الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَرَفْعٍ، وقِيَامٍ وقُعُودٍ، وأبو بكرٍ وعمرُ. قال التِّرْمِذِىُّ (6): هذا حديثٌ حسنٌ صَحِيحٌ. وقد قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِى أُصَلِّى"(7). ولأنَّه شُرُوعٌ في رُكْنٍ، فشُرِعَ فيه التَّكْبِيرُ، كحالةِ ابْتِدَاءِ الصلاةِ، ولأنه انْتِقَالٌ مِن رُكْنٍ إلى رُكْنٍ، فَشُرِعَ فيهِ ذِكْرٌ يعْلَمُ بهِ المَأْمُومُ انْتِقَالَهُ ليَقْتَدِىَ به، كحالةِ الرَّفْعِ مِن الركوعِ.
فصل:
ويُسَنُّ الجَهْرُ به لِلإِمَامِ لِيَسْمَعَ المأمومُ، فيَقْتَدِىَ به في حالِ الجَهْرِ والإِسْرَارِ جميعًا، كقوْلِنا في تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ، فإنْ لم يَجْهَر الإِمَامُ بحيثُ يُسْمِعُ الجَمِيعَ، اسْتُحِبَّ لبعضِ المأمومِينَ رَفْعُ صَوْتِه؛ لِيُسْمِعَهم، كَفِعْلِ أبِى بكرٍ، رضىَ اللهُ عنه، حين صلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بهم في مَرَضِه قاعِدًا، وأبو بكرٍ إلى جَنْبِه يَقْتَدِى بِه، والناسُ يَقْتَدُونَ بأبِى بكرٍ (8).
154 - مسألة؛ قال: (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كَرَفْعِهِ الأَوَّلِ)
يَعْنِى يَرْفَعُهُمَا إلى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ، أو إلى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ، كفِعْلِهِ عند تَكْبِيرَةِ
= مالك، في: باب افتتاح الصلاة، من كتاب الصلاة. الموطأ 1/ 76. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 236، 270، 452، 497، 502، 527. وسبق تخريجه عند النسائي، في حاشية صفحة 148 من هذا الجزء.
(6)
في: باب في التكبير عند الركوع والسجود، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 54، 55. وأخرجه النسائي، في: باب التكبير للسجود، وباب التكبير عند الرفع من السجود، وباب التكبير للسجود (آخر)، من كتاب التطبيق، وفى: باب التكبير إذا قام من الركعتين، وباب كيف السلام على اليمين، من كتاب السهو. المجتبى 2/ 161، 182، 185، 3/ 3، 52. والدارمى، في: باب التكبير عند كل خفض ورفع، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 285. والإِمام أحمد، في: المسند 1/ 386، 442، 443.
(7)
تقدم في صفحة 137، 157 من هذا الجزء.
(8)
أخرجه البخاري، في: باب حد المريض أن يشهد الجماعة، وباب الرجل يأتم بالإِمام ويأتم الناس بالمأموم. من كتاب الأذان. صحيح البخاري 1/ 169، 182، 183. ومسلم، في: باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 311، 312. والنسائي، في: باب الائتمام بالإِمام يصلى قاعدا، من كتاب الإِمامة. المجتبى 2/ 77، 78. والإِمام أحمد، في: المسند 6/ 159، 210، 224.
الإِحْرَامِ، ويَكونُ ابْتِدَاءُ رَفْعِه عند ابْتِدَاءِ تَكْبِيرِه، وانْتِهَاؤُه عند انْتِهَائِه. وبهذا قال ابنُ عمر، وابنُ عباس، وجابِرٌ، وَأَبو هُرَيْرةَ، وابنُ الزُّبَيْرِ، وأنسٌ، والحسنُ، وعطاءٌ، وطَاوُس، ومُجَاهِدٌ، وسَالِم، وسعيدُ بنُ جُبَيْر، وغيرُهم مِن التَّابعين، وهو مذهبُ ابنِ المبارَكِ، والشَّافعىِّ، وإسحاقَ، ومالكٍ في إحْدَى الرِّوَايتيْن عنه. وقال الثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفَة: لا يَرْفَعُ يديه إلَّا في الافْتِتَاحِ، وهو قَوْلُ إِبراهِيمَ النَّخَعِىِّ؛ لِما رُوِىَ عن عبدِ اللَّه بنِ مسعود، أنَّه قال: أَلَا أُصَلِّى بكم (1) صلاةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فصلَّى، فلم يَرْفَعْ يدَيْه إلَّا في أوَّلِ مَرَّةٍ (2). قال التِّرمِذِىُّ: حديثُ ابنِ مسعُودٍ حسنٌ. رَوَى يَزِيدُ بنُ زِيَادٍ، عن ابنِ أبي لَيْلَى، عن البَراءِ بنِ عَازِب، أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يَرْفَعُ يديْه إذا افْتَتَحَ الصلاةَ، ثم لا يَعُودُ (3). قالُوا وَالعَملُ بهذيْن الحديثَيْن أوْلَى. لِأنَّ ابنَ مسعودٍ كانَ فَقِيهًا، ملازِمًا لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عَالِمًا بِأحوالِه، وباطِنِ أمْرِه وظَاهِرِهِ، فتُقَدَّمُ روايَتُه على روايَةِ مَن لم يكن حالُه كحالِه. قال إبراهِيمُ النَّخَعِىُّ لِرَجُلٍ رَوَى حدِيثَ وَائِلِ بنِ حُجْر (4): لعل وائِلًا لم يُصَلِّ مع النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا تلك الصَّلاةَ. فتَرَى أنْ نَتْرُكَ رِوَايَةَ عبدِ اللهِ، الذي لعلَّه لم يَفُتْه مع النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَلاةٌ، ونَأْخُذَ بِرِوايةِ هذا. أو كما قال. ولَنا، ما رَوَى الزُّهْرِىُّ، عن سالمٍ، عن أبيه، قال: رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا اسْتَفْتَحَ الصَّلاةَ رَفَعَ يدَيْه حتى يُحَاذِىَ (5) مَنْكِبَيْه، وإذا أرادَ أنْ يرْكَع وبعدَ ما يَرْفَعُ رأْسَه مِن الرُّكُوعِ، ولا يَفْعَلُ ذلكَ في السُّجودِ (6). قال البُخارِىُّ: قال علىّ بن الْمَدِينِىِّ - وكان أعْلَمَ أهلِ
(1) في م: "لكم".
