الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
يَلْزَمُهُ أن يَأْتِىَ بِقِرَاءَةِ الفاتحَةِ مُرَتَّبَةً مُشَدَّدَةً، غيرَ مَلْحُونٍ فيها لَحْنًا يُحِيلُ المَعْنَى، فإنْ تَرَكَ تَرْتِيبَها، أو شَدَّةً مِنها، أو لحَنَ لحنًا يُحِيلُ المعنَى، مثلَ أَنْ يَكْسِرَ كافَ {إِيَّاكَ} ، أو يَضُمَّ تَاءَ {أَنْعَمْتَ} ، أو يَفْتَحَ أَلِفَ الوصلِ في {اهْدِنَا} ، لم يُعْتَدَّ بقِرَاءَتِهِ، إلَّا أن يكونَ عاجزًا عن غيرِ هذا. ذَكَرَ القاضي نحوَ هذا في "المُجَرَّدِ"، وهوَ مَذهَبُ (28) الشافعيِّ. وقال القاضي في "الجامعِ": لا تبْطُلُ بِتَرْكِ شَدَّةٍ؛ لأنَّها غيرُ ثابِتَةٍ في خَطِّ المُصْحَفِ، وإنَّما (29) هي صِفَةٌ لِلْحَرْفِ، ويُسَمَّى تَارِكُها قَارِئًا. والصَّحِيحُ الأَوَّلُ؛ لأنَّ الحَرْفَ المُشَدَّدَ أُقِيمَ مَقَامَ حَرْفَيْنِ، بِدَلِيلِ أنَّ شَدَّةَ راء {الرَّحْمَنِ} أُقِيمَتْ مقامَ اللَّامِ، وشَدَّةَ ذالِ {الَّذِينَ} أُقِيمَتْ مَقَامَ اللَّامِ أيضًا، فإذا أَخَلَّ بها أَخَلَّ بِالحَرْفِ ومَا يَقُومُ مَقَامَه، وغَيَّرَ المَعْنَى، إلَّا أَنْ يُرِيدَ أنَّه أظْهَرَ المُدْغَمَ، مِثْلَ مَن يقولُ "الْرَحْمن" مُظْهِرًا لِلَّامِ، فهذا تَصِحُّ صلاتُه؛ لأنَّه إنَّما تَرَكَ الإِدْغَامَ، وهوَ مَعْدُودٌ لَحْنًا لَا يُغَيِّرُ المعنَى. قال: ولا يَخْتَلِفُ المَذْهَبُ، أنَّه إذا لَيَّنَهَا، ولم يُحَقِّقْهَا على الكَمَالِ، أنَّه لا يُعِيدُ الصلاةَ؛ لأنَّ ذلك لا يُحِيلُ المعنَى، ويَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الناسِ. ولَعَلَّهُ إنَّما أرادَ في "الجامع" هذا المعنَى، فيكونُ قَوْلُه مُتَّفِقًا. ولا يُسْتَحَبُّ المُبَالَغَةُ في التَّشْدِيدِ، بحيثُ يَزِيدُ على قدرِ حَرْفٍ سَاكِنٍ؛ لِأنَّها في كُلِّ مَوْضِعٍ أُقِيمَتْ مَقَامَ حرفٍ ساكنٍ؛ فإذا زَادَها على ذلك زادَهَا عَمَّا أُقِيمَتْ مَقَامَهُ، فيكونُ مَكْرُوهًا. وفى {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ثلاثُ شَدَّاتٍ، وفيما عَدَاها إِحْدَى عشرةَ شَدَّةً (30)، بِغيرِ اخْتِلَافٍ.
