الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إصابةَ العَيْنِ، لَما صَحَّتْ صَلَاةُ أهلِ الصَّفِّ الطَّوِيلِ على خَطٍّ مُسْتَوٍ، ولا صلاةُ اثْنَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ يَسْتَقْبِلَانِ قِبْلَةً واحِدَةً، فإنَّهُ (4) لا يَجُوزُ أنْ يَتَوَجَّهَ إلى الكَعْبَةِ مع طُولِ الصَّفِّ إلَّا بِقَدْرِهَا. فإِنْ قِيلَ: مع البَعيدِ (5) يَتَّسِعُ المُحَاذِى. قُلْنا: إنَّما يَتَّسِعُ مع تَقَوُّسِ الصَّفِّ، أمَّا مع اسْتِوَائِهِ فلا. وشَطْرُ البَيْتِ: نَحْوُهُ وقِبَلُهُ.
فصل:
فأمَّا مَحَارِيبُ الكُفَّارِ فلا يَجُوزُ أنْ يُسْتَدَلَّ بها؛ لِأنَّ قَوْلَهم لا يُسْتَدَلُّ به، فمَحَارِيبُهم أوْلَى، إلَّا أنْ نَعْلَمَ قِبْلَتَهم كالنَّصَارَى، نَعلمُ أنَّ قِبْلَتَهم المَشْرِقُ، فإذَا رَأَى محَارِيبَهم في كَنَائِسِهِمْ عَلِمَ أنَّها مُسْتَقْبِلَةٌ المَشْرِقَ. وإنْ وجَدَ مِحْرَابًا لا يَعْلَمُ هل هو لِلْمسلمين أَوْ لِغَيْرِهم، اجْتَهَدَ ولم يَلْتَفِتْ إليه؛ لأنَّ الاسْتِدْلَالَ إنَّما يَجُوزُ بِمَحَارِيبِ المسلمين، ولا يَعْلَمُ وُجُودَ ذلك. ولو رأى على المِحْرَابِ آثارَ الإِسْلَامِ، لم يُصَلِّ إليه؛ لاحْتِمَالِ أنْ يَكُونَ البَانِى لَهُ مُشْرِكًا مُسْتَهْزِئًا، يَغُرُّ بهِ المُسْلِمِينَ، إلَّا أنْ يكونَ ذلك مِمَّا لَا يَتَطَرَّقُ إليهِ الاحْتِمَالُ، ويَحْصُلَ له العِلْمُ أنَّه مِنْ مَحَارِيبِ المسلمين، فَيَسْتَقْبِلَه.
فصل: ولو صَلَّى على جَبَلٍ عَالٍ يَخْرُجُ عن مُسَامَتَةِ الكَعْبَةِ، صَحَّتْ صَلَاتُه. وكذلك لو صَلَّى في مكانٍ يَنْزِلُ عن مُسَامَتَتِها؛ لأنَّ الوَاجِبَ اسْتِقْبَالُهَا ومَا يُسَامِتُهَا مِنْ فَوْقِهَا وتَحْتِهَا، بدَلِيلِ ما لو زَالَتْ الكَعْبَةُ (6) صَحَّت الصلاةُ إلى مَوْضِعِ جِدَارِها.
فصل: والمُجْتَهِدُ في القِبْلَةِ هو العالِمُ بِأدِلَّتِها، وإنْ كان جاهِلًا بِأحْكامِ الشَّرْعِ، فإنَّ كُلَّ مَنْ عَلِمَ أدِلَّةَ شَىْءٍ كان مِن [أهْلِ الاجْتَهادِ](7) فيه، وإنْ جَهِلَ غيرَهُ، ولأنَّهُ يتَمَكَّنُ مِن اسْتِقْبالِها بِدَلِيلِه، فكانَ مُجْتَهِدًا فيها كالفَقِيهِ، ولو جَهِلَ الفَقِيهُ أَدِلَّتها أو كان أعْمَى، فهو مُقَلِّدٌ رإنْ عَلِمَ غَيْرَها. وأوْثَقُ أَدِلَّتِها النُّجُومُ،
(4) في الأصل: "ولأنه".
(5)
في م: "العبد" خطأ.
(6)
في م زيادة: "واليعاذ بالله". وصحته: "والعياذ بالله".