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب من لم يذكر الرفع عند الركوع، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 173. والترمذي، في: باب ما جاء في رفع اليدين عند الركوع، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 58. والنسائي، في: باب التجافى في الركوع، وباب الرخصة في ترك رفع اليدين. . . إلخ، من كتاب التطبيق. المجتبى 2/ 146، 153. والإِمام أحمد، في: المسند 1/ 388.
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب من لم يذكر الرفع عند الركوع، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 173. والإِمام أحمد، في: المسند 4/ 282، 301.
(4)
تقدم في صفحة 137.
(5)
في م زيادة: "بهما".
(6)
أخرجه البخاري، في: باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء، وباب رفع اليدين إذا كبر =
زمانِه -: حَقٌّ على المسلمين أنْ يَرْفَعُوا أيدِيَهم لهذا الحدِيثِ. وحديثُ أبِى حُمَيْدٍ، الَّذِى ذَكَرْنَا في أَوَّلِ البابِ (7) هكذا (8). وقد رَوَاهُ، في عشرَةٍ من الصحابَةِ، منهم أبو قتادَة، فصَدَّقُوهُ، وقالوا: هكذا كان يُصَلِّى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. ورَوَاهُ سِوَى هذيْنِ عمرُ، وعلِىٌّ، ووائِلُ بنُ حُجْرٍ، ومالكُ بن الحُوَيْرِث، وأنَسٌ، وأبو هُرَيْرَة، وأبو أَسِيد، وسَهْلُ بنُ سعدٍ، ومحمدُ بنُ مَسْلَمَة، وأبو موسى، وجابرُ بن عُمَيْر اللَّيْثِىُّ، فصارَ كالمُتَوَاتِرِ (9) الذي لا يَتَطَرَّقُ إليهِ شكٌّ مع كَثْرَةِ رُوَاتِه، وصحَّةِ سَنَدِه، وعَمِلَ به الصحابَةُ والتَّابعونَ، وأنْكرُوا على مَن لم يعملْ به. قال الحسنُ: رأيْتُ أصْحابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرْفَعُونَ أيْدِيَهُم إذا كَبَّرُوا، وإذا ركعُوا، وإذا رَفَعُوا رُءُوسَهم كأنها المَرَاوِحُ. قال أحمدُ، وقد سُئِلَ عن الرَّفْعِ فقال (10): إى لَعَمْرِى. ومَن يَشُكُّ في هذا! كان ابنُ عمرَ إذا رَأَى مَن لا يَرْفَعُ، حَصَبَه (11) وأَمَرَه أنْ يَرْفَعَ. فأمَّا حَدِيثَاهم فضَعِيفَان.
= وإذا ركع وإذا رفع، وباب إلى أين يرفع يديه، من كتاب الأذان. صحيح البخاري 1/ 187، 188. ومسلم، في: باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين. . . إلخ، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 192. وأبو داود، في: باب رفع اليدين في الصلاة، وباب افتتاح الصلاة، من كتاب الصلاة. سنن أبى داود 1/ 166، 171. والترمذي، في: باب ما جاء في رفع اليدين عند الركوع، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 56. والنسائي، في: باب العمل في افتتاح الصلاة، وباب رفع اليدين قبل التكبير، وباب رفع اليدين حذو المنكبين، وباب رفع اليدين للركوع حذاء المنكبين، من كتاب افتتاح الصلاة. وفى: باب رفع اليدين حذو المنكبين عند الرفع من الركوع، وباب ما يقول الإمام إذا رفع رأسه من الركوع، من كتاب التطبيق، وفي: باب رفع اليدين للقيام إلى الركعتين الأخريين حذو المنكب، من كتاب السهو. المجتبى 2/ 93، 94، 142، 152، 153، 304. وابن ماجه، في: باب رفع اليدين إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 279. والدارمى، في: باب رفع اليدين في الركوع والسجود، وباب القول بعد رفع الرأس من الركوع، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 285، 300. والإِمام مالك، في: باب افتتاح الصلاة، من كتاب النداء. الموطأ 1/ 75، 76، 77. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 8، 18، 62، 100، 106، 132، 134، 147.
