الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَوَى مُسْلِمٌ (2) عن أبي هُرَيْرةَ، قال: كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا نَهَضَ مِن الرَّكْعةِ الثَّانيةِ اسْتَفْتَحَ القراءةَ بِالحَمْدِ لِلّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، ولم يَسْكُتْ. وهذا يَدُلُّ على أنَّه لم يَكُنْ يَسْتَفْتِحُ ولا يَسْتَعِيذُ، ولا نَعْلَمُ في تَرْكِ هذه الأُمُورِ الثَّلَاثَةِ خلافًا، فيما عدا الرَّكْعَةَ الأُولَى (3).
فأمَّا الاسْتِعَاذَةُ فَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عن أحمدَ فيها في كُلِّ ركعةٍ، فعنه أنَّها تَخْتَصُّ الرَّكْعَةَ (4) الأُولَى. وهو قَوْلُ عطاءٍ، والحسنِ، والنَّخَعِىِّ، والثَّوْرِىِّ؛ لحديثِ أبِى هُرَيْرةَ هذا، ولِأنَّ الصَّلاةَ جُمْلَةٌ واحدةٌ. فالقراءَة فيها كُلِّها كالقراءَةِ الواحِدَةِ، ولذلك اعْتَبَرْنَا التَّرْتِيبَ في القراءَةِ في الركعتينِ، فأشْبَهَ ما لو سَجَدَ لِلتلاوةِ في أثْنَاءِ قراءتِه. فإذَا أتَى بالاسْتِعَاذَةِ في أولها كفى ذلكَ كالاسْتِفْتَاحِ. فعلَى هذهِ الروايَةِ، إذا تَرَكَ الاسْتِعَاذةَ في الأُولى لنِسْيَانٍ أو غيرِهِ، أتَى بها في الثَّانيةِ، والاسْتِفْتَاحُ بخلافِ ذلك. نصَّ عليه (5)؛ لأَنَّ الاسْتِفْتَاحَ لافْتِتَاحِ الصلاةِ، فإذا فاتَ في أوَّلِها فاتَ مَحَلُّهُ. والاسْتِعَاذَةُ للْقِرَاءَةِ، وهو يَسْتَفْتِحُها في الثَّانيةِ، وإنْ شَرَعَ في القراءةِ قبلَ الاسْتِعَاذَةِ، لم يأْتِ بها في تلكَ الركعةِ؛ لأنَّها سُنَّةٌ فاتَ مَحَلُّهَا. والرِّوَايَةُ الثَّانية، يَسْتَعِيذُ في كلِّ ركعةٍ. وهو قولُ ابْنِ سِيرِينَ، وَالشافعىِّ، لقولِهِ سبحانه وتعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (6). فَيَقْتَضِى ذلك تَكْرِيرَ الاسْتِعَاذَةِ عند تَكْرِيرِ القراءَةِ، ولأنَّها مَشْرُوعَةٌ للْقِرَاءَةِ، فَتُكَرَّرُ بتكَرُّرِهَا، كما لو كانتْ في صلاتَيْنِ.
فصل:
والمَسْبُوقُ إذا أدْرَكَ الإِمامَ فيما بعدَ الركعهِ الأُولَى لم يَسْتَفْتِحْ، وأمَّا
(2) في: باب ما يقال بين تكبيرة الإِحرام والقراءة، من كتاب المساجد. صحيح مسلم 1/ 419.
(3)
في م: "الثالثة".
(4)
في م: "بالركعة".
(5)
أي أحمد.
(6)
سورة النحل 98.
الاسْتِعَاذَةُ، فإنْ قُلْنَا: تَخْتَصُّ بالركعةِ الأُوْلَى. لم يَسْتَعِذْ؛ لأنَّ ما يُدْرِكُهُ المأمومُ مع الإِمامِ آخِرُ صلاتِهِ، فإذا قامَ للْقَضَاءِ اسْتَفْتَحَ واسْتَعَاذَ. نَصَّ عليه (7) أحمدُ. وإنْ قُلْنَا: يَسْتَعِيذُ في كلِّ ركعَةٍ. اسْتَعَاذَ؛ لأنَّ الاسْتِعَاذَةَ في أوَّلِ قراءَةِ كلِّ ركعةٍ، فإذا أرادَ المَأْمُومُ القراءةَ اسْتَعَاذَ؛ لقولِ اللهِ تَعَالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} .