(7)
في م: "المجتهدين".
قال اللهُ تعالى: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} (8) وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (9). وآكَدُهَا القُطْبُ الشَّمَالِىُّ، وهو نَجْمٌ خَفِىٌّ حَوْله أنْجُمٌ دَائِرَةٌ كفَرَاشَةِ الرَّحَى، في أحَدِ طَرَفَيْها الفَرْقَدَان، وفى الآخَرِ الجَدْىُ، وبين ذلك أنْجُمٌ صِغَارٌ، منْقُوشَةٌ كَنُقُوشِ الفَرَاشَةِ، ثَلَاثَةٌ مِنْ فوقَ وثلاثةٌ مِنْ أسْفَل، تَدُورُ هذه الفَراشَةُ حَوْلَ القُطْبِ، دَوَرَانَ فَراشَة الرَّحَى حَوْلَ سَفُّودِها (10)، في كُلِّ يومٍ وليلةٍ، دورَةً، فِي اللَّيْلِ نِصْفُها وفِي النَّهَارِ نصفها، فيكونُ الجَدْىُ عندَ طُلُوعِ الشمسِ في مكانِ الفَرْقَدَيْن عند غُرُوبِها، ويُمْكِنْ الاسْتِدْلَالُ بها على ساعَاتِ اللَّيْلِ وأوْقَاتِهِ، والأزمِنَةِ، لمَنْ عَرَفها، وعَلِمَ كَيْفِيَّةَ دَوَرَانِها، وحَوْلَها بَنَاتُ نَعْشٍ مِمَّا يَلِى الفَرْقَدَيْنِ تَدُورُ حَوْلَها، وَالقُطْبُ لَا يَبْرَحُ مكَانَه في جَمِيعِ الأزْمَانِ، ولا يَتَغَيَّرُ كما لا يَتَغَيَّرُ سَفُّودُ الرَّحَى بِدَوَرَانِها. وقِيلَ: إنَّهُ يَتَغَيَّرُ تَغَيُّرًا يَسِيرًا لَا يَتَبَيَّنُ، ولا يُؤَثِّرُ، وهو نَجْمٌ خَفِىٌّ يَرَاهُ حَدِيدُ النَّظَرِ إذا لم يَكُن القَمَرُ طَالِعًا، فإذَا قَوِىَ نُورُ القَمَرِ خَفِىَ، فإذا اسْتَدْبَرْتَه في الأرضِ الشَّامِيَّة، كُنْتَ مُسْتَقْبلًا الكعبةَ. وقِيلَ: إنه يَنْحَرِفُ في دِمَشْقَ وما قارَبَها إلى (11) المَشْرِقِ قليلًا، وكُلَّمَا قَرُبَ إلى المغرِبِ كان انْحِرَافُهُ أكثَرَ. وإنْ كانَ بِحَرَّانَ (12) وما يُقَارِبُها اعْتَدَلَ، وجَعَلَ القُطْبَ خَلْفَ ظَهْرِه مُعْتَدِلًا مِنْ غيرِ انحِرَافٍ. وقِيلَ: أعْدَلُ القِبَلِ قِبْلَةُ حَرَّانَ. وإنْ كان بالعِرَاقِ جَعَلَ القُطْبَ حِذَاءَ (13) ظَهْرِ أُذُنِه اليُمْنَى على عُلُوِّها، فيكونُ مُسْتَقْبِلًا بابَ الكَعْبَةِ إلى المَقَامِ، ومتى اسْتَدْبَرَ الفَرْقَدَيْنِ أو الجَدْىَ، في حَالِ عُلُوِّ أَحدِهِما ونُزُولِ الآخَر، على الاعْتِدَالِ، كان ذلك كاسْتِدْبَارِ القُطْبِ. وإن اسْتَدْبَرَهُ، في
(8) سورة النحل 16.
(9)
سورة الأنعام 97.
(10)
سفُّود الرحى: الحديدة وسطها. وفراشة الرحى: حجرها. انظر اللسان (ف ر ش).
(11)
في النسخ زيادة: "أن".
(12)
حران: مدينة مشهورة، بينها وبين الرها يوم، وبين الرقة يومان، على طريق الموصل والشام والروم. معجم البلدان 2/ 231.
(13)
في م: "حذو".