الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقامَهم خلفَه صَفَّيْنِ، فسَجَدَ بالصَّفِّ الأوَّلِ، والصَّفُّ الثَّانى قائمٌ، حتَّى قامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلى الثانيةِ، فسجدَ الصَّفُّ الثَّانِى، ثم تَبِعَهُ (15). وكان ذلكَ جائِزًا للْعُذْرِ. فهذا مِثْلُه. وقال مالكٌ: إنْ أَدْرَكَهُم المَسْبُوقُ في أَوَّلِ سُجُودِهم سَجَدَ معهم، واعتدَّ بها. وإنْ عَلِمَ أنَّه لا يَقْدِرُ على الرُّكُوعِ، وأَدْرَكَهُمْ في السُّجودِ حتَّى يسْتَوُوا قِيَامًا، فَلْيَتْبَعْهم فيما بَقِىَ مِن صلاتِهم، ثم يَقْضِى ركعةً، ثم يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. ونحوَه قال الأوزاعِىُّ، ولم يَجْعَلْ عليه سَجْدَتَىِ السَّهْوِ. والأَوْلَى في هذا، واللهُ أعلمُ، ما كان على قِيَاسِ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في صلاةِ الخوفِ؛ فإِنَّ ما لا نَصَّ فيهِ يُرَدُّ إلى أَقْرَبِ الأشياءِ به مِن المَنْصُوصِ عليه. وإنْ فَعَلَ ذلكَ لِغيرِ عُذْرٍ بَطلَتْ صلاتُهُ؛ لأنَّه تَرَكَ الائْتِمَامَ بِإمَامِه عَمْدًا، واللهُ أعلمُ.
169 - مسألة؛ قال: (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا، ويَقُومُ عَلىَ صُدُورِ قَدمَيْهِ، مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ)
وجُمْلَتُهُ أنَّه إذا قَضَى سجدتَهُ الثانِيةَ نَهَضَ للقِيامَ مُكَبِّرًا، والقيَامُ رُكْنٌ، والتَّكْبِيرُ واجبٌ، في (1) إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
وَاخْتَلَفَتِ الروايَةُ عن أحمدَ: هل يَجْلِسُ للاسْتِرَاحَةِ؟ فَرُوِىَ عنهُ: لا يَجْلِسُ. وهو اخْتِيَارُ الْخِرَقِىِّ، ورُوِىَ ذلكَ عن عمرَ، وعلِيٍّ، وابْنِ مسعودٍ، وابْنِ عمرَ، وابْن عباسٍ، وبه يقولُ مالكٌ، والثَّوْرِىُّ، وإسحاقُ، وأصحابُ الرَّأْىِ. وقال أحمدُ: أكثرُ الأحادِيثِ على هذا. وَذُكِرَ عن عمرَ، وعليٍّ، وعبدِ اللهِ. وقال النُّعْمانُ بنُ أبي عيَّاشٍ (2): أَدرَكْتُ غيرَ واحدٍ مِنْ أصحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ ذلكَ. أىْ لا يَجْلِسُ. قال التِّرْمِذِىُّ: وعليهِ العَمَلُ عند أهلِ العِلْمِ. وقال أبو الزِّناد: تِلْكَ
(15) يأتى الحديث في صلاة الخوف، مسألة رقم 314.
(1)
سقط من: م.
(2)
أبو سلمة النعمان بن أبي عياش الزرقى الأنصاري المدنى، ثقة، كان شيخا كبيرا من أفاضل أبناء أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. تهذيب التهذيب 10/ 455.
السُّنَّةُ. والرِّوَايَةُ الثانيةُ: أنه يَجْلِسُ. اخْتَارَهَا الخَلَّالُ. وهو أحَدُ قولَىِ الشافعىِّ. قالَ الخَلَّالُ: رجَعَ أبو عبدِ اللهِ إلى هذا. يَعْنِى تَرَكَ قَوْلَه بِتَرْكِ الجُلُوس؛ لمَا رَوَى مالكُ بنُ الحُوَيْرِثِ، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَجْلِسُ إذا رَفَعَ رأسهُ مِن السجودِ قَبْلَ أنْ يَنْهَضَ. [رَواهُ البُخارِىّ](3). وذَكَرَهُ أَيضًا أبو حُمَيْدٍ في صفةِ صلاةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم (4)، وهو حديثٌ حسنٌ صَحِيحٌ، فَيَتَعَيَّنُ العَمَلُ به، والمصيرُ إليه.
وقيل: إنْ كانَ المُصَلِّى ضَعِيفًا جلسَ للاسْتِرَاحَةِ؛ لحَاجَتِهِ إلى الجُلُوسِ، وإنْ كان قوِيًّا لم يَجْلِسْ؛ لغِنَاهُ عنه، وحُمِلَ جُلوسُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم على أنَّه كان في آخرِ عُمْرِه، عند كِبَرِه وضَعْفِه، وهذا فيهِ جَمْعٌ بين الأخبارِ، وتَوَسُّطٌ بين القولَيْن.
