الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
فإنْ قَطَعَ قراءَةَ الفاتحَةِ بِذِكْرٍ؛ مِنْ دُعَاء، أو قِرَاءَةٍ، أو سُكُوتٍ يَسِيرٍ، أو فَرَغَ الإِمامُ مِن الفاتحَةِ في أثْنَاءِ قراءَةِ المَأْمُومِ، قال: آمِينَ. ولا تَنْقَطِعُ قِرَاءَتُهُ؛ لقولِ أحمدَ: إذَا مَرَّتْ به آيَةُ رَحْمَةٍ سألَ، وإذا مَرَّتْ بهِ آيَةُ عذابٍ اسْتَعَاذَ. وإنْ كَثُرَ ذلك اسْتَأْنَف قراءَتَها، إلَّا أن يكونَ السُّكُوتُ مَأْمُورًا بهِ، كالمَأْمُومِ يَشْرَعُ في قراءَة الفَاتِحَةِ، ثم يَسْمَعُ قراءَةَ الإِمامِ، فَيُنْصِتُ له، فإذا سَكَتَ الإِمَامُ أتَمَّ قِرَاءَتَها، وأجْزَأتْهُ (39). أوْمَأَ إليهِ أحمدُ. وكذلك إنْ كان السُّكُوتُ نِسْيَانًا، أو نومًا، أو لانْتِقَالِهِ إلى غيرِها غَلَطًا، لم يَبْطُلْ، فمتى ذَكَرَ أتى بِمَا بَقىَ منها. فإنْ تَمَادَى فيما هو فيهِ بعدَ ذِكْرِهِ، أبْطَلَها، ولَزِمَه اسْتِئْنَافُها، كما لوِ ابْتدَأ بذلك. فإنْ نَوَى قَطعَ قراءَتِها، مِن غيرِ أن يَقْطَعَهَا، لم تَنْقَطِعْ؛ لأنَّ فِعْلَهُ مُخَالِفٌ لِنِيَّتِه، والاعْتِبَارُ بالفِعْلِ لا بالنِّيَّةِ. وكذا إنْ سَكَتَ مع النِّيَّةِ سُكُوتًا يَسِيرًا؛ لِمَا ذكرنَاهُ مِن أنَّه لا عِبْرَةَ بِالنِّيَّةِ، فوُجُودُها كعَدَمِها. وذكرَ القاضي في "الجامعِ"، أنَّه متى سَكَتَ مع النِّيَّةِ أبْطَلَهَا، ومتى عَدَلَ إلى قرَاءَةِ غيرِ الفاتحَةِ عَمْدًا، أو دُعَاءٍ غيرِ مأْمُورٍ به، بَطَلَتْ قراءَتُه. ولم يُفَرِّقْ بين قليلٍ وكثيرٍ (40). وإنْ قَدَّمَ آيةً منها في غيرِ مَوْضِعِها عَمْدًا، أبطَلَها. وإنْ كان غَلَطًا، رَجَعَ إلى موضِعِ الغَلَطِ فأتمَّها. والأَوْلَى، إنْ شَاءَ اللهُ، ما ذكَرْنَاه؛ لِأنَّ المُعْتَبَرَ في القراءَةِ وُجُودُها، لا نيَّتُهَا، فمتى قرأَهَا مُتَوَاصِلَةً تَوَاصُلًا قَرِيبًا صَحَّتْ، كما لو كان ذلكَ عن غَلَطٍ.
فصل: ويجبُ قراءةُ الفاتحَةِ في كُلِّ ركْعَةٍ، في الصَّحِيحِ مِن المذهبِ. وهذا مذهبُ مالكٍ، والأوْزاعِيِّ، والشافعيِّ. وعن أحمدَ: أنَّها لا تَجِبُ إلَّا فِي رَكْعَتَيْنِ مِن الصلاةِ. ونَحْوُه عن النَّخَعِىِّ، والثَّوْرِيِّ، وأبى حنيفَةَ؛ لمَا رُوِىَ، عن عَلِيٍّ، رَضِىَ اللَّه عنه، أنَّه قال: اقْرَأْ في الأُولَيَيْنِ، وسَبِّحْ في الأُخْرَيَيْنِ. ولأنَّ القراءَةَ لو وَجَبَتْ في بقِيَّةِ الركعاتِ، لَسُنَّ الجَهْرُ بها في بعضِ الصَّلواتِ،
(39) في م: "وأجزأه".
(40)
في م: "أو كثير".
كالأُولَيَيْنِ. وعن الحسنِ: أنَّه إنْ قرأَ في رَكْعَةٍ واحِدَةٍ، أجْزَأَهُ؛ لقولِ اللهِ تعالى:{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} (41). وعن مالكٍ، إنْ (42) قرأَ في ثلاثٍ، أجْزَأَهُ؛ لأنها في (43) مُعْظَمِ الصلاةِ. ولَنا، ما رَوَى أبو قَتَادةَ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأُ في الظهْرِ في الأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الكِتَابِ وسُورَتَيْنِ، ويُطَوِّلُ الأُولَى، ويُقَصِّرُ في الثَّانِيَةِ، ويُسْمِعُ الآيةَ أحيانًا، وفى الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الكِتَابِ. مُتَّفَقٌ عليه (44). وقال:"صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِى أُصَلِّى" مُتَّفَقٌ عليه (45). وعن أبِى سَعِيدٍ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ في كُلِّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ (46) ". وعنه، وعن عُبادَةَ، قالا: أمَرَنَا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ نَقْرَأَ بفاتِحَةِ الكتابِ، في كُلِّ رَكْعَةٍ (47). رَوَاهُما إسماعيلُ بنُ سعيدٍ الشَّالَنْجِىُّ. ولأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ المُسِىءَ في صَلَاتِهِ كيف يُصَلِّى الرَّكْعَةَ الأُولَى، ثُمَّ قَالَ:
(41) سورة المزمل 20.
(42)
في م: "أنه إن".
(43)
سقط من: م.
(44)
أخرجه البخاري، في: باب القراءة في الظهر، وباب يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب، وباب إذا سمع الإمام الآية، وباب يطوّل في الركعة الأولى، من كتاب الأذان. صحيح البخاري 1/ 193، 197، 198. ومسلم، في: باب القراءة في الظهر والعصر، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 333. وأبو داود، في: باب ما جاء في القراءة في الظهر، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 184. والنسائي، في: باب تقصير القيام في الركعة الثانية من الظهر، من كتاب افتتاح الصلاة. المجتبى 2/ 128. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 295، 301، 311.
(45)
كذا أطلق المؤلف، وهو من حديث مالك بن الحويرث، الذي تقدم تخريجه في حاشية صفحة 137. ولفظ:"صلوا كما رأيتموني أصلى" ورد عند البخاري، في: باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة. . . إلخ، من كتاب الأذان، وفي: باب رحمة الناس والبهائم، من كتاب الأدب، وفى: باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق. . . إلخ، من كتاب الآحاد. صحيح البخاري 1/ 162، 163، 8/ 11، 9/ 107. وعند الدارمي، في: باب من أحق بالإِمامة، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 286. وعند الإمام أحمد، في: المسند 5/ 53.
(46)
أخرجه ابن ماجه، في: باب القراءة خلف الإمام، من كتاب إقامة الصلاة، بلفظ:"لا صلاةَ لمن لم يقرأْ في كلِّ ركعةٍ بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ}، وسورة، في فريضةٍ أو غيرِها" سنن ابن ماجه 1/ 274.
(47)
انظر: حديث عبادة بن الصامت، الذي تقدم في صفحة 147.