الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: جاء حديث النعمان بن بشير من أوجه كثيرة وبألفاظ متباينة، فذهب من لم يتفقه إلى وجود التعارض بين هذه الأحاديث، والصحيح أنه ليس هناك تعارض، وإنما الذي حصل هو رواية الحديث بالمعنى، فكل عبر بما فهم من الحديث، ولذا الأمر الذي لم يُختلف فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رفض الشهادة على جور، وإن كانوا اختلفوا في اللفظ الذي نطق به.
وكون القصة وقعت مرتين: الأولى: أن بشيرا نحل ابنه النعمان حديقة، وفي الثانية: غلاما، فهو بعيد؛ لأنه لا يعقل أن يصدر مثل هذا عن الصحابي بأن يذهب مرتين إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قضية واحدة وهو يرد عليه في كل مرة. فجعل ابن حبان أنه وقع نسخ في الحكم الأول بدون ذكر دليل واضح، وذهب غيره إلى تضعيف حديث أبي حريز، لأنه خالف جميع أصحاب الشعبي، فجعل النحل حديقة، وغيرهم قالوا: غلاما.
وذهب الآخرون إلى أن الإشهاد لم يقع في المرة الأولى، ولذا فإن بشيرا استرجع الحديقة، وإنما الإشهاد وقع في المرة الثانية، وذلك لما طلبت امرأته ذلك حتى لا يرجع مرة أخرى. واللَّه تعالى أعلم.
وقد قال بظاهر هذا الحديث كثير من السلف، منهم الإمام أحمد وإسحاق وأهل الظاهر، ويحكي أيضًا عن سفيان الثوري، فإنهم قالوا: لا يجوز التفاضل بين الأولاد في النحل والبر، فإن فعل ذلك لم ينفذ.
وخالفهم أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، فقالوا: التفضيل مكروه، فإن فعل ذلك نفذ، واستدلوا بفعل أبي بكر الصديق، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:"أيسرك أن يكونوا في البر سواء". وبقوله صلى الله عليه وسلم: أشهد على هذا غيري".
والحق أنه ليس فيه إذن، بل فيه تحذير من عدم التسوية بين الأولاد مثل قوله تعالى:{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [سورة فصلت: 40]. ومثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت" وغيرهما. انظر للمزيد "المنة الكبرى" (5/ 4
96).
9 -
باب النهي عن الرجوع في هبته وصدقته
• عن ابن عباس، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"العائد في هبته كالكلب يقيئ، ثم يعود في قيئه".
متفق عليه: رواه البخاري في الهبة (2589)، ومسلم في الهبات (1622: 8) كلاهما من حديث وهيب، حدثنا عبد اللَّه بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس فذكره.
• عن ابن عمر وابن عباس قالا: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لأحد أن يعطى عطية، فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطيه ولده، ومثل الذي يعطي العطية، ثم يرجع
فيها كالكلب يأكل حتى إذا شبع تقيأ، ثم عاد، فرجع في قيئه".
حسن: رواه أبو داود (3539)، والترمذي (2133)، والنسائي (3690)، وابن ماجه (2377)، وأحمد (2119، 2120)، وصحّحه ابن حبان (5123)، والحاكم (2/ 46) والبيهقي (6/ 179)، كلهم من طريق حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن طاوس، عن ابن عباس وابن عمر فذكره. وإسناده حسن من أجل عمرو بن شعيب؛ فإنه حسن الحديث.
وأما ما روي عن ابن عمر مرفوعا: "العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه" فهو ضعيف.
رواه ابن ماجه (2386)، وفيه عبد اللَّه بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، ضعيف باتفاق أهل العلم.
• عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"مثل الذي يعود في عطيته، كمثل الكلب يأكل، حتى إذا شبع قاء، ثم عاد في قيئه، فأكله".
صحيح: رواه ابن ماجه (2384) عن أبي بكر بن أبي شيبة (وهو في مصنفه 6/ 477) قال: حدثنا أبو أسامة، عن عوف، عن خلاس، عن أبي هريرة فذكره.
ورواه أيضًا الإمام أحمد (7524، 10381) من طريق عوف به مثله.
وإسناده صحيح. غير أنه اختلف في سماع خلاس من أبي هريرة، فقال أبو داود: سمعت أحمد يقول: لم يسمع خلاس من أبي هريرة شيئًا.
فتعقبه الذهبي وقال في ميزان الاعتدال (1/ 658): "لكن روايته عن أبي هريرة في البخاري".
قلت: وهو كما قال، فقد رواه البخاري (3404) من طريق عوف، عن الحسن ومحمد وخلاس، عن أبي هريرة، فذكر حديث موسى، فعطف البخاري خلاس على محمد -وهو ابن سيرين- دليل على الاتصال؛ لأن محمد بن سيرين ثبت سماعه من أبي هريرة، هذا هو الظاهر ولكن يعكر هذا عطفه على الحسن، وسماعه من أبي هريرة مختلف فيه. واللَّه أعلم.
ثم إن الحديث رواه أيضًا الإمام أحمد (10382) من وجه آخر عن عوف، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة فذكر مثله. وهي متابعة قوية لخلاس. وبهذا صح هذا الحديث.
• عن عمرو بن شعيب حدثه عن أبيه، عن عبد اللَّه بن عمرو، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"مثل الذي يسترد ما وهب كمثل الكلب يقيء، فيأكل قيئه، فإذا استرد الواهب فلوقف، فليعرف بما استرد، ثم ليدفع إليه ما وهب".
حسن: رواه أبو داود (3540) عن سليمان بن داود المهري، أخبرنا ابن وهب، أخبرني أسامة ابن زيد، عن عمرو بن شعيب فذكره.
ورواه أحمد (6629) عن أبي بكر الحنفي، أخبرنا أسامة بن زيد فذكره. وإسناده حسن من