الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثانية، تَصِحُّ؛ لأنَّه مَعْذُورٌ.
فصل:
وذَكَرَ بعضُ أصحابِنا مع هذه المَوَاضِع المَزْبَلَةَ، والمَجْزَرَةَ، ومَحَجَّةَ الطَّرِيقِ، وظَهْرَ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، والمَوْضِعَ المَغْصُوبَ؛ لما رَوَى ابنُ عمرَ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال:"سَبْعُ مَوَاطِنَ لَا تَجُوزُ فِيَها الصَّلاةُ؛ ظَهْرُ بَيْتِ اللهِ، والمَقْبَرَةُ، والمَزْبَلَةُ، والمَجْزَرَةُ، والحَمَّامُ، وعَطَنُ الإِبِلِ، ومَحَجَّةُ الطَّرِيقِ" رَواهُ ابنُ مَاجَه (8). وعن ابْنِ عمرَ، قال: نَهىَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يُصَلَّى في سَبْعِ مَوَاطِنَ. وذَكَرَها، وقال: وقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، ومَعَاطِنِ الإِبِلِ، وفَوْقَ الكَعْبَةِ (8). وقال: الحُكْمُ في هذه المَوَاضِعِ السَّبْعَةِ كالحُكْمِ في الأرْبعةِ سَوَاء. ولأنَّ هذه المَوَاضِعَ مَظِنَّةُ النَّجَاسَاتِ، فَعُلِّقَ الحُكْمُ عليها دُونَ حَقِيقَتِها، كما يَثْبُتُ حُكْمُ نَقْضِ الطَّهَارَةِ بالنَّوْمِ، ووُجُوبِ الغُسْلِ بالْتِقاءِ الخِتَانينِ.
فصل: قال القاضي: المَنْعُ من هذه المَوَاضِعِ تَعَبُّدٌ (9)، لا لِعِلَّةٍ مَعْقُولَةٍ، فعلى هذا يَتَنَاوَلُ النَّهْىُ كُلَّ ما وَقَعَ عليه الاسْمُ، فلا فَرْقَ في المَقْبَرَةِ بين القَدِيمَةِ والحَدِيثَةِ، وما تَقَلَّبَتْ أتْرِبَتُها أو لم تَتَقَلَّبْ؛ لِتَنَاوُلِ الاسْمِ لها، فإنْ كان في المَوْضِعِ قَبْرٌ أو قَبْرانِ، لم يَمْنَعْ من الصَّلاةِ فيها. لأنَّها لا يَتَنَاوَلُها اسْمُ المَقْبَرَةِ. وإن نُقِلَت القُبُورُ منها، جازتِ الصَّلاةُ فيها؛ لأنَّ مَسْجِدَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانت فيه قُبُورُ المُشْركِينَ، فنُبِشَتْ. مُتَّفَقٌ عليه (10). ولا فرقَ في الحَمَّامِ بين مكانِ الغَسْلِ وصَبِّ الماءِ، وبين بَيْتِ المَسْلَخِ
(8) في: باب المواضع التي تكره فيها الصلاة، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 246. كما أخرجهما الترمذي، في: باب ما جاء في كراهية ما يصلى إليه وفيه، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 144.
(9)
في م: "تعبدى".
(10)
أخرجه البخاري، في: باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد، من كتاب الصلاة، وفى: باب حرم المدينة، من كتاب فضائل المدينة، وفى: باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة، من كتاب مناقب الأنصار. صحيح البخاري 1/ 117، 3/ 25، 26، 5/ 86، 87. ومسلم، في: باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، من كتاب المساجد. صحيح مسلم 1/ 373، 374. كما أخرجه أبو داود، في: باب في بناء المساجد، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 107. والنسائي، في: باب نبش القبور واتخاذ أرضها مساجد، من كتاب المساجد. المجتبى 2/ 32. والإِمام أحمد، في: المسند 3/ 123، 212، 244.
