الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم يزدْ على ذلك، ولم ينحرْ، ولم يحلق ولم يُقصِّرْ، ولم يحِللْ من شيء حرُم منه. حتى كان يوم النَّحر، فنحر وحلقَ، ورأى أن قد قضى طوافَ الحجِّ والعمرة بطوافه الأوّل.
وقال ابن عمر: كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
متفق عليه: رواه البخاريّ في الحج (1640)، ومسلم في الحج (1230: 182) كلاهما عن قتيبة، حدثنا الليث، عن نافع، به. واللّفظ لمسلم، ولفظ البخاريّ قريب منه.
119 - باب بماذا يحصل التحلل الأوّل
• عن عائشة قالت: كنتُ أطيِّبُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحلِّه قبل أن يطوف بالبيت.
متفق عليه: رواه مالك في الحجّ (17) عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، فذكرته.
ورواه البخاريّ في الحج (1539)، ومسلم في الحج (1189: 33) كلاهما من طريق مالك، به، مثله.
• عن عائشة، قالت: طيّبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لحُرمِه حين أحرم، ولحلِّه بعدما رمي جمرة العقبة، قبل أن يطوف.
صحيح: رواه النسائيّ (2687) عن سعيد بن عبد الرحمن أبي عبيد الله المخزوميّ، قال: حدّثنا سفيان، عن الزهريّ، عن عروة، عن عائشة، فذكرته. وإسناده صحيح.
ورواه الإمام أحمد (26078) من وجه آخر عن ابن جريج، أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة، أنه سمع عروة والقاسم يخبران عن عائشة قالت:"طيبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي بذريرة لحجة الوداع للحل والإحرام حين أحرم، وحين رمي جمرة العقبة يوم النّحر قبل أن يطوف بالبيت" وإسناده صحيح. ورواية القاسم في الصّحيحين بدون ذكر رمي جمرة العقبة.
فقول عائشة: "بعد ما رمي جمرة العقبة قبل أن يطوف بالبيت" يحمل على بعد ما رمي وذبح وحلق، واستثنى منه الطواف فقط؛ لأنّ هذا هو الترتيب الذي عمل به النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم النحر، وعليه يحمل قولها أيضًا:"لحلّه قبل أن يطوف" أي بعد رميه الجمرة والذبح والحلق، قبل الطواف، كما بيّن ذلك ابن عمر، وكما فسّره بذلك ابن خزيمة كما سيأتي.
وأمّا ما رُوي عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رمي أحدكم جمرة العقبة فقد حلّ له كلّ شيء إلّا النّساء" فهو ضعيف؛ لأنّ الصّحيح أنه من فعله كما مضى لا من قوله.
رواه أبو داود (1978) عن مسدّد، حدّثنا عبد الواحد بن زياد، حدّثنا الحجاج، عن الزهريّ،
عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة، فذكرته.
قال أبو داود: "هذا حديث ضعيف، الحجاج لم ير الزهري ولم يسمع منه".
قلت: وهو كما قال، فإنّ الحجاج بن أرطاة مدلس كما أنه وُصف بكثرة الخطأ. وهذا من خطئه فقد رواه غيره من فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم لا من قوله، وهو المشهور الثابت من طرق، عن عائشة رضي الله عنها.
ومن أخطائه أيضًا ما رواه ابن خزيمة (2937)، والبيهقيّ (5/ 136) من وجه آخر عن الحجاج ابن أرطاة، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرة، عن عائشة، مرفوعًا:"إذا رميتم وحلفتم فقد حلّ لكم كلّ شيء الطيب والثياب إلّا النساء".
فزاد فيه: "وحلقتم". قال البيهقيّ: "وهذا من تخليطات الحجاج بن أرطاة، وإنما الحديث عن عمرة، عن عائشة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم كما رواه سائر الناس، عن عائشة".
