ يَقُولُ فِي هَذَا؟ فَقَالُوا: عَلِيٌّ، فَبَعَثَ إِلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه فَجَاءَ -قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَلِيٍّ حِينَ جَاءَ وَهُوَ يَحُتُّ الْخَبَطَ عَنْ كَفَّيْهِ-، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: صَيْدٌ لَمْ نَصْطَدْهُ وَلَمْ نَأُمُرْ بِصَيْدِهِ، اصْطَادَهُ قَوْمٌ حِلٌّ، فَأَطْعَمُونَاهُ، فَمَا بَأْسٌ؟ قَالَ: فَغَضِبَ عَلِيٌّ، وَقَالَ: أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلا شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أُتِيَ بِقَائِمَةِ حِمَارِ وَحْشٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّا قَوْمٌ حُرُمٌ فَأَطْعِمُوهُ أَهْلَ الْحِلِّ". قَالَ: فَشَهِدَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ: أُشْهِدُ اللَّهَ رَجُلا شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أُتِيَ بِبَيْضِ النَّعَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّا قَوْمٌ حُرُمٌ أَطْعِمُوهُ أَهْلَ الْحِلِّ". قَال: فَشَهِدَ دُونَهُمْ مِن الْعِدَّةِ مِنَ الِاثْنَيْ عَشَرَ. قَال: فَثَنَى عُثْمَانُ وَرِكَهُ عَنِ الطَّعَامِ، فَدَخَلَ رَحْلَهُ وَأَكَلَ ذَلِكَ الطَّعَامَ أَهْلُ الْمَاءِ.
وعلي بن زيد هو ابن جدعان ضعيف، ولذا وقع في حديثه بعض المناكير.
وقد رواه أيضًا الإمام أحمد (784)، وأبو يعلى (356، 423) من أوجه أخرى عن علي بن زيد بدون ذكر العدد الذي شهدوا.
وأما قول البزار: "وهذا أحسن ما يروى عن علي في هذا الباب" فإن كان يقصد به أحسن إسنادًا فالأمر ليس كذلك، فالذي رواه أبو داود قد يكون أحسن منه، وإن قصد به أصل الحديث فهو كما قال.
فقد رُوي عن علي بإسناد ضعيف أنه قال: "أتي النبيّ صلى الله عليه وسلم بلحم صيد وهو محرم فلم يأكله".
رواه ابن ماجه (3091) عن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عمران بن محمد بن أبي ليلى، عن أبيه، عن عبد الكريم، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس، عن علي بن أبي طالب، فذكره.
وإسناده ضعيف من أجل محمد بن أبي ليلى، وشيخه عبد الكريم بن أبي المخارق وهما ضعيفان.
ومن هذا الوجه أخرجه أيضًا عبد الله بن أحمد في زياداته على المسند (830)، وأبو يعلى (433).
وأعله البوصيري في "الزوائد" بعيد الكريم بن أبي المخارق.
وقوله: "الحَجَل" بالتحريك: الطائر المعروف، واحده حَجَلة.
واليعاقيب: جمع يعقوب وهو ذكر الحجل.
والخبْط -بسكون الباء الموحدة-: ضرب الشجر بالعصا ليتناثر الورق لعلف الإبل.
وقوله: "أشجع" بسكون الشين المعجمة - وهو أشجع بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس من مضر، وهي بطن.
وفي الحديث إشارة إلى أن علي بن أبي طالب قد علم أن الحارث إنما اتخذ هذا الطعام من أجل عثمان ومن يحضر معه من أصحابه، فلم ير أن يأكله، ولا أحد ممن بحضرته.
• عن عائشة، قالت: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشيقة ظبي وهو محرم، فلم يأكله.
صحيح: رواه الإمام أحمد (25882) عن عبد الرزاق -وهو في مصنفه (8324) - عن الثوريّ، عن قيس بن مسلم، عن الحسن بن محمد، عن عائشة، فذكرته.
وإسناده صحيح. والحسن بن محمد هو ابن علي بن أبي طالب ووالده محمد هو المعروف بابن الحنفية.
وقيس بن مسلم هو الجدليّ من رجال الشيخين.
ولكن رواه الإمام أحمد (24128)، وأبو يعلى (4616) كلاهما من حديث سفيان، عن عبد الكريم، عن قيس بن مسلم الجدليّ، بإسناده مثله.