172 -
مسألة؛ قال: (فإذَا جَلَسَ فِيهَا (1) لِلتَّشَهُّدِ يَكُونُ كَجُلُوسِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ)
وجُمْلَتُهُ أَنَّه إذا صَلَّى ركعتيْنِ جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ، وهذا الجُلُوسُ والتَّشَهُّدُ فيه مَشْرُوعَانِ بلا خلافٍ، وقد نَقَلَهُ الخَلَفُ عن السَّلَفِ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَقْلا مُتَوَاتِرًا، والأُمَّةُ تَفْعَلُه في صلاتِها؛ فإِنْ كانتِ الصلاةُ مَغْرِبًا أَوْ رُباعِيَّةً، فهما واجِبَانِ فيها، على إحدى الرِّوايَتَيْنِ. وهو مذهبُ اللَّيْثِ، وإسحاقَ. والأُخْرَى: ليسا بوَاجِبَيْنِ. وهو قولُ أبِى حنيفةَ، ومالكٍ، والشافعىِّ؛ لأنّهُمَا يَسْقُطَانِ بالسهوِ، فأَشْبَهَا السُّنَنَ. ولَنا، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ، ودَاوَمَ على فِعْلِه، وأمَرَ به في حديثِ ابْنِ عباسٍ، فقالَ:"قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلّهِ (2) ". وسجدَ للسَّهوِ حين نَسِيَهُ (3). وقد قالَ: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِى أُصَلِّى (4) ". وإنَّما سَقَطَ بالسَّهْوِ إلى بَدَلٍ، فأَشْبَهَ جُبْرَانَاتِ (5) الحَجِّ تُجْبَرُ بالدَّمِ، بخلافِ السُّنَنِ، ولأنَّه أحَدُ التَّشَهُدَيْنِ، فكان واجبًا كالآخَرِ.
(7) في م: "على هذا".
(1)
سقط من: م.
(2)
يأتى في المسألة التالية.
(3)
يأتى في سجود السهو.
(4)
سبق في صفحة 137، 157.
(5)
الجبران، في مصادر جبر، غير مذكور. المغرب للمطرزى 1/ 129. وفى المصباح المنير: وجبرت نصاب الزكاة بكذا: عادلته به، واسم ذلك الشيء الجُبْران.
وصِفَةُ الجلوسِ لهذا التَّشَهُّدِ كصِفَةِ الجلوسِ بينَ السَّجْدَتَينِ؛ يكونُ مُفْتَرِشًا كما وصَفْنَا. وسواءٌ كانَ آخِرَ صلاتِهِ أو لم يكنْ. وبِهذا قال الثَّوْرِىُّ، وإسحاقُ، وأصْحابُ الرَّأْىِ، وقال مالكٌ: يَكُونُ مُتَوَرِّكًا على كلِّ حالٍ؛ لِمَا رَوَى ابنُ مسعودٍ، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَجْلِسُ في وسَطِ الصلاةِ [وفى آخِرِها] (6) مُتَوَرِّكًا. وقالَ الشافعيُّ: إنْ كانَ مُتَوَسِّطًا كقولِنَا، وإنْ كانَ آخِرَ صلاتِهِ كقولِ مالكٍ. ولَنا، حديثُ أبى حُمَيْدٍ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ - يَعْنِى للتَّشَهُّدِ - فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ اليُسْرَى، وأَقْبَلَ بِصَدْرِ اليُمْنَى على قِبْلَتِهِ. وقال وائلُ بنُ حُجْرٍ: قُلْتُ، لأَنْظُرَنَّ إلَى صلاةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فلَمَّا جلسَ - يَعْنِى لِلتَّشَهُّدِ - افْتَرَشَ رِجْلَهُ اليُسْرَى، ووضعَ يدَهُ اليُسْرَى على فَخِذِهِ اليُسْرَى، ونَصَبَ رِجْلَهُ اليُمْنَى (7). وهذان حديثَانِ صحيحَانِ حسنَانِ، يَتَعَيَّنُ الأخْذُ بهما، وتَقْدِيمُهُما على حديثِ ابْنِ مسعودٍ؛ لصِحَّتِهِما وكَثْرَةِ رُوَاتِهِما، فإنَّ أبا حُمَيْدٍ ذَكَرَ حديثَه في عشرَةٍ مِن الصحابَةِ فَصَدَّقُوهُ، وهما مُتَأَخِّرَانِ عن ابْنِ مَسْعودٍ، وإنَّمَا يُؤْخَذُ بالآخِرِ فالآخِرِ مِن أمْرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وقد بَيَّنَ أبو حُمَيْدٍ في حديثهِ الفَرْقَ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ، فَتَكُونُ زِيادَة، والأخْذُ بالزِّيَادَةِ واجبٌ.
(6) في م: "وآخرها". والحديث رواه أحمد في: المسند 1/ 459، والهيثمى في المجمع 2/ 142. وقال: هو في الصحيح باختصارٍ عن هذا.
(7)
أخرجه أبو داود، في: باب رفع الدين للصلاة، وباب كيف الجلوس في التشهد، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 167، 219. والترمذي، في: باب ما جاء كيف الجلوس في التشهد، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 86. والنسائي، في: باب موضع اليمين من الشمال في الصلاة، من كتاب افتتاح الصلاة، وفى: باب موضع الذراعين، وباب موضع المرفقين، وباب قبض الثنتين من أصابع اليد اليمنى. . . إلخ، من كتاب السهو. المجتبى 2/ 97، 98، 3/ 30، 31، 32. وابن ماجه، في: باب الإشارة في التشهد، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 295. والدارمى، في: باب صفة صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 314، 315. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 316، 317، 318.