الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم جعل يعطيه النّاس.
وفي رواية: وأشار بيده إلى الجانب الأيمن هكذا، فقسم شعره بين من يليه. قال: ثم أشار إلى الحلّاق إلى الجانب الأيسر، فحلقه، فأعطاه أمَّ سُليم.
وفي رواية: فبدأ بالشّق الأيمن، فوزّعه الشعرة والشعرتين بين النّاس. ثم قال بالأيسر فصنع به مثل ذلك، ثم قال:"ههنا أبو طلحة؟ " فدفعه إلى أبي طلحة.
وفي رواية: وقال بيده عن رأسه، فحلق شقه الأيمن فقسمه فيمن يليه، ثم قال:"احلق الشّق الآخر" فقال: "أين أبو طلحة؟ "، فأعطاه إياه.
وفي رواية: ناول الحالق شقّه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاريّ فأعطاه إياه. ثم ناول الشّق الأيسر فقال:"احلق" فحلقه. فأعطاه أبا طلحة فقال: "أقسمه بين النّاس".
متفق عليه: رواه مسلم في الحج (1305: 323، 324، 325، 326) من طرق، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أنس فذكره.
ورواه البخاريّ في الوضوء (171) من حديث ابن عون، عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك:"أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه، كان أبو طلحة أوّل من أخذ من شعره".
عرف من رواية ابن عون، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أعطى أبا طلحة من شعر شقّه الأيمن، وعرف من روايات مسلم أنه أعطاه من شعر شقه الأيمن، ومن شعر شقه الأيسر. كما عرف أيضًا من روايات مسلم أنه أعطى الناس شعر شقّه الأيمن والأيسر. كما عرف أنه أعطى أمّ سليم شعر شقه الأيسر.
فظاهرها التّضارب، ولكن يمكن الجمع بأنه صلى الله عليه وسلم لما حلق شقه الأيمن أعطى أبا طلحة، ولما حلق شقه الأيسر أعطى جزءًا منه لأمّ سُليم، والباقي لأبي طلحة ليقسمه بين الناس.
فقوله في الرّواية الأولى: "ثم جعل يعطيه الناس" أي تولى ذلك أبو طلحة إذ أخذ شعر شقه الأيمن، وشعر شقه الأيسر وقام بتقسيمه على النّاس بأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم كما في الرواية الآخرة عند مسلم، وبالله التوفيق.
117 - باب جواز تقديم بعض أعمال الحجّ على بعض يوم النّحر
• عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أنه قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم للنّاس بمنى والنّاس يسألونه فجاءه رجلٌ فقال له: يا رسول الله، لم أشعرْ فحلقت قبل أن أنحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"انحر ولا حرج". ثم جاءه آخر فقال: يا رسول الله، لم أشعر فنحرت قبل أنْ أرمي؟ قال:"ارْم ولا حرج". قال: فما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: "افعل ولا حرج".
متفق عليه: رواه مالك في الحجّ (242) عن ابن شهاب الزّهريّ، عن عيسى بن طلحة، عن
ـ
عبد الله بن عمرو بن العاص، فذكره.
ورواه البخاريّ في الحجّ (1736)، ومسلم في الحج (1306: 327) كلاهما من طريق مالك، به، مثله.
وعندهما البخاري (1737) ومسلم من حديث ابن جريج قال: سمعت الزهري بإسناده عن عبد الله بن عمرو حدثه أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم النحر، فقام إليه رجل فقال: كنت أحسب أن كذا قبل كذا، ثم قام آخر فقال: كنت أحسب أن كذا قبل كذا، حلقت قبل أن أنحر، نحرت قبل أن أرمي، وأشباه ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"افعل ولا حرج" لهن كلهن، فما سئل يومئذ عن شيء إلا قال:"افعل ولا حرج" واللفظ للبخاري.
وأما مسلم فأبهم لفظ السؤال فقال: لهؤلاء الثلاث، وهؤلاء الثلاث لم يذكرها مسلم قبله، وإنما ذكر الثلاث بعده في حديث محمد بن أبي حفصة، عن الزهري، وجاء فيه: إني حلقت قبل أن أرمي، فقال:"ارم ولا حرج"، وأتاه آخر فقال: إني ذبحت قبل أن أرمي، فقال:"ارم ولا حرج" وأتاه آخر فقال: إني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي، فقال:"ارم ولا حرج".
