الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
ولا يَجُوزُ الخُرُوجُ من المسجدِ بعدَ الأذانِ إلَّا لِعُذْرٍ. قال التِّرْمِذِىُّ (6): وعلى هذا العَمَلُ من أصحابِ النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم ومَنْ بَعْدَهُمْ، أن لا يَخْرُجَ أحدٌ من المسجدِ بعد الأذانِ إلا من عُذْرٍ. قال أبو الشَّعْثَاء: كُنَّا قُعُودًا مع أبي هريرة في المسجِدِ، فأذَّنَ المُؤَذِّنُ، فقامَ رَجُلٌ من المَسْجِدِ يَمْشِى، فأتْبَعهُ أبو هريرة بَصَرَهُ حتَّى خَرَجَ من المسجدِ، فقال أبو هُرَيْرَةَ: أمَّا هذا فقد عَصَى أبا القاسِمِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ أبو داود، والتِّرْمِذِىُّ (7)، وقالَ: حديثٌ حسنٌ صَحِيحٌ. وعن عثمانَ بن عفان، رضىَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أدْرَكَهُ الأَذَانُ فِي المَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ، لَمْ يَخْرُجْ لِحَاجَةٍ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ الرَّجْعَةَ، فَهُوَ مُنَافِقٌ". رواهُ ابن ماجَه (8). فأما الخُرُوجُ لِعُذْرٍ فَمُبَاحٌ؛ بِدَلِيلِ أن ابن عمرَ خَرَجَ من أجْلِ التَّثْوِيبِ في غيرِ حِينِه. وكذللث مَنْ نَوَى الرَّجْعَةَ؛ لحديثِ عثمانَ، رضى اللهُ عنه.
125 -
مسألة؛ قال: (وإِنْ (1) أَذَّنَ لِغيْرِ الفَجْرِ قَبْلَ دُخولِ الوَقْتِ، أَعَادَ إذَا دَخَلَ الوَقْتُ)
الكلامُ في هذه المسألةِ في فَصْلَيْنِ: أحدُهما، في أن الأذانَ قبلَ الوقتِ في غيرِ الفجرِ لا يُجْزِىءُ. وهذا لا نَعْلَمُ فيه خلَافًا، قال ابْنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ أهلُ العِلْمِ على أن من السُّنَّةِ أنْ يُؤَذَّنَ للصَّلَوَاتِ بعدَ دخولِ وقتِها، إلَّا الفجرَ. ولِأنَّ الأذانَ شُرِعَ للإِعْلامِ بِالوقتِ، فلا يُشْرَع قبل الوقتِ، لِئَلَّا يَذْهَبَ مَقْصُودُهُ. الفصلُ الثانِى، أنَّهُ يُشْرَعُ الأذانُ لِلفجرِ قبلَ وقتِها. وهو قولُ مالكٍ، والأوْزَاعِىِّ،
(6) في: باب ما جاء في كراهية الخروج من المسجد بعد الأذان، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 6.
(7)
أخرجه أبو داود، في: باب الخروج من المسجد بعد الأذان، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 127. والترمذي، في: باب ما جاء في كراهية الخروج من المسجد بعد الأذان، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 6.
(8)
في: باب إذا أذن وأنت في المسجد فلا تخرج، من كتاب الأذان. سنن ابن ماجه 1/ 242.
(1)
في م: "ومن".
والشافِعِىِّ، وإسحاقَ. ومَنَعَه (2) الثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ، ومحمدُ بنُ الحسنِ؛ لِمَا رَوَى ابنُ عمرَ، أنَّ بِلَالًا أذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ، فأمَرَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يَرْجِعَ فَيُنَادِى:"ألَا إنَّ العَبْدَ نَامَ، ألَا إنَّ العَبْدَ نَامَ". وعن بِلَالٍ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال لهُ: "لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكَ الفَجْرُ هَكَذَا" ومَدَّ يَدَيْهِ عَرْضًا. رَوَاهُما أبو داودُ (3). وقال طَائِفَةٌ من أهلِ الحديثِ: إذا كان له مُؤَذِّنان (4)، يُؤَذِّنُ أحدُهُمَا قبلَ طُلُوعِ الفجرِ، والآخَرُ بعدَهُ، فلا بأْسَ؛ لأنَّ الأذانَ قبل الفجرِ يُفَوِّتُ المَقْصُودَ من الإِعْلَامِ بالوقتِ، فلم يَجُزْ، كَبَقِيَّةِ الصلواتِ، إلَّا أن يكُونَ لهُ مُؤَذِّنَانِ يَحْصُل إعْلَامُ الوَقتِ بأحدِهِمَا، كما كانَ للنَّبِىِّ (5) صلى الله عليه وسلم. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ". مُتَّفَقٌ عليه (6). وهذا يَدُلُّ على دَوَامِ ذلك منه، والنَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أقَرَّهُ عليه، ولم يَنْهَه عنه، فثَبَتَ جَوَازُه، ورَوَى زِيَادُ بنُ الحَارِثِ الصُّدَائِىُّ، قال: لمَّا كانَ أوَّلُ أذانِ الصبحِ أمَرَنِى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فأذَّنْتُ، فَجَعَلْتُ أقُولُ: أُقِيمُ يا رسولَ اللهِ؟ فَجَعَلَ يَنْظُرُ إلى نَاحِيَةِ [المَشْرقِ، فيقولُ](7): "لا". حتَّى إذا طَلَعَ الفجرُ نَزَلَ، فبَرَزَ، ثم
(2) في م: "ومنه" خطأ.
