الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ اسْتِقْبَالِ القِبْلَةِ
اسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ شَرْطٌ في صِحَّةِ الصَّلَاةِ إلَّا في الحَالَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْخِرَقِيُّ، رحمه الله. والأصْلُ في ذلك قَوْلُ اللهِ تَعَالَى:{وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (31). يَعْنِى نحوهُ، كما أَنْشَدُوا (32):
ألَا مَنْ مُبْلِغٌ عَنَّا رَسُولًا
…
ومَا تُغْنِى الرِّسَالَةُ شَطْرَ عَمْرِو (33)
أىْ نحوَ عَمْرٍو. وتقولُ العربُ: هؤلاء القومُ يُشَاطِرُونَنا. إذا كانتْ بُيُوتُهم تُقَابِلُ بُيُوتَهم. وقال عليٌّ، رَضِىَ اللهُ عَنْهُ: شَطْرَهُ قِبَلَهُ. وروى عن الْبَرَاءِ قالَ: قَدِمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فصَلَّى نحوَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثم إنَّهُ وُجِّهَ إلى الكَعْبَةِ فمَرَّ رَجُلٌ، وكان (34) يُصَلِّى مع النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، على قومٍ، مِنَ الأَنْصَارِ، فقال: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ وُجِّهَ إلى الكَعْبَةِ. فانْحَرَفُوا إلى الكَعْبَةِ. أخْرَجَهُ النَّسَائِىُّ (35).
131 - مسألة؛ قال أبو القاسِم: (وإذَا اشْتَدَّ الخَوْفُ وَهُوَ مَطْلُوبٌ، ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ إلَى القِبْلَةِ، وصَلَّى إلَى غَيْرِهَا رَاجِلًا وَرَاكِبًا، يُومِىءُ إيمَاءًا عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ، ويَجْعَلُ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ)
وجُمْلَةُ ذلك أنَّهُ إذا اشْتَدَّ الخَوْفُ، بِحَيْثُ لا يَتَمَكَّنُ مِنَ الصلاةِ إلى القِبْلَةِ،
(31) سورة البقرة 144.
(32)
البيت غير منسوب في تفسير القرطبي 2/ 159.
(33)
في تفسير القرطبي: "عمرا رسولا".
(34)
في الأصل: "كان يصلى". وفى سنن النسائي: "قد كان صلى".
(35)
في: باب في القبلة، من كتاب الصلاة، وفى باب استقبال القبلة، من كتاب القبلة. المجتبى 1/ 196، 2/ 47. كما أخرجه البخاري، في: باب التوجه نحو القبلة حيث كان، من كتاب الصلاة، وفى: باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق. . . إلخ، من كتاب الآحاد. صحيح البخاري 1/ 110، 9/ 108. ومسلم، في: باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة، من كتاب المساجد. صحيح مسلم 1/ 374. والترمذي، في: باب حدثنا هناد حدثنا وكيع عن إسرائيل، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى 11/ 85. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 304.
أو احْتاجَ إلى المَشْىِ، أو عَجَزَ عن بَعْضِ أَرْكَانِ الصلاةِ؛ إمَّا لِهَرَبٍ مُبَاحٍ مِن عَدُوٍّ، أو سَيْلٍ، أوْ سَبُعٍ، أو حَرِيقٍ، أو نحوِ ذلك، مِمَّا لَا يُمْكِنُه التَّخَلُّص مِنْهُ إلَّا بالهَرَبِ، أو المُسَايَفَةِ، أو الْتِحامِ (1) الحَرْبِ، والحاجَةِ إلى الكَرِّ والفَرِّ والطَّعْنِ والضَّرْبِ والمُطَارَدَةِ، فلهُ أنْ يُصَلِّىَ على حَسَبِ حالِه، رَاجِلًا وراكِبًا إلى القِبْلَة، إنْ أَمْكَنَ، أو إلى غيرِها إنْ لم يُمْكِنْ. وإذا عَجَزَ عَنِ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ، أوْمَأ بهِما، ويَنْحَنِى إلى السُّجُودِ أَكْثَرَ مِنَ الرُّكُوعِ على قَدْرِ طاقَتِهِ، وإنْ عَجَزَ عن الإِيمَاءِ، سَقَطَ، وإنْ عَجَزَ عن القِيَامِ أوِ القُعُودِ أوْ غيْرِهِمَا، سَقَطَ، وإنِ احْتَاجَ إلى الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ والكَرِّ وَالفرِّ، فَعَلَ ذلك. ولا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عن وقتِها؛ لقَوْلِ اللهِ تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (2). ورَوَى مالكٌ، عن نَافِعٍ، عن ابنِ عمرَ، قال: فإنْ كَانَ خَوْفًا هو أشَدُّ من ذلك صَلَّوا رِجَالًا، قيَامًا على أقْدَامِهِمْ، أو رُكْبَانًا، مُسْتَقْبِلِى القبْلَةَ وغيرَ مُسْتَقْبِلِيهَا (3). قال نَافِعٌ: لا أرَى ابنَ عمرَ حَدَّثَه إلَّا عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وإذا أمكن افْتِتَاحُ الصلاةِ إلى القِبْلَةِ، فهل يَجِبُ ذلك؟ قال أبو بكر: فِيهِ رِوايَتان: إحْدَاهما، لا يَجِبُ؛ لأنَّه جُزْءٌ مِنْ أجزاءِ الصلاةِ، فلم يَجِب الاسْتِقْبَالُ فيه، كبَقِيَّةِ أَجْزَائِها. قال: وبه أقُولُ. والثَّانِيَةُ، يَجِبُ؛ لِمَا رَوَى أَنَسُ بنُ مالكٍ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في السَّفَرِ، فأرادَ أنْ يُصَلِّىَ عك رَاحِلَتِه، اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، ثم كَبَّرَ، ثم صَلَّى حيثُ تَوَجَّهَتْ (4) بِهِ. رواهُ الدَّارَقُطْنِىُّ (5). ولأنَّه أمْكنَه ابْتِدَاءُ الصلاةِ مُسْتَقْبِلًا فلم يَجُزْ بِدُونِه، كما لو أمْكَنَهُ ذلك في ركعَةٍ كَامِلَةٍ. وتمامُ شرحِ هذه الصلاة نَذْكُرُهُ في باب صلاةِ الخَوْفِ، إن شاءَ اللهُ.