• عن جابر بن عبد الله: أنّ رجلًا قال: يا رسول الله، ذبحتُ قبل أن أرمي قال:"ارْمِ ولا حرج". قال رجلٌ: يا رسول الله، حلقتُ قبل أن أذبح؟ قال:"اذبح ولا حرج".
صحيح: رواه الإمام أحمد (15133)، وابن حبان (3878)، والبيهقيّ (1435) كلّهم من طرق عن حماد بن سلمة، عن قيس بن سعد، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله، فذكره.
وعلقه البخاريّ عقب حديث ابن عباس (1722) عن حماد، عن قيس بن سعد، وعباد بن منصور، عن عطاء، عن جابر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر لفظه. وإسناده صحيح.
ورواه ابن ماجه (3052)، والإمام أحمد (14498)، كلاهما من وجه آخر عن أسامة بن زيد، قال: حدثني عطاء بن أبي رباح، به، ولفظه: قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النّحر للنّاس، فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، إنّي حلقتُ قبل أن أذبح، قال:"لا حرج". ثم جاءه آخر فقال: يا رسول الله، إنّي نحرت قبل أن أرمي، قال:"لا حرج". فما سئل يومئذ عن شيء قُدِّم قبل شيء إلّا قال: "لا حرج". لفظ ابن ماجه.
وزاد أحمد: "عرفة كلّها موقف، والمزدلفة كلّها موقف .... ".
وأسامة بن زيد هو اللّيثيّ مختلف فيه غير أنه حسن الحديث، وقد توبع في الإسناد الأوّل.
• عن أسامة بن شريك، قال: خرجتُ مع النبيّ صلى الله عليه وسلم حاجًّا، فكان النّاسُ يأتونه، فمن قال: يا رسول الله، سعيتُ قبل أن أطوف، أو قدّمت شيئًا أو أخّرت شيئًا،
فكان يقول: "لا حرج، لا حرج إلّا على رجل اقترض عرض رجل مسلم وهو ظالم. فذلك الذي حرج وهلك".
صحيح: رواه أبو داود (2015) ومن طريقه البيهقيّ (5/ 146) وصححه ابن خزيمة (2774 (كلّهم من حديث جرير، عن أبي إسحاق (وهو الشيباني)، عن زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك، فذكره.
قال البيهقيّ: "هذا اللفظ: "سعيت قبل أن أطوف غريب! تفرّد به جرير عن الشيباني، فإن كان محفوظًا فكأنّه سأله عن رجل سعي عقيب طواف القدوم قبل طواف الإفاضة، فقال: لا حرج".
وتعقبه ابن التركمانيّ فقال: "هذه الصورة مشهورة، وهي التي فعلها النبيّ صلى الله عليه وسلم فالظاهر أنه لا يسأل عنها، وإنما سأل عن تقديم السعي على طواف الإفاضة، وعموم قول الصحابي: "فما سئل عن شيء قدِّم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج" يدل على جواز ذلك، وهو مذهب عطاء والأوزاعي واختاره ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار، وظهر بهذا أن الشافعي وأكثر العلماء تركوا العمل بعموم الحديث كما تقدم".
قلت: وما قاله ابن التركماني هو المتجه، وهو الذي فهمه أيضًا ابن خزيمة فبوّب بقوله:"إسقاط الحرج عن السّاعي بين الصّفا والمروة قبل الطّواف بالبيت جهلًا، بأن الطّواف بالبيت قبل السّعي" ثم ذكر الحديث. وبه قال أحمد في رواية إنْ كان ناسيًا.
قلت: إنّ الله قد علمَ بأن الحج سيكون فيه مشقة فوضع الحرج والضيق عن عباده، كما جاء في حديث أبي سعيد الخدريّ.
ولأسامة بن شريك حديث طويل بإسناد صحيح. رواه الإمام أحمد (18454) وغيره، وسيأتي في موضعه، وفيه: وسألوه عن أشياء هل علينا حرج في كذا وكذا؟ فقال: "عباد الله، وضع الله الحرج إلا امرأ اقترض امرأ مسلمًا ظلما، فذلك حرْج وهُلْك".