فصل: وأقَلُّ مَا يُجْزِئُ فيها قِرَاءَةٌ مَسْمُوعَةٌ، يُسْمِعُها نَفْسَه، أو يكون بحيث يَسْمَعُها لو كان سَمِيعًا، كما قُلْنَا في التَّكْبِيرِ، فَإنَّ مَا دُونَ ذلك ليس بِقِرَاءَةٍ. والمُسْتَحَبُّ أنْ يَأْتِىَ بها مُرَتَّلَةً مُعْرَبَةً، يَقِفُ فيها عند كل آيَةٍ، ويُمَكِّنَ حُرُوفَ
(28) في الأصل: "قول".
(29)
سقط من: م.
(30)
في م: "تشديدة".
المَدِّ وَاللِّينِ، ما لم يُخْرِجْه ذلك إلى التَّمْطِيطِ؛ لِقولِ اللهِ تعالى:{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (31). ورُوِىَ عن (32) أُمِّ سَلَمَةَ، أنَّها سُئِلَتْ عن قِرَاءَةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قالتْ: كان يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيةً: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} . رَوَاهُ الإِمامُ أحمدُ، في "مُسْنَدِه"(33). وعن أنَسٍ، قال: كانتْ قِرَاءَةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَدًّا ثم قَرَأَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} . يَمُدُّ {بِسْمِ اللَّهِ} ، ويَمُدُّ بِالرَّحْمَنِ، ويَمُدُّ بِالرَّحِيمِ. أخْرَجَه البُخَارِيُّ (34). فإن انْتَهَى ذلك إلى التَمْطِيطِ والتَّلْحِينِ كان مَكْرُوها؛ لِأنَّه رُبَّمَا جَعَلَ الحَرَكَاتِ حُرُوفًا. قال أحمدُ: يُعْجِبُنِى مِن قِرَاءَةِ القُرآنِ السَّهْلَةُ. وقال: قولُهُ: "زَيِّنُوا القُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ (35) ". قال: يُحَسِّنُهُ بِصَوْتِهِ مِن غيرِ تَكَلُّفٍ. وقد رُوِىَ في خَبَرٍ آخر (36): "أحْسَنُ النَّاسِ قِرَاءَةً، مَنْ إذَا سَمِعْتَ قِراءَتَهُ رَأَيْتَ أنَّهُ يَخْشَى اللهَ (37) ". وَرُوِى: "إنَّ هَذَا القُرَآنَ نَزَلَ بِحُزْنٍ، فَاقْرَأُوهُ بِحُزْنٍ"(38).
(31) سورة المزمل 4.
(32)
سقط من: الأصل.
(33)
تقدم تخريجه في حاشية صفحة 148.
(34)
في: باب مد القراءة، من كتاب فضائل القرآن. صحيح البخاري 6/ 240، 241. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 3/ 127، 198.
(35)
أخرجه البخاري، في: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: الماهر بالقرآن مع الكرام البررة، وزينو القرآن بأصواتكم (الترجمة)، من كتاب التوحيد. صحيح البخاري 9/ 193. كما أخرجه أبو داود، في: باب استحباب الترتيل في القراءة، من كتاب الوتر. سنن أبي داود 1/ 338. والنسائي، في: باب تزيين القرآن بالصوت، من كتاب افتتاح الصلاة. المجتبى 2/ 139، وابن ماجه، في: باب في حسن الصوت بالقرآن، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 426. والدارمي، في: باب التغنى بالقرآن، من كتاب فضائل القرآن. سنن الدارمي 2/ 474. والإِمام أحمد، في: المسند 4/ 283، 285، 296، 304.
(36)
سقط من: الأصل.
(37)
أخرجه ابن ماجه، في: باب في حسن الصوت بالقرآن، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 425. والدارمي، في: باب التغنى بالقرآن، من كتاب فضائل القرآن. سنن الدارمي 2/ 471، 472. وفى سنن الدرامي:"أُرِيتَ أنه يخشى اللَّه".
(38)
أخرجه ابن ماجه، في: باب حسن الصوت بالقرآن، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 424. وفيه:"فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا. . ." مكان: "فاقرأوه بحزن".