الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
ولو شَرَعَ مُجْتَهِدٌ في الصلاةِ باجتِهَادِهِ، فعَمِىَ فيها، بَنَى على ما مَضَى مِن صلاتِه، لأنَّه إنَّمَا يُمْكِنُه البنَاءُ على اجْتِهَادِ غيرِه، [فاجْتَهادُ نَفْسِه](4) أوْلَى، فإن اسْتَدَارَ عن تلك الجهَةِ، بَطَلَتْ صلاتُه. وإنْ أَخبَرَهُ مُخْبِرٌ بخَطَئِهِ عن يقينٍ، رجع إليه. وإنْ أخْبَرَهُ عن اجْتِهَادٍ، لم يَرْجِعْ إليه؛ لما ذَكَرْنَا. وإنْ شَرَعَ فيها وهو أعْمَى، فأبْصَرَ في أثنائها، فشَاهَدَ ما يَسْتَدِلُّ به على صوابِ نَفْسِه، مِثلَ أنْ يَرَى الشمسَ في قِبْلَتِه في صلاةِ الظُّهْرِ، ونحوَ ذلك، مَضَى عليهِ؛ لأنَّ الاجْتِهَادَيْنِ قد اتَّفَقَا. وإنْ بَانَ له خَطَأُهُ، اسْتَدَارَ إلى الجِهَةِ التي أدَّاهُ اجْتَهادُه (5) إليها، وبَنَى على ما مضَى مِن صلاتِهِ. وإن لم يَبِنْ له صَوَابُه ولا خَطأُهُ، بَطَلَتْ صَلَاتُه، واجْتَهَدَ؛ لأنَّ فرْضَهُ الاجْتِهَادُ، فلم يَجُزْ له أداءُ فَرْضهِ بالتَّقْلِيدِ، كما لو كان بَصِيرًا في ابْتِدَائِها. وإنْ كانَ مُقَلِّدًا، مَضَى في صلاتِه؛ لأنَّه ليس في وُسْعِهِ إلا الدَّلِيلُ الذي بَدَأ به فيها.
137 - مسألة؛ قال: (وإذَا صَلَّى بالاجْتِهَادِ إلَى جِهَةٍ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ القِبْلَةَ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ)
وَجُمْلَتُهُ أنَّ المُجْتَهِدَ إذا صَلَّى باجْتَهادِه (1) إلى جِهَةٍ، ثم بانَ له أنَّه صلَّى إلى غيرِ جِهَةِ الكعبةِ يَقِينًا، لم يَلْزَمْهُ الإِعَادَةُ. وكذلك المُقَلِّدَ الذي صلَّى بِتَقْلِيدِهِ. وبهذا قال مالكٌ، وأبو حنيفَةَ. والشَّافِعِىُّ فِي أحدِ قَوْلَيْه. وقالَ في الآخَرِ: يَلْزَمُه الإِعادَةُ؛ لأنَّه بانَ له الخَطَأُ في شَرْطٍ مِن شُرُوطِ الصَّلاةِ، فَلَزِمَتْهُ الإِعادَةُ، كما لو بانَ له أنَّه صَلَّى قَبْلَ الوقتِ، أو بغيرِ طَهَارَةٍ أو سِتَارَةٍ. ولَنا، ما رَوَى عَامِرُ بنُ رَبِيعَةَ، عن أبيه، قال: كُنَّا مع النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ، في ليلةٍ مُظْلِمَةٍ، فلم نَدْرِ أينَ القِبْلَةُ، فصلَّى كُلُّ رَجُلٍ حِيَالَهُ، فلمَّا أصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذلك لِلنَّبىِّ صلى الله عليه وسلم، فنَزَلَ:
(4) في م: "فاجتهاده".
(5)
سقط من: م.
(1)
في م: "بالاجتهاد".
{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} (2). رَوَاهُ ابن ماجَه، والتِّرْمِذِىُّ (3)، إلَّا أنَّهُ مِنْ حديثِ أشْعَثَ السَّمَّان، [وفيه ضَعْفٌ](4). وعن عَطَاءٍ، عن جابِرٍ، قال: كُنَّا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في مَسِيرٍ، فأصابنَا غَيْمٌ، فتَحَيَّرْنَا فاخْتَلَفْنَا في القِبْلَةِ، فصَلَّى كُلُّ رجُلٍ منا على حِدَةٍ، وجَعَلَ أحَدُنَا يَخُطُّ بين يَدَيْهِ لنُعَلِّمَ أَمْكِنَتَنا، فذَكَرْنا ذلك لِلنَّبىِّ صلى الله عليه وسلم فلم يأْمُرْنا بالإِعَادَةِ، وقال:"قَدْ أَجْزَأَتْكُمْ (5) صَلَاتُكُمْ". رواهُ الدَّارَقُطْنِىُّ (6)، وقال: رواهُ محمدُ بنُ سالمٍ، عن عَطاءٍ، ويُرْوَى أيضًا عن محمدِ بن [عُبَيْدِ اللَّه العَرْزَمِىِّ](7)، عن عَطَاءٍ. وكلاهمَا ضعِيفٌ. وقال العُقَيْلِىُّ: لا يُرْوَى مَتْنُ هذا الحَدِيثِ مِنْ وجهٍ يثْبُتُ (8). ورَوَى مُسْلِمٌ في "صَحِيحِهِ"(9)، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّى نحو بَيْتِ المقدِسِ، فَنَزَلَتْ:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (10). فَمَرَّ رَجُلٌ بِبَنِى سَلَمَةَ وهم رُكُوعٌ في صلاةِ الفجرِ، وقد صَلَّوْا ركْعَةً، فنادَى: ألا إنَّ القِبْلَةَ قد حُوِّلَتْ. فمالوا كُلُّهُمْ نَحْوَ القِبْلَةِ. ومِثْلُ هذا لا يَخْفَى (11) على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا يَتْرُكُ إنْكَارَه إلَّا وهو جَائِزٌ. وقد كان ما مَضَى مِن صلاِتهم بعدَ تَحْويلِ القِبْلَةِ إلى الكَعْبَةِ، وهو صَحِيحٌ. ولأنَّه أتَى بما أُمِرَ،
(2) سورة البقرة 115.
(3)
أخرجه ابن ماجه، في: باب من يصلى لغير القبلة وهو لا يعلم، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 326. والترمذي، في: باب ما جاء في الرجل يصلى لغير القبلة، من أبواب الصلاة، وفى: باب حدثنا محمود بن غيلان، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى 2/ 143، 11/ 79.
وفي م زيادة: "وقال حديث حسن". وليس في الترمذي.
(4)
في سنن الترمذي: وأشعث بن سعيد أبو الربيع السمان يضعَّف في الحديث.
(5)
في سنن الدارقطني: "أجزأت".
(6)
في: باب الاجتهاد في القبلة وجواز التحرى في ذلك، من كتاب الصلاة. سنن الدارقطني 1/ 371.
(7)
في م: "عبد اللَّه العمرى" خطأ.
(8)
ترجمة أبى سهل محمد بن سالم الكوفى، ومحمد بن عبيد اللَّه العرزمى، في الضعفاء الكبير، للعقيلى 4/ 75، 76، 105، 106، ولم نجد فيه هذا القول.
(9)
تقدم في صفحة 92.
(10)
سورة البقرة 144.
(11)
في م: "يختفى".