الذي يُنْزَعُ فيه الثِّيابُ والأتُونِ وكلِّ ما يُغْلَقُ عليه بابُ الحَمَّامِ؛ لتَناوُلِ الاسْمِ له. وأمَّا المَعَاطِنُ، فقالَ أحمدُ: هي التي تُقِيمُ فيها الإِبِلُ وتَأْوِى إليها. وقيل: هي المَوَاضِعُ التي تُنَاخُ فيها إذا وَرَدتْ. والأوَّلُ أجْوَدُ؛ لأنَّه [جعَلَه في](11) مُقَابِلَةِ مُرَاحِ الغَنَمِ. والحُشُّ: المَكَانُ الذي يُتَّخَذُ للغَائِطِ والبَوْلِ. فَيُمْنَعُ من الصَّلاةِ فيما هو دَاخِلُ بَابِه. ولا أعْلَمُ في مَنْعِ الصَّلاةِ فيه نَصًّا (12)، إلَّا أنَّه قد مُنِعَ من ذِكْرِ اللهِ تعالى فيه والكلام، فمَنْعُ الصَّلاةِ فيه أوْلَى، ولأنه إذا مُنِعَ الصَّلاةُ في هذه المَوَاضِعِ لِكَوْنها مَظَانَّ لِلنَّجَاسَاتِ، فهذا أوْلَى؛ فإنَّه بُنِىَ لها. ويَحْتَمِلُ أنَّ المَنْعَ في هذه المَوَاضِع مُعَلَّلٌ بأنَّها مَظَانُّ لِلنَّجاساتِ، فإنَّ المَقْبَرَةَ تُنْبَشُ ويَظْهَرُ التُّرَابُ الذي فيه صَدِيدُ المَوْتَى وَدِمَاؤُهم ولُحُومُهم، ومَعَاطِنُ الإِبِلِ يُبَالُ فِيها، فإنَّ البَعِيرَ البَارِكَ كالجِدَارِ يُمْكِنُ أن يَسْتَتِرَ به ويَبُول، كما رُوِىَ عن ابْنِ عمرَ، أنه أنَاخَ بَعِيرَه مُسْتَقْبِلَ القِبْلَة، ثم جَلَسَ يَبُولُ إليه. ولا يتَحَقَّقُ هذا في حَيَوانٍ سِوَاها؛ لأنَّه في حالِ رَبضْهِ (13) لا يَسْتُرُ، وفي حالِ قِيَامِه لا يَثْبُتُ ولا يَسْتُرُ. والحَمَّامُ مَوْضِعُ الأوْساخِ والبَوْلِ، فَنُهِى عن الصَّلاةِ فيها لذلك. وتَعَلَّقَ الحُكْمُ بها وإن كانت طَاهِرَةً؛ لأن المَظِنَّةَ يَتَعَلَّقُ الحُكْمُ بها وإن خَفيَت الحِكْمَةُ فيها، ومتَى أمْكَنَ تَعْلِيلُ الحُكْمِ تَعَيَّنَ تَعْلِيلُه، وكان أوْلَى من قَهْرِ التَّعَبُّدِ ومَرَارَةِ التَّحَكُّمِ، ويَدُلّ عَلَى صِحَّةِ هذا تَعْدِيَةُ الحُكْمِ إلى الحُشِّ المَسْكُوت عنه، بالتَّنْبِيهِ [ولا بُدَّ في التَّنْبِيهِ](14) من وُجُودِ مَعْنَى المَنْطُوقِ فيه، وإلَّا لم يَكُنْ ذلك تَنْبِيهًا، فعلى هذا يُمْكِنُ قَصْرُ الحُكْمِ على ما هو مَظِنَّةٌ منها، فلا يَثْبُتُ حُكْمُ المَنْعِ في مَوْضِع المَسْلَخِ من الحَمَّامِ، ولا في سَطْحِه (15)، لِعَدَمِ المَظِنَّة فيه، وكذلك ما أشْبَهَهُ. واللهُ أعلمُ.
(11) في م: "جعلها".
(12)
سقط من: م.
(13)
يقال: ربضت الدواب، وبركت الإِبل.
(14)
سقط من: م.
(15)
فى م: "وسطه".