(3)
في: باب في الأذان قبل دخول الوقت، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 126، 127.
(4)
في النسخ: "مؤذن"، والسياق يقتضى ما أثبتناه.
(5)
في م: "النبي".
(6)
أخرجه البخاري، في: باب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره، وباب الأذان قبل الفجر، من كتاب الأذان، وفى: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال، من كتاب الصوم، وفى: باب شهادة الأعمى. . . إلخ، من كتاب الشهادات، وفى: باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة. . . إلخ، من كتاب الآحاد. صحيح البخاري 1/ 160، 161، 3/ 37، 225، 9/ 107، 108، ومسلم، في: باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر. . إلخ، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 1/ 768، 769. كما أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في الأذان بالليل، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 4، 5. والنسائي، في: باب المؤذنان للمسجد الواحد، وباب هل يؤذنان جميعا أو فرادى. المجتبى 2/ 9، 10. والدارمى، في: باب في وقت أذان الفجر، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 269، 270. والإمام مالك، في: باب قدر السحور من النداء، من كتاب النداء. الموطأ 1/ 74. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 9، 57، 62، 64، 73، 79، 107، 123، 6/ 44، 54، 185، 186، 433.
(7)
في م: "الشرق، ويقول".
انْصَرَفَ إليَّ وقد تَلَاحَقَ أصحابُه، فتوَضَّأ، فأراد بلَالٌ أنْ يُقِيمَ، فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إنَّ أَخَا صُدَاءَ (8) قَدْ أَذَّنَ، ومَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ" قالَ: فأَقَمْتُ. رَوَاهُ أبو داود والتِّرْمِذِىُّ. (9) وهذا قد أَمَرَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بالأذانِ قبلَ طلوعِ الفجرِ، وهو حُجَّةٌ على من قال: إنَّما يَجَوُزُ إذا كانَ له مُؤَذِّنَانِ، فإنَّ زِيَادًا أَذَّنَ وَحْدَهُ. وحديثُ ابْنِ عمرَ الذي احْتَجُّوا به، قال أبو داود (10): لم يَرْوِهِ إلَّا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، ورَوَاهُ حمادُ بنُ زيدٍ، والدَّرَاوَرْدِىُّ (11)، فخَالَفَاهُ، وقالا: مُؤَذِّنٌ لِعمرَ. وهذا أصَحُّ (12). وقال علىُّ ابنُ الْمَدِينِىّ: أخطأ فيه، يَعْنِى حمادًا (13). وقال التِّرْمِذِىُّ: هو غيرُ مَحْفُوظٍ (14). وحديثُهُم الآخَرُ، قال ابْنُ عبدِ البَرِّ (15): لا يَقُومُ به ولا بِمِثْلِه حُجَّةٌ؛ لضَعْفِه وانْقِطَاعِه. وإنَّما اخْتُصَّتِ (16) الفجرُ بذلك؛ لأنه وقتُ النومِ، لِيَنْتَبِهَ الناسُ، ويتأَهَّبُوا للخُرُوجِ إلى الصلاةِ، وليسَ ذلك في غيرها، وقد رَوَيْنَا في حديثٍ، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ؛ لِيَنْتَبِهَ نَائِمُكُم، ويَرْجِعَ قَائِمُكُم". رواهُ أبو داوُد (17). ولَا يَنْبَغِى أَنْ يتَقَدَّمَ ذلك على
(8) صداء: قبيلة من اليمن. الأنساب 8/ 39.
(9)
أخرجه أبو داود، في: باب في الرجل يؤذن ويقيم آخر، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 122. والترمذي، في: باب ما جاء أن من أذن فهو يقيم، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 1/ 315. كما أخرجه ابن ماجه، في: باب السنة في الأذان، من كتاب الأذان. سنن ابن ماجه 1/ 237. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 169.
(10)
في: باب في الأذان قبل دخول الوقت، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 127.
(11)
هو أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن عبيد، من أهل المدينة، توفى سنة ست وثمانين ومائة. الأنساب 5/ 295.
(12)
آخر كلام أبي داود، بتصرف.
(13)
أي ابن سلمة.
(14)
في: باب ما جاء في الأذان بالليل، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 4، وكلام ابن المديني فيه 2/ 5.
(15)
التمهيد 10/ 59.
(16)
في م: "اختص".
(17)
كذا ذكر المؤلف، وأبو داود يرويه بلفظ آخر أورده المؤلف، يأتى في "فصل ويكره الأذان قبل الفجر في شهر رمضان"، وإنما الذي رواه بهذا اللفظ النسائي، في: باب الأذان في غير وقت الصلاة، من كتاب الأذان، =