الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وعلته عثمان بن الهيثم، فإنه مع صدقه تغير فصار يتلقن. والراوي عنه الفضل بن الحباب سمع منه بعد ما تغير، وأبوه الهيثم بن الجهم لم يرو عنه إلا ابنه عثمان، ولم يوثّقه أحد فهو مجهول.
وأما قول أبي حاتم فيه كما في "الجرح والتعديل"(9/ 83): "لم أر في حديثه مكروها" فليس توثيقا له، وإنما فيه الإشارة إلى أن ما يرويه يوافق حديث غيره. وليس كل من يروي حديثا موافقا لغيره ثقة، فقد يخطئ في عزو الحديث إلى غير صاحبه.
وفي الباب أحاديث أخرى لا تصح، إنما الصحيح ما ذكرناه.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا" فمعناه أنه ليس على سيرتنا وهدينا، وهي الصدق والوفاء.
وأما من حمله على أنه خرج من ملتنا فهو خطأ.
وأما ما جاء عن سفيان الثوري أنه كان يكره تفسير "ليس منا" ليس مثلنا، كما ذكره أبو داود (3/ 732)، فكان مراده أن يترك ذلك ليكون أوقع في النفوس، وأبلغ في الزجر، لا أنه كان يكفره، ويخرجه عن الملة.
4 - باب النهي عن الحلف في البيع
• عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة".
متفق عليه: رواه البخاريّ في البيوع (2087)، ومسلم في المساقاة (1606) من طريق يونس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب أن أبا هريرة قال فذكره. واللّفظ للبخاريّ. ولفظ مسلم "ممحقة للربح".
قوله: "منفقة" بفتح الميم والفاء، بينهما نون ساكنة، مفعلة من النفاق -بفتح النون- وهو الرواج ضد الكساد.
• عن أبي هريرة يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ينظر اللَّه إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل كان له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها رضي، وإن لم يعطه منها سخط، ورجل أقام سلعته بعد العصر، فقال: واللَّه الذي لا إله غيره لقد أعطيت بها كذا وكذا فصدقه رجل" ثم قرأ هذه الآية {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [سورة آل عمران: 77].
متفق عليه: رواه البخاريّ في المساقاة (2358) عن موسى بن إسماعيل، حدّثنا عبد الواحد بن زياد، عن الأعمش قال: سمعت أبا صالح يقول: سمعت أبا هريرة فذكر الحديث.
ورواه مسلم في الإيمان (108) من وجه آخر عن الأعمش، فذكر نحوه، ولم يذكر في حديثه آية سورة آل عمران.
• عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "أربعة يبغضهم اللَّه عز وجل: البياع الحلاف، والفقير المختال، والشيخ الزاني، والإمام الجائر".
صحيح: رواه النسائي (2576) عن أبي داود قال: حدّثنا عارم قال: حدّثنا حماد قال: حدّثنا عبيد اللَّه بن عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة فذكره. وإسناده صحيح.
• عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ثلاثة لا يكلمهم اللَّه يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم" قال: فقرأها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار. قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول اللَّه؟ قال:"المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب".
صحيح: رواه مسلم في الإيمان (106) من طرق عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن علي بن مدرك، عن أبي زرعة، عن خرشة بن الحر، عن أبي ذر فذكره.
وفي رواية: "والمنفق سلعته بالحلف الفاجر، والمسبل إزاره".
والمنفِّق بالتشديد من النفاق، وهو ضد الكساد.
• عن مطرف بن عبد اللَّه بن الشخير قال: بلغني عن أبي ذر حديث، فكنت أحب أن ألقاه، فلقيته، فقلت له: يا أبا ذر، بلغني عنك حديث، فكنت أحب أن ألقاك فأسألك عنه، فقال: قد لقيت فاسأل. قال: قلت: بلغني أنك تقول: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "ثلاثة يحبهم اللَّه، وثلاثة يبغضهم اللَّه" قال: نعم، فما إخالُني أكذب على خليلي محمد صلى الله عليه وسلم. -ثلاثا يقولها-
قال: قلت: من الثلاثة الذين يحبهم اللَّه عز وجل؟ قال: "رجل غزا في سبيل اللَّه، فلقي العدو مجاهدا محتسبا، فقاتل حتى قتل، وأنتم تجدون في كتاب اللَّه عز وجل {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} [سورة الصف: 4]، ورجل له جار يؤذيه، فيصبر على أذاه، ويحتسبه حتى يكفيه اللَّه إياه بموت أو حياة، ورجل يكون مع قوم فيسيرون حتى يشق عليهم الكرى أو النعاس، فينزلون في آخر الليل، فيقوم إلى وضوئه وصلاته".
قال: قلت: من الثلاثة الذين يبغضهم اللَّه؟ قال: "الفخور المختال، وأنتم تجدون في كتاب اللَّه عز وجل {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [سورة لقمان: 18]، والبخيل المنان، والتاجر -أو البياع- الحلاف".
قال: قلت: يا أبا ذر، ما المال؟ قال: فِرقٌ لنا وذودٌ -يعني بالفِرق غنمًا يسيرة-. قال: قلت: لست عن هذا أسأل، إنما أسألك عن صامت المال. قال: ما
أصبح لا أمسى، وما أمسى لا أصبح. قال: قلت: يا أبا ذر، ما لك ولإخوتك قريش؟ قال: واللَّه لا أسألهم دنيا، ولا أستفتيهم عن دين اللَّه حتى ألقى اللَّه ورسوله. ثلاثا يقولها.