فكان أسامة بن شريك يحدث أحيانًا بجزء من الحديث كما سبق، وكما رواه الطحاويّ في شرحه (2/ 236) من وجه آخر عن أسباط بن محمد، قال: ثنا أبو إسحاق الشّيبانيّ، بإسناده، وفيه: سئل عمن حلق قبل أن يذبح أو ذبح قبل أن يحلق؟ فقال: "لا حرج" فلما أكثروا عليه قال: "يا أيّها النّاس، قد رفع الحرج إلا من اقترض من أخيه شيئًا ظلمًا فذلك الحرج".
فكلُّ شيء من تقديم وتأخير جاء في حديث أسامة بن شريك منصوصًا يحمل على الحقيقة بدون تأويل كذا وكذا.
• عن ابن عباس، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قيل له: في الذّبح، والحلق، والرّمي، والتّقديم والتّأخير، فقال:"لا حرج".
وفي رواية: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يُسأل يوم النّحر بمنى فيقول: "لا حرج". فسأله رجلٌ، فقال: حلقتُ
قبل أن أذبح، قال:"اذبحُ ولا حرج". وقال: رميتُ بعد ما أمسيت، فقال:"لا حرج".
وفي رواية: قال رجل للنبيّ صلى الله عليه وسلم: زُرْت قبل أن أرمي، قال:"لا حرج". قال: "حلقتُ قبل أن أذبح؟ ". قال: "لا حرج". قال: ذبحتُ قبل أن أرمي، قال:"لا حرج".
متفق عليه: رواه البخاريّ في الحجّ (1734)، ومسلم في الحج (1307) كلاهما من طريق وهيب، حدثنا عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، به، ولفظهما سواء.
والرواية الثانية عند البخاريّ في الحج (1735) من طريق خالد بن مهران الحذّاء، عن عكرمة، عن ابن عباس.
والرواية الثالثة عند البخاري أيضًا في الحج (1722) من طريق عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس.
قوله: "زُرت" أي طواف الزيارة، وهو طواف الإفاضة.
ورواه البيهقيّ (5/ 142 - 143) من حديث إبراهيم بن طهمان، عن خالد الحذّاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه قال (فذكر الحديث).
وزاد فيه: "فما علمته سئل عن شيء يومئذ إلا قال: "لا حرج" ولم يأمر بشيء من الكفارة" قال: هذا إسناد صحيح" انتهي.
قلت: هذا الحديث أخرجه أيضًا البخاريّ (1723)، وأبو داود (1983)، والإمام أحمد (1858) كلّهم من أوجه أخر، عن خالد الحذاء، ولم يذكروا فيه:"ولم يأمر بشيء من الكفارة".
ولذا قال ابن التركمانيّ: "هذه الزيادة غريبة جدًا! لم أجدها في شيء من الكتب المتداولة بين أهل العلم، وشيخ البيهقيّ وشيخ شيخه لم أعرف حالهما بعد الكشف والتتبع، وأيضًا إبراهيم بن طهمان وإن خُرِّج له في الصحيح فقد تكلّموا فيه" وأطال الكلام فيه.
قلت: هذه الزيادة من حيث الفقه صحيحة، ولكن كثيرًا ما يتصرّف البيهقي رحمه الله في الصناعة الحديثية التي هي موضع النقد من أهل العلم، كما في هذه المسألة فقد قال جماعة من أهل العلم: إنّ التمسّك بظاهر هذه الأحاديث مخالف لقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196].
ولذا قال ابن التركمانيّ: "وقد ترك أكثر الفقهاء العمل بعموم هذه الأحاديث، ونقل عن مالك أن من حلق قبل أن يرمي فعليه دم". وأطال الكلام فيه.
وقد توسّعت في بيان مذاهب العلماء في "المنة الكبرى"(4/ 267 - 275)، وخلاصته أن من قدَّم نُسكًا على نسك سواء في ذلك كان ناسيًا، أو جاهلًا، أو عامدًا فلا شيء عليه؛ لأنّ وجوب الفدية يحتاج إلى دليل ولو كانت واجبة لبيّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما قرّره الأصوليّون.
هذا رأي جمهور أهل العلم منهم: الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وداود الظاهريّ، وفقهاء أهل