الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصْحَابُه عليه رَدَّ عليهم إشارةً، ولم يُنْكِرْ ذلك عليهم.
فصل:
إذا أكلَ أو شَرِبَ في الفريضةِ عامِدًا، بَطَلَتْ صلاتُه، رِوايةً واحدةً. ولا نَعْلَمُ فيه خلافًا. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ أهلُ العِلْمِ على أنَّ المُصَلِّى مَمْنُوعٌ من الأكْلِ والشُّربِ، وأجْمَعَ كلُّ من نَحْفَظُ عنه من أهلِ العِلْمِ على أنَّ مَن أكل أو شَرِبَ في صلاةِ الفَرْضِ عامدًا أنَّ عليه الإِعادةَ، وأنَّ ذلك يُفْسِدُ الصَّوْمَ الذي لا يَفْسُدُ بالأفعالِ، فالصَّلاةُ أوْلَى. فإن فَعَلَ ذلك في التَّطَوُّعِ أبْطَلَه، في الصَّحِيحِ من المذهبِ، وهو قولُ أكثرِ الفُقَهاءِ؛ لأنَّ ما أبْطَلَ الفَرْضَ أبطَل التَّطَوُّعَ، كسائِرِ مُبْطلاتِه. وعن أحمدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أنَّه لا يُبْطِلُها. ويُرْوَى عن ابْنِ الزُّبَيْرِ وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، أنَّهما شَرِبا في التَّطَوُّعِ. وعن طَاوُسٍ، أنَّه لا بَأْسَ به. وكذلك قال إسْحَاقُ؛ لأنَّه عَمَلٌ يَسِيرٌ، فأشْبَهَ غيرَ الأكلِ، فأمَّا إن كَثُرَ فلا خلافَ في أنه يُفْسِدُها؛ لأنَّ غيرَ الأكلِ منِ الأعْمَالِ يُفْسِدُها (63) إذا كَثُرَ، فالأكلُ والشُّرْبُ أَوْلَى. وإن أكلَ أو شَرِبَ في فرِيضَةٍ أو تَطوُّعٍ نَاسِيًا لم تَفْسُدْ. وبهذا قال عَطَاءٌ، والشَّافِعِىُّ. وقال الأوْزَاعِيُّ: تَفْسُدُ صَلاتُه؛ لأنَّه فِعْلٌ مُبْطِلٌ مِن غيرِ جِنسِ الصلاةِ، فاسْتَوَى عَمْدُه وسَهْوُه، كالعملِ الكثيرِ. ولَنا، عُمُومُ قولِه صلى الله عليه وسلم:"عُفِىَ لأُمَّتِى عَنِ الخَطَأَ والنِّسْيَانِ"(64). ولأنَّه يُسَوَّى بين قَلِيلِه وكَثِيرِه حالَ العَمْدِ. ومَعْفِيٌّ (65) عنه في الصَّلاةِ، كالعملِ من جِنْسِها، ويُشْرَعُ لذلك سُجُودُ السَّهْوِ. وهذا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ فإنَّ ما يُبْطِلُ عَمْدُه الصَّلاةَ إذا عُفِىَ عنه لأجْلِ السَّهْوِ شُرِعَ له السُّجُودُ، كالزِّيَادَةِ من جِنْسِ الصَّلاةِ، ومتى كَثُرَ ذلك أبْطَلَ الصَّلاةَ بغيرِ خلافٍ؛ لأنَّ الأفعالَ المَعْفُوَّ عن يَسِيرِها إذا كَثُرَتْ أبْطَلَتْ، فهذا أَوْلَى.
فصل: إذا تَرَكَ في فِيهِ ما يَذُوبُ كالسُّكَّرِ، فذَابَ منه شَىءٌ، فابْتَلَعَه، أفْسَدَ صلاتَه؛ لأنَّه أكَلَ. وإن بَقِىَ بين أسْنانِه، أو في فِيهِ، من بَقايا الطَّعامِ يَسِيرٌ يَجْرِى به
(63) في م: "يفسد".
(64)
تقدم في صفحة 146 من الجزء الأول.
(65)
في م: "ويعفى".
الرِّيقُ، فابْتَلَعَه، لم تَفْسُدْ صلاتُه؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ الاحْتِرَازُ منه. وإن تَرَكَ في فِيهِ لُقْمةً ولم يَبْتَلِعْها، كُرِهَ؛ لأنَّه يَشْغَلُه عن خُشُوعِ الصَّلاةِ والذِّكْرِ والقِرَاءَةِ فيها، ولا يُبْطِلُها؛ لأنَّه عَمَلٌ يَسِيرٌ، فأَشْبَهَ ما لو أمْسَكَ شيئًا في يَدِه. واللهُ أعلمُ.