فأدخلا بين سفيان وقيس بن مسلم "عبد الكريم" وهو ابن أبي المخارق ضعيف.
ورواه أيضًا عبد الرزاق (8325) عن معمر، عن عبد الكريم، به.
وهي متابعة قوية لترجيح رواية سفيان عن عبد الكريم. ولكن يجوز أن يقال: لعلّ سفيان سمع أولًا عن عبد الكريم، عن قيس بن مسلم، ثم تيسّر له السماع من قيس بن مسلم مباشرة. ولم يتيسّر لمعمر فيكون كلاهما محفوظا إلّا أنّ الأول صحيح، والثاني ضعيف.
وصحّح الهيثميّ في المجمع (3/ 230) رجال أحمد دون رجال أبي يعلي.
وقوله: "وشيقة ظبي" والوشيقة أن يؤخذ اللّحم فيغلي قليلًا، وتحمل في الأسفار.
ولعلّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يأكله لأنه صيد له.
وفي الباب ما روي عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه، أو يُصد لكم".
رواه أبو داود (1851)، والترمذي (846)، والنسائي (2827) كلهم عن قتيبة بن سعيد، حدثنا يعقوب -الأسكندراني القاري-، عن عمرو، عن المطلب، عن جابر، فذكره.
قال الترمذي: "المطلب لا نعرف له سماعًا عن جابر".
وقال النسائي: "عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي في الحديث، وإن كان قد روي عنه مالك".
قلت: ومن هذا الوجه رواه أيضًا الإمام أحمد (14894)، وعبد الرزاق (8349)، وصحّحه ابن خزيمة (2641)، وابن حبان (3971)، والحاكم (1/ 452، 476) وقال: "صحيح على شرط الشيخين".
وهذا وهم منه؛ فإن المطلب وهو ابن عبد الله بن حنطب لم يخرج له واحد من الشّيخين في صحيحه.
والمطلب هذا قال فيه البخاري: لا أعرف له سماعًا من أحد من الصحابة.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: "المطلب بن عبد الله بن حنطب عامة حديثه مراسيل لم يدرك أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سهل بن سعد وأنسًا وسلمة بن الأكوع، ومن كان قريبًا منهم، ولم يسمع من جابر ولا من زيد بن ثابت، ولا من عمران بن حصين" انظر: "المراسيل".
وضعّف هذا الحديث ابن حزم في "المحلي"(7/ 253) من أجل عمرو بن أبي عمرو فقال: "هذا خبر ساقط من أجله".
قلت: عمرو بن أبي عمرو سبق فيه كلام النسائي بأنه ليس بالقوي، وقال يحيى بن معين: لا يحتج بحديثه، وقال مرة: ليس بقوي، وليس بحجة. وقال أبو داود: ليس بالقوي. وقال ابن القطان في "الوهم والإيهام"(4/ 184): هو مستضعف وأحاديثه تدل على حاله.
ولكن قال أحمد: ليس به بأس. وقال العجلي: ثقة. وقال ابن عدي: لا بأس به.
والخلاصة: أنه "صدوق وله أخطاء"، وحديثه حسن إذا لم يخطئ، ولم يأت في حديثه ما ينكر عليه، ولعل هذا الحديث مما أخطأ فيه؛ لأنه ليس في الأحاديث الصحيحة ما يدل على ذلك.
وللحديث طرق أخرى ذكرتها في "المنة الكبرى"(4/ 100 - 103).
ولوجود طرق أخرى قوى البيهقي (5/ 190) هذا الحديث.
وقال الشافعي: "هذا أحسن حديث روي في هذا الباب وأقيس".
وقلت: وبه قال مالك والشافعي وأحمد وجمهور من السلف.
وقال أبو حنيفة وطائفة من الملف: إنه يجوز للمحرم أكل لحم الصيد مطلقًا ما لم يصده تمسكًا بحديث أبي قتادة.
وذهب طائفة من الناس: أن لحم الصيد يحرم على المحرمين في كل حال مستدلين بقوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [سورة المائدة: 96].
وهو مذهب علي، وابن عباس، وابن عمر، ومعاذ وغيرهم كما نقل ذلك عنهم عبد الرزاق في المصنف (4/ 425).
