الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اليَدَيْنِ: إنَّما كَلَّمَ القَوْمُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم حين كَلَّمَهُم، لأنَّه كان عَليهم أن يُجِيبُوه. فعَلَّلَ صِحَّةَ صَلَاتِهِم بُوجُوبِ الإِجابةِ عليهم. وهذا مُتَحَقِّقٌ ههُنا، وهذا ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِىِّ. والصَّحِيحُ عند أصْحَابِه، أن الصَّلاةَ لا تَبْطُلُ بالكلامِ في جَمِيعِ هذه الأقْسَامِ. ووَجْهُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ ههُنا، أنَّه تَكَلَّمَ بكَلَامٍ واجِبٍ عليه، أشْبَهَ كَلَامَ المُجِيبِ للنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. القِسْمُ الخامِسُ، أن يَتَكَلَّمَ لإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ، ونَذْكُرُه فيما بعدُ، إن شاءَ اللهُ تعالى.
فصل:
وكلُّ كلامٍ حَكَمْنا بأنَّه لا يُفْسِدُ الصَّلاةَ فإنَّما هو في اليَسِيرِ منه، فإن كَثُرَ، وطال، أَفْسَدَ الصَّلاةَ. وهذا مَنْصُوصُ الشَّافِعِىِّ. وقال القاضي، في "المُجَرَّدِ": كلامُ النَّاسِى إذا طال يُعيدُ، رِوَايةً واحِدَةً. وقال، في "الجامِعِ": لا فَرْقَ بين القَلِيلِ والكَثيرِ، في ظَاهِرِ كلامِ أحمدَ؛ لأنَّ ما عُفِىَ عنه بالنِّسْيَانِ اسْتَوَى قَلِيلُه وكَثِيرُه، كالأكْلِ في الصِّيامِ. وهذا قولُ بعضِ الشَّافِعِيَّةِ. ولَنا، أنَّ دَلالةَ أحاديثِ المَنْعِ من الكلامِ عَامَّةٌ، تُرِكَتْ في اليَسِيرِ بما وَرَدَ فيه من الأخْبَارِ، فتَبْقَى فيما عَدَاهُ على مُقْتَضَى العُمُومِ، ولا يَصِحُّ قِيَاسُ الكَثِيرِ على اليَسِيرِ؛ [لأنَّ اليَسِيرَ](18) لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه، وقد عُفِىَ عنه في العَمَلِ من غيرِ جِنْسِ الصَّلاةِ، بخِلَافِ الكَثِيرِ.
221 - مسألة؛ قال: (إلَّا الإِمَامَ خَاصَّةً؛ فَإنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ لم تَبْطُلْ صَلَاتُه
(1).)
وجُمْلَتُه أنَّ من سَلَّمَ من (2) نَقْصٍ من صَلَاتِه يَظُنُّ أنّها قد تَمَّتْ، [ثم تَكَلَّمَ](3)،
(18) في أ، م:"لأنه".
(1)
في م بعد هذا زيادة: "ومن ذكر وهو في التشهد أنه قد ترك سجدة من ركعة فليأت بركعة بسجدتيها ويسجد للسهو". وتقدم هذا ضمن مسائل سجود السهو. ولم يشرحه ابن قدامة هنا.
(2)
في م: "عن".
(3)
سقط من: الأصل.
ففيه ثَلَاثُ رِواياتٍ: إحْداهُنَّ، أنَّ الصَّلاةَ لا تَفْسُدُ إذا كان الكلامُ في شَأْنِ الصَّلاةِ، مثل (4) كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وأصْحابِهِ في حديثِ ذى اليَدَيْنِ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم وأصْحابَه تَكَلَّمُوا، ثم بَنَوْا على صلاتِهم، ولَنا في رسولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. والثَّانِيَة (5)، تَفْسُدُ صَلَاتُهُم. وهو قولُ الخَلَّالِ وصاحِبِه، ومَذْهَبُ أصْحابِ الرَّأْى؛ لِعُمُومِ أحاديث النَّهْىِ. والثَّالِثَة، أن صَلَاةَ الإِمامِ لا تَفْسُدُ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كان إمامًا، فتَكَلَّمَ، وبَنَى على صلاتِه، وصلاةُ المَأْمُومِينَ الذين تَكَلَّمُوا تَفْسُدُ؛ فإنَّه لا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهم بأبى بكرٍ وعمرَ، رَضِىَ اللهُ عنهما، لأنَّهما تَكَلَّمَا مُجِيبِينَ للنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، وإجابَتُه واجِبَةٌ عليهما، ولا بذى اليَدَيْنِ، لأنَّه تَكَلَّمَ سائِلًا عن نَقْصِ الصَّلاةِ، في وقتٍ يُمْكِنُ ذلك فيها، وليس بمَوْجُودٍ في زَمانِنا. وهذه الرِّوَايَةُ اخْتِيارُ الخِرَقِىِّ، واخْتُصَّ هذا بالكلامِ في شَأْنِ الصَّلاةِ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم وأصْحَابَه إنَّما تَكَلَّمُوا في شَأْنِها، فاخْتُصَّتْ إباحةُ الكلامِ بِوُرُودِ النَّصِّ؛ لأنَّ الحاجَةَ تَدْعُو إلى ذلك، دُونَ غيرِه، فَيَمْتَنِعُ قِيَاسُ غَيْرِه عليه. فأمَّا مَن تَكَلَّمَ في صُلْبِ الصَّلَاةِ، من غير سَلَامٍ، ولا ظَنَّ التَّمامَ، فإنَّ صلاتَه تَفْسُدُ؛ إمَامًا كان أو غَيْرَه، لِمَصْلحةِ الصَّلاةِ أو غيرِها. وذكر القاضي في ذلك الرِّوَايات الثَّلاث، ويَحْتَمِلُه كلامُ الخِرَقِيِّ؛ لِعُمُومِ لَفْظِه، وهو مذهبُ الأوْزاعِىِّ، فإنَّه قال: لو أنَّ رجلًا قال للإِمامِ وقد جَهَرَ بالقِراءةِ في العَصْرِ: إنَّها العَصْرُ لم تَفْسُدْ صَلاتُه. ولأنَّ الإِمامَ قد تَطَرَّقَه حالٌ يَحْتاجُ إلى الكلامِ فيها، وهو ما لو نَسِىَ القراءةَ في رَكْعَةٍ فذَكَرَها في الثَّانِيةِ، فقد فَسَدَتْ عليه رَكْعَةٌ، فيَحْتاجُ أن يُبْدِلَها بِرَكْعَةٍ هي في ظَنِّ المَأْمُومِينَ خَامِسَة ليس لهم مُوافَقَتُه فيها، ولا سَبيلَ إلى إعْلَامِهم بغيرِ الكلامِ، وقد شَكَّ في صَلاتِه، فيَحْتاجُ إلى السُّؤالِ، فلذلك أُبِيحَ له الكلامُ. ولم أعْلَمْ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا عن صَحابتِه، ولا عن الإِمامِ نَصًّا في الكلامِ في غير الحالِ التي سَلَّمَ فيها مُعْتَقِدًا تَمامَ الصَّلاةِ، ثم تكلَّمَ بعد السَّلامِ، وقِيَاسُ
(4) في م زيادة: "الكلام في بيان الصلاة مثل".
(5)
في م: "والرواية الثانية".