الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَجِبُ عليه، متى صَلَّى في الوقتِ، ثم بَلَغَ فيه بَعْدَ فَرَاغِهِ منها، أو (17) في أثنائِها، فعليهِ إعادَتُها. وبهذا قال أبو حنيفَة. وقال الشَّافِعِىُّ: تُجْزِئُه، ولا يلْزَمُهُ إعادتُها في المَوْضِعَيْنِ؛ لأنَّه أدَّى وظِيفَةَ الوقتِ، فلم يلْزَمْهُ إعادَتُها، كالبالِغِ. ولَنا، أنَّه صَلَّى قبلَ وُجوبِهَا [عليه، وقبلَ سَببِ وُجوبِها](18)، فلم تُجْزِهِ عَمَّا وُجِدَ سَبَبُ وجُوبِهَا عليه، كما لو صَلَّى قبل الوقتِ، ولأنَّه صَلَّى نَافِلَةً، فلم تُجْزِهِ عن الواجِبِ، كما لو نَوَى نَفْلًا، ولأنه بَلَغَ في وقتِ العبَادَةِ وبَعْدَ فعْلِهَا، فَلَزِمَتْهُ إعَادَتُها كالحَجِّ، ووظيفَةُ الوقتِ في حق البالِغِ ظهرًا واجبَة، ولم يأتِ بها.
فصل:
والمجنُونُ غيرُ مُكَلَّفٍ، ولا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ ما تَرَكَ في حالِ جنُونِهِ، إلَّا أن يُفِيقَ في وقتِ الصلاةِ، فيَصِيرُ كالصَّبِىِّ يَبْلُغُ. ولا نَعْلَمُ في ذلك خِلَافًا، وقد قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ؛ عَنِ النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَشِبَّ، وعَنِ المَعْتُوهِ حتَّى يَعْقِلَ". أخرجَهُ أبو داوُد، وابن ماجَه، والتِّرْمِذِىُّ (19)، وقال: حديثٌ حسنٌ. ولأنَّ مُدَّتَه تطُولُ غالبًا، فوُجُوبُ القَضَاءِ عليهِ يَشُقُّ، فَعُفِىَ عنه.
120 - مسألة؛ قال: (والمُغْمَى عَلَيْهِ يَقْضِى جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ الَّتِى كَانَتْ فِي حَالِ إغْمَائِهِ)
وجُمْلَةُ ذلك أن المُغْمَى عليهِ حُكْمُه حُكْمُ النائِم، لا يَسْقُطُ عنه قَضاءُ شيءٍ
(17) في م: "وفى".
(18)
سقط من: م.
(19)
أخرجه أبو داود، في: باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا، من كتاب الحدود. سنن أبي داود 2/ 451 - 453. وابن ماجه، في: باب طلاق المعتوه والصغير والنائم، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجه 1/ 658. والترمذي، في: باب ما جاء فيمن لا يجب عليه الحد، من أبواب الحدود. عارضة الأحوذى 6/ 195. كما أخرجه البخاري، في: باب الطلاق في الإغلاق إلخ، من كتاب الطلاق، وفى: باب لا يرجم المجنون والمجنونة، من كتاب الحدود. صحيح البخاري 7/ 59، 8/ 204. والنسائي، في: باب من لا يقع طلاقه من الأزواج، من كتاب الطلاق. المجتبى 6/ 127. والدارمى، في: باب رفع القلم عن ثلاثة، من كتاب الحدود. سنن الدارمي 2/ 171. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 116، 118، 140، 155، 158، 6/ 100، 101.
من الواجِبَاتِ الَّتى يَجِبُ قَضَاؤُهَا على النَّائِمِ؛ كالصَّلَاةِ والصيامِ. وقال مالك، والشَّافِعِىُّ: لا يلزَمُه قضاءُ الصلاةِ إلا أن يُفِيقَ في جزء من وقْتِهَا؛ لأنَّ عائشة سَأَلَتْ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن الرَّجُلِ يُغْمَى عليه، فَيَتْرُكُ الصلاةَ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ قَضَاءٌ إلَّا أن يُغْمَى عَلَيْهِ، فَيُفِيقَ في وَقْتِهَا، فَيُصَلِّيَها"(20). وقال أبو حنيفَة: إنْ أُغْمِىَ عليه خَمْسَ صلواتٍ قَضاها، وإن زادَتْ سَقَطَ فَرْضُ القَضَاءِ في الكُلِّ؛ لأنَّ ذلك يَدْخُلُ في التَّكْرَارِ، فأسْقَطَ القَضَاءَ، كالجُنُونِ. ولَنا، ما رُوِىَ، أنَّ عَمَّارًا غُشِىَ عليهِ أيامًا لا يُصَلِّى، ثم اسْتَفَاقَ بعدَ ثَلَاثٍ، فقيل (21): هل صَلَّيْتَ؟ فقال: (21) ما صَلَّيْتُ منذُ ثَلَاثٍ. فقال: أعْطُونِى وَضُوءًا، فتَوَضَّأ، ثم صَلَّى تلك اللَّيْلَة. ورَوَى أبو مِجْلَز، أنَّ سَمُرَةَ بن جُنْدَب، قال: المُغْمَى عليهِ يَتْرُكُ الصلاةَ، أو فيَتْرُك الصلَاةَ، يُصَلِّى مع كُلِّ صلاةٍ صلاةً (22) مِثْلَها. قال: قال عِمْرَان (23): زَعَم (24)، ولكنْ ليُصَلِّيهِنَّ جَمِيعًا. رَوَى (25) الأثْرَمُ هذين الحدِيثَيْنِ في "سُنَنِه"(26). وهذا فِعْلُ الصَّحَابَةِ وقولُهُم، ولا نَعْرِفُ لهم مُخَالِفًا، فكان إجْمَاعًا. ولأن الإِغْمَاءَ لا يُسْقِطُ فَرْضَ الصيامِ، ولا يُؤَثِّرُ في اسْتِحْقَاقِ الوِلايةِ على المُغْمَى عليهِ، فأشْبَهَ
(20) أخرجه الدارقطني، في: باب الرجل يغمى عليه وقد جاء وقت الصلاة، هل يقضى أم لا، من كتاب الصلاة. سنن الدارقطني 2/ 81. والبيهقي، في: باب المغمى عليه يفيق بعد ذهاب الوقتين فلا يكون عليه قضاؤهما، من كتاب الصلاة. السنن الكبرى 1/ 388.
(21)
لعل الصواب وضع كل كلمة مكان الأخرى، فإن المغمى عليه هو الذي لا يدرى أمره فيسأل.
(22)
سقط من: الأصل.
(23)
أبو رجاء عمران بن ملحان العطاردى البصري، أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وهو يروى عن سمرة بن جندب، توفى سنة تسع ومائة. تهذيب التهذيب 8/ 140، 141.
(24)
أي سمرة بن جندب.
(25)
في م: "وروى".
(26)
السنن للأثرم ليست بين أيدينا، لكن الدارقطني والبيهقي رويا أن عمار بن ياسر أغمى عليه في الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فأفاق نصف الليل، فصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء. انظر الموضعين السابق ذكرهما قريبًا، من سنن الدارقطني، والسنن الكبرى.