(7)
في صفحة 122.
(8)
سقط من: م.
(9)
في م: "كالتواتر".
(10)
سقط من: م.
(11)
في م: "حصنه" تصحيف.
فأمَّا حديثُ ابْنِ مسعودٍ، فقال ابنُ المبارَك: لم يَثْبُتْ. وحديثُ البَراءِ، قالَ ابْنُ عُيَيْنَة: حدَّثنا يَزِيدُ بنُ أبى زِيادٍ، عن ابنِ أبي لَيْلَى، ولم يَقُلْ: ثُمَّ لَا يَعُودُ. فلما قَدِمْتُ الكُوفَةَ سَمِعْتُه يُحَدِّثُ به، فيقولُ: لا يَعُودُ. فَظَنَنْتُ أنَّهم لَقَّنُوه. وقال الحُمَيْدِىُّ (12)، وغيرُهُ: يَزِيدُ بنُ أبِى زيادٍ سَاءَ حِفظُه في آخِرِ عُمْرِهِ، وخَلَّطَ. ثم لو صَحَّا كانَ التَّرْجِيحُ لأحادِيثِنا أوْلَى لخمسةِ أوْجُهٍ: أحدُها، أنَّها أَصَحُّ إسْنَادًا، وأعدَلُ رُوَاةً، فالحَقُّ إلى قولِهم أقْرَبُ. الثَّانِى، أنَّها أَكْثَرُ رُوَاةً، فظَنُّ الصِّدْقِ في قَوْلِهمْ أقْوَى، والغَلَطُ منهم أبْعَدُ. الثَّالثُ، أنَّهمْ مُثْبِتُونَ، والمُثْبِتُ يُخْبِرُ عن شيءٍ [شاهَدَه ورَآهُ](13). فقَوْلُه يَجِبُ تَقْدِيمُه لِزِيَادَةِ عِلْمِه. والنَّافِى لم يَرَ شيئًا، فلا يُؤْخَذُ بقَوْلِه، ولذلكَ قَدَّمْنَا قولَ الجَارِحِ على المُعَدِّلِ. الرَّابِعُ، أنهم مُثْبِتُون (14) فَصَّلُوا في رِوَايَتِهم، ونَصُّوا على الرَّفْعِ في الحَالتَيْنِ المُخْتَلَفِ فيهما، والمُخَالِفُ لهم عَمَّمَ (15) بِروَايَتِه، المُخْتَلَفَ فيه وغيرَهُ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُ أحاديثِنا لنَصِّها وخُصُوصِهَا، على أحَادِيثِهِم العامَّة، التي لا نَصَّ فيها كما يُقَدَّمُ الخَاصُّ على العامِّ، والنَّصُّ على الظاهِرِ المُحْتَمِلِ. الخَامِسُ، أنَّ أحاديثَنا عَمِلَ بها السَّلَفُ مِن الصَّحابَةِ والتَّابِعِينَ، فيَدُلُّ ذلك على قُوَّتِها. وقولُهم: إنَّ ابنَ مسعودٍ إمَامٌ. قُلْنا: لا نُنْكِرُ فَضْلَه، لكن بحَيْثُ يُقَدَّمُ على أمِيرَىِ المُؤْمِنِينَ عمرَ وعَلِىّ وسائِرِ مَن معهُمْ! كَلَّا، ولا يُساوِى واحِدًا منهم، فكيفَ يُرَجَّحُ على جميعِهم؟ مع أنَّ ابْنَ مسعودٍ قد تُرِكَ قولُهُ [في الصلاة](16) في أشْياء، منها أنَّهُ كان يُطَبِّقُ في الرُّكُوعِ، يضعُ يدَيْه بينَ رُكْبَتَيْهِ، فلم يُؤْخَذْ بِفِعْلهِ، وأُخِذَ بِرِوَايةِ غيرِه في وَضْعِ اليدينِ على الرُّكْبَتَيْن، وتُرِكَتْ قِرَاءَتُه وأُخِذَ بقِرَاءَةِ زَيْدِ بنِ ثابتٍ، وكانَ لا يَرَى
(12) أبو بكر عبد اللَّه بن الزبير بن عيسى الحميدي الحافظ، عالم أهل مكة، كان إماما حجة، توفى سنة تسع عشرة ومائتين. التاريخ الكبير، للبخاري 3/ 1/ 96، 97، العبر 1/ 377.
(13)
في م: "شاهد ورواه".
(14)
سقط من: م.
(15)
في م: "عمهم".
(16)
سقط من: م.