الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإِيجَابِ كما ذهبَ إلى ذلك غيرُه، وقد دَلَّ عليهِ قولُهُ في روَايةِ مُهَنَّا: أعْجَبُ إلَىَّ التَّسْلِيمَتَانِ. ولأنَّ عائشةَ، وسَلَمةَ بنَ الأكْوَعِ، وسَهْلَ بنَ سعدٍ (19)، قد رَوَوْا: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً واحدَةً، وكان المُهَاجِرُونَ يُسَلِّمُونَ تسليْمَةً واحدةً ففِيما (20) ذكَرْنَاهُ جَمْعٌ بين الأخْبارِ وأقْوالِ الصحابَةِ، رَضِىَ اللهُ عنهم، فِي أنْ يكونَ المَشْرُوعُ والمَسْنُونُ تَسْلِيمَتَيْنِ، والواجبُ واحدَةً، وقد دَلَّ على صِحَّةِ هذا الإِجماعُ الذي حَكَاهُ ابْنُ المنذِرِ، فلا مَعْدِلَ عنه، وفِعْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُحْمَلُ على المَشْرُوعِيَّةِ والسُّنَّةِ؛ فإنَّ أكْثَرَ أَفْعَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في الصلاةِ مَسْنُونَةٌ غيرُ واجِبَةٍ، فلا يَمْنَعُ حَمْلُ فِعْلِهِ لهذِهِ التَّسْلِيمَة على السُّنَّةِ عندَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عليها، واللهُ أعْلَمُ. ولأَنَّ التَّسْلِيمَةَ الواحدةَ يخْرُجُ بها مِن الصلاةِ، فلم يَجبْ عليهِ شيءٌ آخرُ فيها، ولأنَّ هذه صلاةٌ، فَتُجْزِئُه فيها تَسْلِيمَةٌ واحدَةٌ، [ولِأَنَّ هذه وَاحِدَةٌ] (21) كصلاةِ الجِنَازَةِ والنافِلَةِ. وأمَّا قولُهُ في حديثِ جَابِرٍ:"إنَّمَا يَكْفِى أَحَدَكُمْ" فإِنَّهُ يَعْنِى في إصَابَةِ السُّنَّةِ؛ بدلِيلِ أنَّه قالَ: "أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمَ عَلَى أخِيهِ عَنْ يَمِينِهِ وشِمَالِهِ". وكُلُّ هذا غيرُ واجبٍ. وهذا الخلافُ الذي ذَكَرْنَاه في الصلاةِ المفرُوضَةِ، أمَّا صلاةُ الجِنَازَةِ، والنَّافِلَةِ، وسجودُ التِّلَاوَةِ، فلا خوفَ في أنَّه يَخْرُجُ منها بتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ. قال القاضي: هذا رِوَايَةً وَاحِدَةً. نَصَّ عليهِ أحمدُ في صلاةِ الجنازةِ وسجودِ التِّلَاوَةِ؛ ولِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لم يُسَلِّمُوا في صلاةِ الجنازةِ إلَّا تَسْلِيمَةً واحدةً. واللهُ أعْلمُ.
فصل:
والسُّنَّةُ أنْ يقولَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ. لأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يُسَلِّمُ كذلك، في رِوَايَةِ ابْنِ مسعودٍ، وجابر بنِ سَمُرَةَ، وغيرِهِما. وقد رَوَى وائِلُ
(19) تقدم حديث عائشة وسلمة صفحة 242، وانظر معهما حديث سهل بن سعد. وأخرجه أيضًا الإِمام أحمد، في: المسند 5/ 338.
(20)
في الأصل: "ففيهما".
(21)
سقط من: الأصل.
ابْنُ حُجْرٍ، قال:"صلَّيْتُ مع رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فكانَ يُسَلِّمُ عن يَمِينِهِ: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وَبرَكَاتُهُ". وعَنْ شِمَالِهِ: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ". رَوَاه أبو داوُد (22)، فإنْ قَالَ ذلكَ فحسنٌ، والأَوَّلُ أحسنُ؛ لِأنَّ رُوَاتَهُ أكثَرُ، وطُرُقَهُ أصَحُّ. فإنْ قال: السلامُ عليْكُمْ. ولم يَزِدْ. فَظَاهِرُ كلامِ أحمدَ أنَّهُ يُجْزِئُهُ. [قال القاضي: و] (23) نصَّ عليهِ أحمدُ في صلاةِ الجِنَازَةِ. وهو مذْهَبُ الشافعىِّ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال: "وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ" (24). والتَّسْليمُ (25) يَحْصُلُ بهذا القَوْلِ. وقد رُوِىَ عن سعدٍ، قال: كُنْتُ أَرَى رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُسَلِّمُ عن يَمِينِهِ وشِمَالِهِ، حتَّى أرَى بَيْاضَ خَدِّهِ: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ". رَوَاهُ أبو داوُد (26)، ورَوَى عبدُ اللهِ بْنُ زيدٍ نحوَه عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وعن عَلِيٍّ، رضِىَ اللهُ عنه، أَنَّهُ كانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وعَنْ يَسَارِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. رَوَاهُمَا سعيدٌ (27). ولِأَنَّ ذكْرَ الرَّحْمَةِ تَكْرِيرٌ للثَّنَاءِ، فلم يَجِبْ. كقولِه: "وَبَرَكَاتُهُ"، وقالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الأصَحُّ أنَّه لا يُجْزِئُهُ؛ لأنَّ الصحِيحَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه كانَ يقولُ: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ" (28) ولأنَّه سَلَامٌ في الصلاةِ وَرَدَ مَقْرُونًا بِالرَّحْمَةِ، فلم يَجُزْ بِدُونِها،
(22) في: باب في السلام، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 229.
(23)
سقط من: م.
(24)
تقدم في صفحة 127.
(25)
في م: "والتحليل".
(26)
لم نجده من رواية سعد في سنن أبي داود، وقد روى الدارمي، عن سعد بن أبي وقاص: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده، ثم يسلم عن يساره حتى يرى بياض خده. انظر: باب التسليم في الصلاة، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 310. ومثله عند ابن ماجه عن سعد. انظر: باب التسليم، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 296. وروى ابن ماجه، في الباب نفسه، عن عمار بن ياسر، نحو ما أورده الموفق من حديث سعد، الذي ذكر أن أبا داود أخرجه.
(27)
أي سعيد بن منصور، في سننه. ولم ينشر بعد ما يتعلق بالصلاة منه.
(28)
في م زيادة: "وبركاته". انظر أول المسألة.