وهو يقصد به ما رواه سائر الرواة من حديث عائشة أنها كانت تطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمة إذا أحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت، كما مضى حديث القاسم بن محمد، وكذلك رواه عروة في الصحيحين، وسالم بن عبد الله. رواه البيهقيّ (5/ 135 - 136) وفيه قول سالم: وسنة رسول الله أحقّ أن تتبع. انظر للمزيد: "المنة الكبرى"(4/ 281).
• عن عائشة قالت: كنت أطيب النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد ما يرمي الجمرة قبل أن يفيض إلى البيت. قال سالم: فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحقّ أن نأخذ بها من قول عمر.
حسن: رواه الإمام أحمد (24750) عن مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، قال سالم، قالت عائشة، فذكرته.
وإسناده حسن من أجل الكلام في مؤمل وهو ابن إسماعيل وصف بسوء الحفظ، إلا أنه في روايته عن سفيان الثوريّ ثقة كما قال ابن معين.
وقول سالم: "سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحقّ أن نأخذ بها من قول عمر". لأنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: "إذا رميتم الجمرة وذبحتم فقد حلّ لكم كلّ شيء حرم عليكم إلّا النساء والطّيب".
رواه عبد الرزاق ومن طريقه ابن خزيمة (2939)، والبيهقي (5/ 135) عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، عن عمر، كان يقول (فذكره).
قال ابن خزيمة: "وقول عائشة: "طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف بالبيت" دلالة على أنه إذا رمي الجمرة وذبح وحلق كان حلالًا قبل أن يطوف بالبيت، خلا ما زجر عنه من وطئ النساء الذي لم يختلف العلماء فيه أنه ممنوع من وطء النساء حتى يطوف طواف الزيارة".
• عن ابن عمر، قال: ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى فضي حجّه، ونحر هديه يوم النّحر، وطاف بالبيت، ثم حلَّ من كلّ شيء حرم منه: وفعل مثل ما فعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهدي وساق الهدي من الناس.
متفق عليه: رواه البخاريّ في الحج (1691)، ومسلم في الحج (1227) كلاهما من حديث الليث، حدثني عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن سالم، أنّ عبد الله بن عمر قال: فذكره في حديث طويل، ذكر في موضعه.
وقوله: "وطاف بالبيت" يقصد به التحلل الثاني.
• عن عبد الله بن الزبير قال: من سنَّة الحجِّ أن يصلي الإمام الظّهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والصبح بمنى، ثم يغدو إلى عرفة فيقيل حيث قضى له حتّى إذا زالت الشّمسُ خطب النّاس، ثم صلّي الظّهر والعصرَ جميعًا، ثم وقف بعرفات حتى تغيب الشّمس، ثم يفيض فيصلي بالمزدلفة أو حيث قضى الله، ثم يقف بجمع حتى إذا أسفر دفع قبل طلوعِ الشّمس، فإذا رمي الجمرة الكبرى حلّ له كلُّ شيء حرم عليه إلا النّساء والطّيب حتى يزور البيت.
صحيح: رواه ابن خزيمة (2800، 2801)، والحاكم (1/ 461)، والبيهقي (5/ 122) كلّهم من حديث يحيي بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عبد الله بن الزبير، قال (فذكره).
ورواه ابن خزيمة أيضًا (2801) عن محمد بن الوليد، ثنا يزيد -يعني ابن هارون-، أخبرنا يحيي بن سعيد بإسناده وقال: وربما اختلفا في الحرف والشيء. وقال: "حلّ له ما حرم عليه إلّا النّساء حتى يطوف بالبيت".
قال ابن خزيمة: "وهذا هو الصّحيح إذا رمي الجمرة حلّ له كلّ شيء خلا النساء؛ لأنّ عائشة خبرت أنها طيّبت النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل نزول البيت".
فالصّواب هو ما ذكره يزيد بن هارون عن يحيى: النساء فقط دون الطّيب.