واستدلوا أيضًا بحديث الصعب بن جثامة الليثي: "إنا حرم لا نأكل الصيد". وجمع الجمهور
بين أحاديث الرد والقبول فقالوا: أحاديث القبول محمولة على ما يصيده الحلال لنفسه، ثم يهدي منه للمحرم.
وأحاديث الرد محمولة على ما صاده الحلال لأجل المحرم حتى لا يلزم طرح شيء من الأحاديث، وهو الذي رجّحه أيضًا الحافظ ابن القيم في زاده (2/ 165)، والله تعالى أعلم.
• عن عبد الله بن أبي قتادة، قال: انْطَلَقَ أَبِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ يُحْرِمْ، وَحُدِّثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ عَدُوًّا بِغَيْقَةَ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَصْحَابِهِ، يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، إِذْ نَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ، فَاسْتَعَنْتُهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي، فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهِ، وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ، فَانْطَلَقْتُ أَطْلُبُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وَأَسِيرُ شَأْوًا، فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقُلْتُ: أَيْنَ لَقِيتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: تَرَكْتُهُ بِتَعْهِنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا، فَلَحِقْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَصْحَابَكَ يَقْرَءُونَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللهِ، وَإِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يُقْتَطَعُوا دُونَكَ، انْتَظِرْهُمْ، فَانْتَظَرَهُمْ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أَصَدْتُ وَمَعِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لِلْقَوْمِ: "كُلُوا" وَهُمْ مُحْرِمُونَ.
متفق عليه: رواه البخاريّ في الصيد (1821)، ومسلم في الحج (1196: 59) كلاهما من طريق هشام بن أبي عبد الله الدَّستوائيّ، عن يحيى بن أبي كثير، حدثني عبد الله بن أبي قتادة، به. واللفظ لمسلم، ولفظ البخاري قريب منه.
قوله: "بغيقة" موضع من بلاد بني غفار بين مكة والمدينة.
قوله: "وخشينا أن نقتطع" أي يقطعنا العدوّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
قوله: "أرفع فرسي شأوًا" أي أكلفة السير السريع، والشأو: الغاية والأمد.
قوله: "أَصَدْت" أي اصطدت.
ورواه البخاري في الصيد أيضًا (1824)، ومسلم في الحج (1196: 60) من طريق عثمان بن عبد الله بن مَوْهَب، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، به، نحوه.
وفيه، فقال:"هل منكم أحدٌ أمره أو أشار إليه بشيء؟ " قال: قالوا: لا. قال: "فكلوا ما بقي من لحمها".
• عن أبي قتادة، ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا، فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوُلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا عَلَيْهِ فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ فَأَبَوْا فَأَخَذَهُ، ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبَى بَعْضُهُمْ، فَلَمَّا
أَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِك، فَقَالَ:"إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ".
متفق عليه: رواه مالك في الحج (76) عن أبي النضر مولي عمر بن عبيد الله التيمي، عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري، عن أبي قتادة، به، فذكره.
قال مالك: وعن زيد بن أسلم؛ أن عطاء بن يسار أخبره، عن أبي قتادة في الحمار الوحشي مثل حديث أبي النضر، إلا أن في حديث زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"هل معكم من لحمه شيء".
ورواه البخاري في الجهاد (2914)، ومسلم في الحج (1196: 57، 58) كلاهما من طريق مالك، به، مثله.
• عن أبي قتادة، قال: أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ مُحْرِمُونَ، وَأَبُو قَتَادَةَ مُحِلٌّ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: فَقَال: "هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ". قَالُوا: مَعَنَا رِجْلُهُ. قَال: فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَكَلَهَا.
متفق عليه: رواه البخاريّ في الجهاد (2854)، ومسلم في الحج (1196: 63) كلاهما من طريق فضيل بن سليمان النمري، حدّثنا أبو حازم، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، فذكره.
وحديث أبي قتادة رُوي بأسانيد كثيرة وألفاظ مختلفة وقد ذكرت كثيرًا منها في "المنة الكبرى"(4/ 106).
وأما ما رواه عبد الرزاق (8337) ومن طريقه ابن ماجه (3093) عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، قال:"خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم، قال: فرأيت حمار وحش، فحملت عليه فاصطدته، فذكرت شأنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرت أني لم أكن أحرمت، وأني إنما اصطدته لك. فأمر أصحابه بالأكل ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له".
