الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحدُها، أنْ يخافَ الانْقطاعَ عن الرُّفْقة، والعَجْزَ عن الرَّكوبِ، وزيادةَ المرض، أو نحوَ هذا، فيُصلِّى على الرَّاحلةِ، كا ذكرْنا في صلاة الخَوْفِ. الثاني، أنْ لا يتضرَّر بالنُّزولِ، ولا يشُقَّ عليه، فلَزِمَه النُّزولُ لصلاةِ الفَرْضِ، كالصَّحيح. الثالث، أن يشُقَّ عليه النُّزولُ مَشَقَّةً يُمْكِنُ تَحمُّلُها من غير خوفِ تلفٍ، ولا زيادةِ مرضٍ، ففيه روايتان؛ إحداهما، لا تجوزُ له الصلاةُ على الرَّاحلةِ؛ لأنَّ ابنَ عمر كان يُنْزِلُ مَرْضاه، احْتَجَّ به أحمدُ، ولأنَّه قادرٌ على القيامِ والرُّكوعِ والسُّجودِ مِن غيرِ ضَرَرٍ كبير، فلَزِمَه كغيرِ الرَّاكبِ. والثانية، يجوزُ له الصلاةُ على راحلتِه. اخْتارها أبو بكر؛ لأنَّ المَشقَّةَ عليه في نُزولهِ أكبرُ مِن المشقَّةِ في النُّزولِ في المطر، فإباحةُ الصلاةِ على الرَّاحلةِ في المطر مَبْنِيَّةٌ على إباحتِها في المرض، ومَن قال بالأُولَى قال: نُزولُ المريض يؤثِّر في حُصولِه على الأرض، وهو أسْكَنُ له وأمْكَنُ، والمَمْطورُ يتلوَّثُ بنُزولهِ، ويتضرَّرُ بحُصولِه على الأرض، ومَضَرَّةُ المريضِ في نَفْسِ النُّزولِ، لا في الحُصولِ على الأرض، ومَضَرَّةُ الممطورِ في حُصولِه على الأرضِ دون نفسِ النُّزول، فقد اختلفتْ جِهَةُ المَشَقَّةِ والضَّرر، فلا يصحُّ الإِلْحاقُ.
197 - مسألة؛ قال: (وَإِذَا انْكَشَف مِنَ الْمَرْأَةِ الحُرَّةِ شَىْءٌ سِوَى وَجْهِهَا، أَعَادَتِ الصَّلَاةَ)
لا يخْتلفُ المذهبُ في أنَّه يجوزُ للمرأةِ كشفُ وجهِها في الصلاةِ، [ولا نَعْلمُ فيه خلافًا بين أهل العلم](1). [وأنَّه ليس لها كشفُ ما عدا وجهِها وكفَّيْها](2)، وفى الكفَّيْن
= الصلاة على الأرض، والمشقة على الممطور في الصلاة على الأرض، لا في النزول. ومع هذا الاختلاف لا يصح الإِلحاق، فإن خاف المريض من النزول ضررا غير محتمل، كالانقطاع عن الرفقة، أو العجز عن الركوب، أو زيادة المرض، ونحر هذا، صلى على الراحلة كما ذكرنا في صلاة الخوف".
(1)
سقط من: م.
(2)
سقط من: الأصل.
والنص بعد هذا مختلف في م، وجاء فيها: "وفى الكفين روايتان. واختلف أهل العلم؛ فأجمع أكثرهم أن لها أن تصلى مكشوفة الوجه، وأجمع أهل العلم على أن للمرأة الحرة أن تخمر رأسها إذا صلت، وعلى أنها إذا =
روايتان؛ (3) إحْدَاهما، يجوزُ كشْفُهما. وهو قولُ مالكٍ والشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ ابنَ عبَّاسٍ قال، في قولهِ تعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (4) قال: الوَجْهُ
= صلت وجميع رأسها مكشوف أن عليها الإِعادة. وقال أبو حنيفة: القدمان ليس من العورة؛ لأنهما يظهران غالبا، فهما كالوجه، وإن انكشف من المرأة أقل من ربع شعرها أو ربع فخذها أو ربع بطنها لم تبطل صلاتها. وقال مالك، والأوزاعى، والشافعي: جميع المرأة عورة إلا وجهها وكفيها، وما سوى ذلك يجب ستره في الصلاة؛ لأن ابن عباس قال في قوله تعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، قال: الوجه والكفين. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المحرمة عن لبس القفازين والنقاب. ولو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما، ولأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء، والكفين للأخذ والإعطاء. وقال بعض أصحابنا: المرأة كلها عورة؛ لأنه قد روى في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "المرأة عورة". رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. ولكن رخص لها في كشف وجهها وكفيها؛ لما في تغطيته من المشقة، وأبيح النظر إليه لأجل الخطبة؛ لأنه مجمع المحاسن. وهذا قول أبي بكر الحارث بن هشام، قال: المرأة كلها عورة حتى ظفرها. والدليل على وجوب تغطية القدمين ما روت أم سلمة، قالت: قلت، يا رسول اللَّه، أتصلى المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار؟ قال:"نعم، إذا كان سابغا يغطى ظهور قدميها". رواه أبو داود، وقال: وقفه جماعة على أم سلمة، ووقفه عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن دينار. وروى ابن عمر، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"لا ينظر اللَّه إلى من جر ذيله خيلاء". فقالت أم سلمة: كيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: "يرخين شبرا". فقالت: إذن تنكشف أقدامهن. قال: "فيرخينه ذراعا، لا يزدن عليه". رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وهذا يدل على وجوب تغطية القدمين، ولأنه محل لا يجب كشفه في الإحرام؛ فلم يجب كشفه في الصلاة، كالساقين. وما ذكروه من تقدير البطلان بزيادة على ربع العضو فتحكُّم لا دليل عليه، والتقدير لا يصار إليه بمجرد الرأى، وقد ثبت وجوب تغطية الرأس بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يقبل اللَّه صلاة حائض إلا بخمار" أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن. وبالإِجماع على ما قدمناه. فأما الكفان فقد ذكرنا فيهما روايتين: إحداهما، لا يجب سترهما؛ لما ذكرنا. والثانية، يجب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"المرأة عورة". وهذا عام إلا ما خصه الدليل. وقول ابن عباس: الوجه والكفان. قد روى أبو حفص عن عبد اللَّه بن مسعود خلافه، قال:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} . قال: الثياب. ولا يجب كشف الكفين في الإحرام، إنما يحرم أن تلبس فيهما شيئا مصنوعا على قدرهما، كما يحرم على الرجل لبس السراويل، والذي يستر به عورته".
وحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المحرمة من لبس القفازين والنقاب، أخرجه أبو داود، في: باب ما يلبس المحرم، من كتاب المناسك. سنن أبي داود 1/ 424. والترمذي، في: باب ما جاء فيما يجوز للمحرم لبسه، من أبواب الحج. عارضة الأحوذى 4/ 55. والنسائي، في: باب النهى عن أن تنتقب المرأة الحرام، وباب النهى عن أن تلبس المحرمة القفازين، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 101، 102، 104. والإِمام مالك، في: باب تخمير المحرم وجهه، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 328. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 22، 32، 119.
(3)
من هنا رواية الأصل إلى نهاية الفصل.
(4)
سورة النور 31.
والكفَّيْن. ولأنه يحرُم على المُحْرِمةِ سَتْرُهما بالقُفَّازَيْن، كما يحرُم عليها سَتْرُ وجهِها بالنِّقاب، فلم يكونا من العَوْرةِ، كالوَجْه، ولأنَّ العادةَ ظُهورُهما وكشْفُهما، والحاجةُ تدعُو إلى كشْفِهما للأخْذِ والعطاء، كما تدعَو إلى كشْفِ الوجهِ، للبَيْع والشِّراء، فلم يحْرُم كشْفُهما في الصلاةِ، كالوجْهِ. والثانية، هما من العَوْرة، ويجبُ سترُهما في الصلاة. وهذا قَوْلُ الخِرَقِىِّ، ونحوَه قال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (5)، فإنَّه قال: المرأةُ كلُّها عَوْرةٌ حتى ظُفْرُها؛ لأنَّه رُوِىَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ". روَاه التِّرمِذِىّ (6)، وقال: حديثٌ حسَن صَحيحٌ. وهذا عامٌّ يقْتضى وُجوبَ سَتْرِ جميع بَدَنِها [و] تَرْكُ الوَجْهِ للحاجةِ، ففيما عَداه يَبْقَى على الدَّليلِ. وقولُ ابنِ عبَّاسٍ قد خالَفَه ابنُ مسعود، فإنَّه قال في قولهِ سبحانه:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} . قال: الثِّياب. وظُهورُ ما لم تَجْرِ العادةُ به كظُهورِ الوَجْهِ، ولأنَّ الحاجةَ إلى كشْفِهما كالحاجةِ إلى كشْفه، فلا يصحُّ قياسُهما عليه، ثم يبْطُل ما ذكَرُوه بالقدَمَيْن، فإنَّهما يظْهران عادةً، كَظُهورِ الكفَّيْن، وسَتْرُهما واجبٌ، وهما أشْبَهُ بهما من الوَجْهِ، فإلْحاقُهما بهما أوْلَى، وأمَّا سائرُ بَدَنِ المرأةِ الحُرَّةِ فيجبُ سَتْرُه في الصلاةِ، وإن انْكشَف عنه شيءٌ، لم تَصِحَّ صلاتُها، إلَّا أن يكونَ يسيرًا. وبهذا قال مالك، والأوْزاعِىُّ، والشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: القَدَمان ليس من العَوْرةِ؛ لأنَّهما يظْهران غالبًا، فهما كالكفَّيْن، ولأنَّهما يُغْسلان في الوضوء، فلم يكونا من العَوْرة، كالوَجْه والكفَّيْن. وإن انكَشَف مِن المرأةِ أقلُّ مِن رُبْع شَعْرِها أو رُبْع فَخِذِها
(5) أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومى، من فقهاء التابعين بالمدينة، وأحد الفقهاء السبعة، وكان يقال له: راهب قريش، توفى سنة أربع وتسعين. طبقات الفقهاء، للشيرازي 59، تهذيب التهذيب 12/ 30 - 32.