صحيح: رواه أحمد (21530)، والطبراني في الكبير (2/ 161)، والحاكم (2/ 88 - 89)، والبيهقي (9/ 160) كلهم من طريق الأسود بن شيبان، عن يزيد بن أبي العلاء، عن مطرف بن عبد اللَّه بن الشخير فذكره. واللّفظ لأحمد.
قال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم". وهو كما قال.
• عن عبد اللَّه بن أبي أوفى أن رجلا أقام سلعة وهو في السوق، فحلف باللَّه لقد أعطى بها ما لم يعط؛ ليوقع فيها رجلا من المسلمين فنزلت:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [سورة آل عمران: 77].
صحيح: رواه البخاريّ في البيوع (2088) عن عمرو بن محمد، حدّثنا هشيم، أخبرنا العوام، عن إبراهيم بن عبد الرحمن، عن عبد اللَّه بن أبي أوفى.
• عن أبي قتادة الأنصاري أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إياكم وكثرة الحلف في البيع؛ فإنه يُنَفِّق، ثم يمحق".
صحيح: رواه مسلم في المساقاة (1607) من طريق أبي أسامة (وهو حماد بن أسامة)، عن الوليد بن كثير، عن معبد بن كعب بن مالك، عن أبي قتادة الأنصاري فذكره.
• عن عبد الرحمن بن شبل قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن التجار هم الفجار". قيل: يا رسول اللَّه، أو ليس قد أحل اللَّه البيع؟ قال:"بلى، ولكنهم يحدثون فيكذبون، ويحلفون فيأثمون".
صحيح: رواه أحمد (15530)، والحاكم (2/ 6 - 7)، وعنه البيهقي في كتاب الآداب (1100)، وشعب الإيمان (4/ 218) من طريق هشام الدستوائي قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، عن أبي راشد الحبراني قال: قال عبد الرحمن بن شبل فذكره.
وقد صرّح يحيى بن أبي كثير سماعه من أبي راشد الحبراني عند الحاكم.
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح".
وهو كما قال. ولكن رواه أبان (وهو ابن يزيد العطار) عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد، عن أبي سلام، عن أبي راشد الحبراني بإسناده.
ومن هذا الطريق رواه أحمد (15669)، والبيهقي في شعب الإيمان.
وكذلك رواه علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن أبي سلّام، عن أبي راشد فذكره. ومن طريقه رواه البيهقي في شعب الإيمان، وذكره في كتاب الآداب.
وقال في شعب الإيمان: وخالفهما هشام الدستوائي، فرواه عن يحيى، عن أبي راشد، وذكر فيه سماعه من أبي راشد. انتهى.
وقال في كتاب الآداب: "هشام أحفظ".
قلت: اختلف في سماع يحيى بن أبي كثير عن أبي راشد، فأثبته أبو حاتم، وصحح هذا الإسناد في "كتاب العلل"(2/ 63) في متن حديث آخر.
وهو الحديث الذي رواه وهيب، عن أيوب، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي راشد، عن عبد الرحمن بن شبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اقرؤوا القرآن". قال أبو حاتم: "رواه بعضهم، فقال: عن يحيى، عن زيد بن سلام، عن أبي سلام، عن أبي راشد الحبراني، عن عبد الرحمن بن شبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم. كلاهما صحيح، غير أن أيوب ترك من الإسناد رجلين". انتهى.
قلت: يحيى بن أبي كثير اليمامي أحد الأعلام، وقد روى عن جماعة من الصحابة، منهم جابر، وأنس، وأبو أمامة، وحديثه عنهم في صحيح مسلم، انظر "جامع التحصيل"(880) إلا أنه كثير التدليس، لكنه صرح بسماعه من أبي راشد في مستدرك الحاكم، كما مضى.
ولا خلاف في سماعه من زيد بن سلام، فإن كان في الإسناد الأول انقطاع فقد ثبت بالإسناد الثاني. والحمد للَّه.
• عن سلمان قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ينظر اللَّه إليهم يوم القيامة: أشيمط زان، وعائل مستكبر، ورجل جعل اللَّه له بضاعة لا يشتري إلا بيمينه، ولا يبيع إلا بيمينه".
صحيح: رواه الطبراني في المعجم الكبير (6/ 301) عن محمد بن عبد اللَّه الحضرمي، ثنا سعيد بن عمرو الأشعثي، ثنا حفص بن غياث، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان (النهدي)، عن سلمان فذكره. وإسناده صحيح.
ورواه الطبراني أيضًا في الصغير والأوسط إلا أنه قال فيه: "ثلاثة لا يكلهم اللَّه، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم".
وقال الهيثمي في "المجمع"(4/ 78): "رجاله رجال الصحيح".
وقوله: "أشيمط" تصغير أشمط، وهو بياض شعر الرأس، ومعناه شيخ زان.
• عن أبي سعيد قال: مَرَّ أعرابي بشاة، فقلت: تبيعنيها بثلاثة دراهم؟ قال: لا واللَّه، ثم باعنيها، فذكرت ذلك لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال:"باع آخرته بدنياه".