(1) في الأصل: "والتحام".
(2)
سورة البقرة 239.
(3)
أخرجه البخاري، في: باب {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} ، من كتاب التفسير. صحيح البخاري 6/ 38. والإمام مالك، في: باب صلاة الخوف، من كتاب صلاة الخوف. الموطأ 1/ 184. والبيهقي، في: باب كيفية صلاة شدة الخوف، من كتاب صلاة الخوف. السنن الكبرى 3/ 256.
(4)
في سنن الدارقطني: "وجهت".
(5)
في: باب صفة صلاة التطوع في السفر واستقبال القبلة عند الصلاة على الدابة، من كتاب الصلاة. سنن الدارقطني 1/ 396.
132 -
مسألة؛ قال: (وسَوَاء كانَ مَطْلْوبًا أوْ طَالِبًا يَخْشَى فَوَاتَ العَدُوِّ، وعَنْ أبِى عَبْدِ اللهِ، رحمه الله رِوَايَةٌ أُخْرَى: أنَّهُ إذَا (1) كَانَ طَالِبًا، فَلَا يُجْزِئُه أنْ يُصَلِّىَ إلَّا صَلَاة آمِنٍ)
اخْتَلَفَت الرِّوَايَة عن أبِى عبدِ اللَّه، رحمه الله، في طالِب العَدُوِّ الذي يَخافُ فَوَاتَه، فَرُوِىَ أنَّه يُصَلِّى على حَسَبِ حَالِه، كالمَطْلُوبِ سَوَاءً، رُوِىَ ذلك عن شُرَحْبِيلِ ابن حَسنَةَ (2). وهو قولُ الأوْزَاعِيِّ. وعن أحمدَ، أَنَّه لا يُصَلِّى إلَّا صلاةَ آمِنٍ. وهو قولُ أكثرِ أهْلِ العِلْمِ؛ لأنَّ اللهَ تَعَالَى قال:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} . فشَرَطَ الخَوْفَ، وهذا غيرُ خَائِفٍ. ولأنَّهُ آمِنٌ فَلَزِمَتْهُ صلاةُ الأمْنِ، كما لو لم يَخْشَ فَوْتَهم. وهذا الخِلَافُ فِيمَنْ يَأْمَنُ رُجُوعَهم عليه إنْ تشَاغَلَ بِالصلاةِ، ويَأْمَنُ على أصحابِه، فأمَّا الخَائِفُ مِنْ ذلك فحُكْمُهُ حُكْمُ المَطْلُوبِ. ولَنا، ما رَوَى أبو داود، في "سُنَنِهِ"(3) بإسْنَادِهِ، عن عبد اللهِ بنِ أُنَيْس، قالَ: بَعَثَنِى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن سفيان الهُذَلِىّ، وكان نحوَ عَرَفَةَ أو عَرَفَات، قال:"اذْهَبْ فاقْتُلْهُ". فرَأَيْتُه، وحَضَرَتْ صلاةُ العصر، فَقُلْتُ: إنِّي لأَخافُ أنْ يَكُونَ بَيْنِى وبينَهُ مَا يُؤَخِّرُ الصلاةَ، فانْطَلَقْتُ أَمْشِى، وأنا أُصَلِّى أُومِىءُ إيمَاءً نحوَهُ، فلمَّا دَنَوْتُ منهُ، قالَ لي: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: رجلٌ مِن العربِ، بَلَغَنِى أنَّك تَجْمَعُ لهذَا الرَّجُلِ، فَجِئْتُكَ لذلك، قال: إنِّي لَعَلَى ذلك. فَمَشَيْتُ معهُ ساعَةً، حتَّى إذا أَمْكَننِى عَلَوْتُهُ بِسَيْفِى حَتَّى بَرَدَ. وظَاهِرُ حَالِه أنَّهُ أَخْبَرَ بذلك النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، أو كان قد عَلِمَ جَوَازَ ذلك مِنْ قَبْلِه، فإنَّه لَا يُظَنُّ بِهِ أنْ (4) يَفْعَل مِثْلَ ذلك مُخْطِئًا، وهو رسولُ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم لا يُخْبِرَه به،
(1) في م: "إن".
(2)
أبو عبد اللَّه شرحبيل بن عبد اللَّه بن المطاع الكندي، وحسنة أمه، أو تبَنَّتْه، كان ممن سيَّره أبو بكر في فتوح الشام، وولاه عمر على ربع من أرباع الشام، وتوفي في طاعون عمواس، وهو ابن سبع وستين سنة. الإصابة 3/ 328، 329.
(3)
في: باب صلاة الطالب، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 287. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 3/ 496.
(4)
في م: "أنه".