(6)
في: باب حدثنا محمد بن بشار، من أبواب الرضاع. عارضة الأحوذى 5/ 122.
أو رُبْع بَطْنِها لم تَبْطُل صلاتُها (7). ولَنا، ما روَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، قالتْ: قلتُ، يا رسولَ اللهِ، أتُصلِّي المرأةُ في دِرْعٍ وخِمارٍ، ليس عليها إزارٌ؟ فقال:"نَعَمْ، إذَا كَانَ سَابِغًا يُغَطِّى ظُهُورَ قَدَمَيْهَا". رواه أبو داوُد (8)، وقال: وقَفَه (9) جَماعةٌ على أُمِّ سَلَمة. [ورفَعَه عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن دينار](10). ورَوى ابنُ عمر، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:"لَا يَنْظُرُ اللهُ إلى من جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ". فقالتْ أُمُّ سَلَمةَ: فكيف تَصْنَعُ النِّساءُ بذُيولهنَّ؟ قال: "يُرْخِينَ شِبْرًا"، فقالت: إذن تنكشفُ أقدامُهنَّ. قال: "فيرْخِينَهُ ذِرَاعًا، لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ". روَاه التِّرمِذِىُّ (11)، وقال: حديثٌ حسَن صحيح. وهذا يدُلُّ على وُجوبِ تغْطيةِ القدمَيْن، ولأنَّه مَحَلٌّ لا يجبُ كشْفُه في الإِحْرام، فلم يُجزْ كشْفُه في الصلاة، كالسَّاقَيْن، ولأنَّ الخَبَرَ المَرْوِيَّ في أنَّ المرأةَ عورةٌ بالإِجْماع، فإنَّ أهلَ العلمِ أجْمعُوا على أنَّ للمرأةَ الحُرَّةَ أنْ تُغطِّىَ رأْسَها في الصَّلاةِ، وعلى أنَّها إذا صَلَّتْ وجميعُ رأْسِها مَكشُوفٌ أنَّ عليها الإِعادةُ، والتَّقديرُ بالرُّبعِ تحكُّمٌ لا دليلَ عليه، والتقديرُ لا يجوزُ بمُجَرَّدِ الرَّأْىِ والتَّحَكُّم، وقد ثبت وُجوبُ سَتْرِ الرَّأْسِ بقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ
(7) في الأصل بعد هذا زيادة: "لان يستر". ولا موضع لها.
(8)
في: باب كم تصلى المرأة، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 149.
(9)
عبارة أبي داود: "قصروا به على أم سلمة"، أي جعلوه قولها لا قول النبي صلى الله عليه وسلم.
(10)
ليس هذا في سنن أبي داود.
وعبد الرحمن هذا هو مولى ابن عمر، في حديثه ضعف. انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 6/ 206.
(11)
في: باب ما جاء في جر ذيول النساء، من أبواب اللباس. عارضة الأحوذى 7/ 238، 239. كما أخرجه أبو داود، في: باب في قدر الذيل، من كتاب اللباس. سنن أبي داود 2/ 385. والنسائي، في: باب ذيول النساء، من كتاب الزينة. المجتبى 8/ 184. وابن ماجه، في: باب ذيل المرأة كيف يكون، من كتاب اللباس. سنن ابن ماجه 2/ 1185. والدارمى، في: باب في ذيول النساء، من كتاب الاستئذان. سنن الدارمي 2/ 279. والإمام مالك، في: باب ما جاء في إسبال المرأة ثوبها، من كتاب اللباس. الموطأ 2/ 915. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 296، 309، 315. وانظر ما تقدم في صفحة 298.