الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجَبْهَةِ لم يَسْجُدْ على الأنْفِ. ورُوِىَ عن أبي حنيفة، أنَّه إنْ سَجَدَ على أنفِه دُونَ جَبْهَتِهِ، أجْزَأهُ. قال ابنُ المُنْذِرِ: لا أعْلمُ أحَدًا سَبَقَهُ إلى هذا القولِ، ولعله ذهب إلى أَنَّ الجَبْهَةَ والأنفَ عُضْوٌ واحِدٌ، لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا ذَكَرَ الجَبْهَةَ أشارَ إلى أَنْفِه، والعُضْوُ الوَاحِدُ يُجْزِئُهُ السُّجودُ على بَعْضِه. وهذا قولٌ يُخَالِفُ الحديثَ الصحيحَ والإِحماعَ الذي قَبْلَه، فلا يَصِحُّ.
فصل:
ولا تَجِبُ مُبَاشَرَةُ المُصَلِّى بِشىءٍ مِن هذه الأعضاءِ. قال القاضي: إذا سجد على كُورِ العِمَامَةِ أو كُمِّه أو ذَيْلِه، فالصلاةُ صحيحةٌ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وهذا مذهبُ مالكٍ، وأبى حنيفةَ. وممَّنْ رخَّصَ في السُّجودِ على الثَّوْبِ في الحَرِّ والبَرْدِ. عطاءٌ، وطَاوُس، والنَّخَعِىُّ، والشَّعْبِىُّ، والأوْزَاعِىُّ، ومالكٌ، وإسحاقُ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وَرَخَّصَ في السَّجودِ على كُورِ العِمَامَةِ الحسنُ، ومَكْحُولٌ، وعبدُ الرحمنِ بن يَزِيدَ. وسَجَدَ شُرَيْحٌ على بُرْنُسِهِ (21)، وقال أبو الخَطَّاب: لا يَجِبُ مُبَاشَرَةُ المُصَلِّى بِشىءٍ مِن أعْضَاءِ السُّجُودِ إلَّا الجَبْهَةَ، فإنَّها على روايتَيْنِ. وقد رَوَى الأثرَمُ، قالَ: سألتُ أبا عبد الرحمَنِ عن السجودِ على كُورِ العِمامَةِ؟ فقال: لا يسجدُ على كُورِها، ولكن يَحْسُرُ العِمامَةَ. وهذا يَحْتَمِلُ المَنْعَ، وهو مذهبُ الشافعىِّ؛ لِما رُوِىَ عن خَبَّابٍ، قال: شَكَوْنا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّ الرَّمْضَاءِ في جِبَاهِنَا وأكُفِّنا. فلم يُشْكِنَا (22). رَوَاهُ مُسْلِمٌ (23). ولأنَّه سجد على ما هو حَامِلٌ له، أشْبَهَ ما إذا سجد على يدَيْه. ولنا، ما رَوَى أنَسٌ، قال: كُنَّا نُصَلِّى مع النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم، فَيَضَعُ أحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِن
= عشرة وأربعمائة، و"فوائده" مخطوط. انظر: تاريخ التراث العربى 1/ 1/ 467. والحديث أورده الهيثمي في: المجمع 2/ 125، ونسبه لأبي يعلى والطبراني في الأوسط.
(21)
البرنس: قلنسوة طويلة.
(22)
لم يشكنا: لم يُزِلْ شكوانا.
(23)
في: باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر، من كتاب المساجد. صحيح مسلم 1/ 433. كما أخرجه النسائي، في: باب أول وقت الظهر، من كتاب المواقيت. المجتبى 1/ 198. وابن ماجه، في: باب وقت صلاة الظهر، من كتاب الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 222. والإِمام أحمد، في: المسند 5/ 108، 110.
شِدَّةِ الحَرِّ في مكانِ السُّجودِ. رَوَاهُ البخارِىُّ، ومُسْلِمٌ (24). وعن ثابتِ بنِ الصَّامِتِ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صلَّى في بَنِى عبدِ الأشْهَلِ، وعليهِ كسَاءٌ مُلْتَفٌّ بهِ يَضَعُ يَدْيهِ عليه، يَقِيهِ بَرْدَ الْحَصَى. وفِي رِوَايَةٍ: فَرأيْتُه واضِعًا يدَيْهِ على قَرْنِه إذا سجد. رواهُ ابن ماجَه (25). ورُوِىَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه سجد على كُورِ العِمَامَةِ، وهو ضعيفٌ (26) وقال الحسنُ: كانَ القومُ يسجُدونَ على العِمَامةِ والقَلَنْسُوَةِ، ويَدُه في كُمِّهِ. ولأنَّه عُضْوٌ مِن أعْضاءِ السُّجودِ، فجَازَ السجودُ على حائِلِه، كالقدَمَيْنِ. فأمَّا حديثُ خَبَّابٍ فالظَّاهرُ أنَّهم طَلَبُوا منهُ تأْخِيرَ الصَّلاةِ، أو تَسْقِيفَ المسجِدِ، أو نحوَ ذلك، ممَّا يُزِيلُ عنهم ضررَ الرَّمْضَاءِ في جِباهِهم وأكُفِّهم، أما الرُّخْصةُ في السُّجودِ على كُورِ العِمَامَةِ، فالظَّاهِرُ أنَّهم لم يَطْلُبُوه؛ لأنَّ ذلكَ إنَّما طَلَبَه الفُقراءُ، ولم يَكُنْ لهم عَمَائِمُ، ولا أكْمامٌ طِوَالٌ يَتَّقُونَ بها الرَّمْضَاءَ، فكيف يَطْلُبُون منه الرُّخْصَةَ فيها؟ ولو احْتَمَلَ ذلك، لكنَّه لا يتَعَيَّنُ، فلمَ يُحْمَلُ عليه دون غيرِه؟ . ولذلِكَ لم يَعْمَلُوا به في الأكُفِّ. قال أبو إسْحاقَ: المَنْصُوصُ عن الشَّافعىِّ أنَّه لا يَجِبُ كَشْفُهما. قال: وقد قِيل فيه قولٌ آخَرُ، إنَّه يجبُ. وإنْ سجدَ على يدَيْهِ لم يَصِحَّ، روَايَةً واحِدَةً؛ لأنَّه سجد على عُضْوٍ مِن أعضاءِ السُّجودِ، فالسُّجودُ يُؤَدِّى إلى تَدَاخُلِ السُّجودِ، بِخِلَافِ مسألتِنَا. وقال القاضي في "الجامِعِ": لم أجدْ عن أحمدَ نصًّا فِي هذه المسألَةِ، ويجبُ أنْ تكونَ مَبْنِيَّةً على السُّجودِ على غيرِ الجَبْهَةِ. هل هو واجبٌ؟ على روايَتَينِ؛ إنْ قُلْنَا: لا