ولكن يعكر على هذا ما رواه الحاكم (1/ 461) وعنه البيهقي (5/ 122) من طريق إبراهيم بن عبد الله، عن يزيد بن هارون، بإسناده وذكر فيه مع النساء الطيب أيضًا، وقال:"هذا حديث على شرط الشيخين".
وهذا وهم منه؛ فإنّ إبراهيم بن عبد الله -وهو ابن بشار الواسطيّ- ليس من رجال الشيخين، ولا من رجال التهذيب، وإنما ترجمه الخطيب (6/ 120) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، فهو في عداد المجهولين.
فلعلّ ذكر الطيب يعود إليه؛ لأنّ محمد بن محمد شيخ ابن خزيمة لم يذكر الطبيب، وهو الذي رجّحه ابن خزيمة كما سبق.
وفي الباب ما رُوي عن ابن عباس مرفوعًا وموقوفًا، بلفظ: "إذا رميتم الجمرة فقد حلّ لكم كلّ
شيء إلّا النساء. فقال رجل: يا ابن عباس، والطيب؟ فقال: أما أنا فقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُضمّخ رأسه بالمسك، أفطيب ذلك أم لا؟ ".
رواه النسائيّ (3084)، وابن ماجه (3041)، والإمام أحمد (2090، 3204، 3491)، والبيهقيّ (5/ 204) كلّهم من طرق، عن سلمة بن كهيل، عن الحسن العرني، عن ابن عباس، فذكره.
والحسن العرني لم يسمع من ابن عباس، بل لم يدركهـ كما قال أبو حاتم، كما اختلف في رفعه ووقفه، والصّحيح أنه موقوف مع انقطاع فيه. انظر للمزيد من التخريج في "المنة الكبرى"(4/ 281).
فقه الباب:
يستفاد من أحاديث هذا الباب أنّ التحلل الأول يحصل بمجرد رمي جمرة العقبة، وهي رواية عبد الله، عن أبيه أحمد كما في مسائل الإمام أحمد (ص 241)، وهي رواية ابن منصور عنه أيضًا. وبه قال أيضًا الشافعي في الأم (1/ 221).
والدّليل عليه حديث ابن عباس: "إذا رميتم الجمرة فقد حلّ لكم كلّ شيء". وكذلك في حديث عائشة عند أبي داود، وهو ضعيف كما مضى.
والرواية الثانية عند الإمام أحمد: التحلل الأوّل يحصل بالرّمي والحلق. قال القاضي: وهي أصح الروايتين، ورجّح ابن قدامة الرواية الأولى. انظر:"المغني"(3/ 393).
وعند الشافعية المذهب الذي يفتي به أنّ التحلل يحصل باثنين من الثلاثة، وقيل بالاثنين من الأربعة، وهي: الرمي والحلق والذبح والطواف. قاله النووي في "المجموع"(8/ 231).
وإن قدّم الحاج طواف الإفاضة على الرّمي والحلق أو التقصير فلا تحل له النساء، فإن الطواف وحده لا يكفي، ولا بد من رمي الجمرة يوم العيد والحلق أو التقصير، والسعي إن كان عليه السعي.
فإنه لا بد من اجتماع الثلاثة لحلّ جماع النساء، كذا في فتاوي سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالي.
وأما أبو حنيفة فعنده لا يحصل التحلل الأول إلا باجتماع الثلاثة، وهي: الرمي والذبح والحلق أو التقصير، كما قرّره الجصّاص.
وأما مالك فيرى أنّ التحلّل يحصل بمجرد الرّمي إلا أنه يحرم عليه الطبيب والنساء، وقد سبق أن ردّت عائشة على عمر في منع الطيب.
وسبب الخلاف في هذا أن أحاديث هذا الباب متعارضة في ظاهرها، فكلٌّ أخذ بما وصل إليه، وترك ما يخالفه، ومنهم من جمع بينها، فأخذ بمجموعها مثل الإمام أحمد رحمه الله تعالي.
انظر مزيدًا من التفصيل في "المنة الكبرى"(4/ 278 - 279).