ففيه نكارة فإن أحدًا لم يقل في حديث أبي قتادة: "اصطدته لك"، وقوله:"ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته لك".
وبين ذلك ابن خزيمة (2642) وعنه الدارقطني (2749).
قال ابن خزيمة: "هذه الزيادة: "إنّما اصطدته لك"، وقوله: "ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته لك" لا أعلم أحدًا ذكره في خبر أبي قتادة غير معمر في هذا الإسناد".
ونقل أيضًا عنه الدارقطني وقال: "وهو موافق لما رُوي عن عثمان".
قلت: وحديث عثمان هو ما رواه الدارقطني (2750) من طريق عبد الرزاق -وهو في مصنفه (8345) - عن معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه، أنه اعتمر مع عثمان في ركب، فلما كانوا بالرّوحاء قُدّم إليهم لحم طير، قال عثمان: كلوا،
وكره أن يأكل منه. فقال عمرو بن العاص: أنأكل مما لست منه آكلًا؟ قال: إني لست في ذلكم مثلكم، إنما صيدتُ لي، وأُميتت باسمي -أو قال: من أجلي-" وإسناده صحيح.
• عن عبد الرحمن بن عثمان التيميّ، قال: كُنَّا مَعَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ وَنَحْنُ حُرُمٌ، فَأُهْدِيَ لَهُ طَيْرٌ وَطَلْحَةً رَاقِدٌ فَمِنَّا مَنْ أَكَلَ وَمِنَّا مَنْ تَوَرَّعَ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَلْحَهُ وَفَّقَ مَنْ أَكَلَهُ، وَقَال: أَكَلْنَاهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
صحيح: رواه مسلم في الحج (1197) عن زهير بن حرب، حدثني يحيى بن سعيد (هو القطان)، عن ابن جريج، أخبرني محمد بن المنكدر، عن معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان التيمي، عن أبيه، به، فذكره.
• عن عُمير بن سلمة الضّمريّ، عن البهزيّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يُرِيدُ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ إِذَا حِمَارٌ وَحْشِيٌّ عَقِيرٌ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"دَعُوهُ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ صَاحِبُهُ". فَجَاءَ الْبَهْزِيُّ -وَهُوَ صَاحِبُهُ- إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، شَأْنَكُمْ بِهَذَا الْحِمَارِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ فَقَسَمَهُ بَيْنَ الرِّفَاقِ، ثُمَّ مَضَى، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالأُثَابَةِ بَيْنَ الرُّوَيْثَةِ وَالْعَرْجِ إِذَا ظَبْيٌ حَاقِفٌ فِي ظِلٍّ فِيهِ سَهْمٌ فَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ رَجُلا أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ لا يَرِيبُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ حَتَّى يُجَاوِزَهُ".
صحيح: رواه مالك في الحج (79) عن يحيى بن سعيد الأنصاريّ، أخبرني محمد بن إبراهيم ابن الحارث التيمي، عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله، عن عمير بن سلمة الضّمريّ، به، فذكره.
وإسناده صحيح. وعمير بن سلمة الضمريّ له صحبة، والبهزي صحابيّ أيضًا اسمه زيد بن كعب.
والحديث يدخل على الصحيح في مسند عمير بن سلمة، كما في التمهيد لابن عبد البر (23/ 343). وكذلك رواه أحمد (15450)، والنسائي (4344)، وابن حبان (5112)، والحاكم (3/ 623 - 624) كلهم من مسند عمير بن سلمة الضمريّ من طريق يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله، عن عمير بن سلمة الضمريّ، قال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بالعرج، فإذا هو بحمار عقير فلم يلبث أن جاء رجل من بهز فقال: يا رسول الله، هذه رميتي فشأنكم بها، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر
…
" فذكره بنحوه.
وأما ما رواه ابن ماجه (3092) من طريق سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عيسى بن طلحة، عن طلحة بن عبيد الله:"أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه حمار وحش وأمره أن يفرقه في الرّفاق وهم محرمون" ففيه خطأ، وقع من ابن عيينة، فإن هذا الحديث لعيسي بن طلحة، عن عمير بن سلمة، كما رواه مالك وغيره.