(24) أخرجه البخاري، في: باب السجود على الثوب في شدة الحر، وباب الصلاة على الفراش، وصلى أنس على فراشه، من كتاب الصلاة، وفى: باب وقت الظهر بعد الزوال، من كتاب المواقيت. صحيح البخاري 1/ 107، 108، 143. ومسلم، في. باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر، من كتاب المساجد. صحيح مسلم 1/ 433. كما أخرجه الترمذي، في: باب ما ذكر من الرخصة في السجود على الثوب في الحر والبرد، من أبواب الجمعة. عارضة الأحوذى 3/ 67. والنسائي، في: باب السجود على الثياب، من كتاب التطبيق. المجتبى 1/ 171. وابن ماجه، في: باب السجود على الثياب في الحر والبرد، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 329. والدارمى، في: باب الرخصة في السجود على الثوب في الحر والبرد. سنن الدارمي 1/ 308.
(25)
في: باب السجود على الثياب والحر والبرد، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 329.
(26)
أورده الهيثمي في: المجمع 2/ 125، من حديث عبد اللَّه بن أبي أوفى.
يجبُ. جازَ، كما لو سجَد على العِمَامةِ. وإن قُلْنا: يَجِبُ، لم يَجُزْ؛ لئَلَّا يَتَدَاخَلَ مَحَلُّ السُّجودِ بعضُه في بعضٍ. والمُسْتَحَبُّ مَبَاشَرَةُ المُصَلِّى بِالجَبْهَةِ وَاليَدَيْنِ لِيَخْرُجَ مِنَ الخِلَافِ، ويأخذَ بِالعَزِيمَةِ. قالَ أحمدُ: لا يُعْجِبُنِى إلَّا في الحَرِّ والبَرْدِ. وكذلك قال إسحاقُ، وكان ابْنُ عمرَ يَكْرَهُ السُّجودَ على كُورِ العمامةِ، وكانَ عُبادةُ (27) بنُ الصامتِ يَحْسِرُ عمامتَهُ إذا قَامَ إلى الصلاةِ، وقال النَّخَعِىُّ: أسْجُدُ على جَبِينِى أحَبُّ إلىَّ.
162 -
مسألة؛ قال: (ويَكُونُ (1) في سُجُودِهِ مُعْتَدِلًا)
قالَ التِّرمِذِىُّ (2): أهلُ العِلْمِ يَخْتَارُونَ الاعْتِدَالَ في السُّجودِ، وَرُوِىَ عن جابرٍ أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذَا سَجَدَ أحَدُكُمْ فَلْيَعْتَدِلْ، وَلَا يَفْتَرِشْ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ الكَلْبِ". وقال: هو حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وعن أنَسٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم (3) أنه قالَ: "اعْتَدِلُوا في السُّجُودِ وَلَا يَسْجُدْ أَحَدُكُمْ وَهُوَ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ كَالكَلْبِ"(4). وهذا هو الافْتِرَاشُ المَنْهِىُّ عنه في الحديثِ، وهو أنْ يضعَ ذِراعيه
(27) في الأصل: "عبد اللَّه". وفعل ابن عمر وعبادة بن الصامت أخرجه البيهقي، في: باب الكشف عن الجبهة في السجود، من كتاب الصلاة. السنن الكبرى 2/ 105.
(1)
في م: "ويكره" تحريف.
(2)
في: باب ما جاء في الاعتدال في السجود، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 75. كما أخرجه ابن ماجه، في: باب الاعتدال في السجود، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 288. والإِمام أحمد، في: المسند 3/ 305، 315، 389.
(3)
بعد هذا في م زيادة: "نحوه رواه أبو داود، وفى لفظ عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم". وهو تكرار. وانظر التخريج التالى.
(4)
أخرجه البخاري، في: باب المصلى يناجى ربه عز وجل، من كتاب المواقيت، وفى: باب لا يفترش ذراعيه في السجود، من كتاب الأذان. صحيح البخاري 1/ 141، 208. ومسلم، في: باب الاعتدال في السجود، ووضع الكفين على الأرض. . . إلخ، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 355. وأبو داود، في: باب صفة السجود، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 206. والترمذي، في: باب ما جاء في الاعتدال في السجود، من كتاب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 75. والنسائي، في: باب الاعتدال في الركوع، من كتاب افتتاح الصلاة، وفى: باب النهى عن بسط الذراعين في السجود، وباب الاعتدال في السجود، من كتاب التطبيق. المجتبى 2/ 143، 167، 169. وابن ماجه، في: باب الاعتدال في =