فإذَا قُلْنَا: يجلِسُ. فَيَحْتَمِلُ أنه يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا على صفةِ الجلوسِ بين السَّجْدتيْنِ، وهو مذهبُ الشافعىِّ؛ لقَولِ أبي حُمَيْدٍ فِي صفةِ صلاةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ثُمَّ ثَنَى رِجْلَه، وقَعَدَ، واعْتَدَلَ حتى رَجَعَ (5) كلُّ عُضْوٍ في مَوْضِعِهِ، ثم نَهَضَ. وهذا صَرِيحٌ في كَيْفِيَّةِ جِلْسَةِ الاسْتِرَاحَةِ، فيَتَعَيَّنُ المَصِيرُ إليه. وقالَ الخَلَّالُ: رَوَى عن أحمدَ مَنْ لا أُحْصِيهِ كَثْرَةً، أنَّه يَجْلِسُ على أليَتَيْهِ. قال القاضي: يَجْلِسُ على قدمَيْهِ وَألْيَتَيْهِ، مُفْضِيًا بهما إلى الأرضِ؛ لأنَّه لو جَلَسَ مُفْتَرِشًا لم يَأْمَنِ السَّهْوَ، فَيَشُكُّ هل جَلَسَ عن السَّجْدةِ الأُولَى أو الثَّانِيةِ؟ وبهذا يأْمَنُ ذلك. وقال أبو الحسنِ الآمِدِىُّ: لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا يَلْصِقُ أَلْيَتَيْهِ بِالأرْضِ فِي جِلْسَةِ الاسْتِرَاحَةِ، بَلْ يَجْلِسُ مُعَلَّقًا عن الأرْضِ. وعلى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ يَنْهَضُ إلى القيامِ على صُدُورِ قدَمَيْهِ مُعْتَمِدًا على رُكْبَتَيْه، ولا يَعْتَمِدُ على يديهِ. قال القاضي: لا يختَلِفُ قولُه، أنه لا يَعْتَمِدُ على الأرضِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: يجلِسُ للاسْتِرَاحَةِ أو لَا يَجْلِسُ. وقال مالكٌ،
(3) في م: "متفق عليه". وأخرجه البخاري، في: باب من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، من كتاب الأذان. صحيح البخاري 1/ 172.
(4)
تقدم تخريج حديث أبي حميد، في صفحة 122.
(5)
في م: "يرجع".
والشافعىُّ: السُّنَّةُ أَنْ يَعْتَمِدَ على يدَيْهِ في النُّهُوضِ؛ لأنَّ مالكَ بنَ الحُوَيْرِثِ قال في صفةِ صلاةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أنَّهُ لَمَّا رَفَعَ رأسهُ من السجدَةِ الثَّانِيةِ اسْتَوَى قاعدًا، ثم اعْتَمَدَ على الأرْضِ. رَوَاهُ النَّسَائِىُّ (6). ولأنَّ ذلكَ أَعْوَنُ (7) لِلْمُصَلِّى. ولَنا، ما رَوَى وائِلُ بنُ حُجْرٍ، قال:"رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا سجدَ وضعَ رُكْبَتَيْهِ قبلَ يديهِ، وإذا نَهَضَ رَفَعَ يديهِ قبلَ رُكبتيهِ" رَوَاهُ النَّسَائِىُّ (8)، والأثْرَمُ، وفى لفظٍ: وإذَا نَهَضَ نهَض على رُكْبَتَيْهِ، واعْتَمَدَ على فَخِذَيْهِ. وعن ابْنِ عمرَ، قال: نَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ على يدَيْهِ إذا نَهَضَ في الصلاةِ. رَوَاهُمَا أبو داوُد (9)، وقال علِيٌّ رضي الله عنه: إنَّ مِن السُّنَّةِ في الصلاةِ المكْتوبَةِ، إذا نَهَضَ الرَّجُلُ في الرَّكْعتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، أنْ لَا يَعْتَمِدَ بِيدَيْهِ على الأرْضِ، إلَّا أَنْ يَكونَ شَيْخًا كبيرًا لا يَسْتَطِيعُ. رَوَاهُ الأثْرَمُ. وقالَ أحمدُ: بذلك جاءَ الأثَرُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وعن أَبِى هُرَيْرةَ، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ في الصلاةِ يَنْهَضُ على صُدُورِ قَدَمَيْهِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِىُّ (10). وقال: يَرْوِيهِ خالدُ بنُ إلياسَ (11). قالَ أحمدُ: تَرَكَ الناسُ حديثَهُ. ولأَنَّهُ أشقُّ فكَانَ أفضلَ، كَالتَّجَافِى والافتِرَاشِ. وحديثُ مالكٍ مَحْمُولٌ على أنَّه كانَ مِن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لمَشَقَّةِ القِيَامِ عليهِ لِضَعْفِهِ وكِبَرِهِ، فإِنَّه قالَ
(6) في: باب الاعتماد على الأرض عند النهوض، من كتاب التطبيق. المجتبى 2/ 186.
(7)
في الأصل: "عون".
(8)
في: باب أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده، وباب رفع اليدين عن الأرض قبل الركعتين، من كتاب التطبيق. المجتبى 2/ 163، 186. كما أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 69.
(9)
الأول، في: باب افتتاح الصلاة، والثانى، في: باب كراهية الاعتماد على اليد في الصلاة، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 170، 227.
(10)
في: باب ما جاء كيف النهوض من السجود (باب منه)، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 82.
(11)
لفظ الترمذي: وخالد بن إياس ضعيف عند أهل الحديث. ويقال: خالد بن إلياسَ.