الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بمَعْنَيَيْن (4) لم يَجُزْ تَعَدِّيهِ لتَعَدِّى أحدِهما دُونَ الآخَرِ. واللهُ أعلمُ.
فصل:
قِيل لِأبي عبدِ اللهِ: فما تقولُ في تَشَهُّدِ (5) سُجودِ السَّهْوِ؟ فقالَ: يُتَوَرَّكُ فيهِ أيضًا، هو مِن بقِيَّةِ الصَّلاةِ. يَعْنِى إذا كان مِن السُّجودِ في صلاةٍ رُبَاعِيَّةٍ؛ لأنَّ تَشَهُّدَها يُتَوَرَّكُ فيه، وهذا تابِعٌ له. وقال القاضي: يُتَوَرَّكُ في كلِّ تَشَهُّدٍ لسُجودِ السَّهْوِ بعدَ السلامِ، سواءٌ كانَتِ الصلاةُ رُبَاعِيَّةً أو ركعتَيْنِ؛ لأنَّه تَشَهُّدٌ ثانٍ في الصلاةِ، ويَحْتَاجُ إلى الفَرْقِ بينه وبين تَشَهُّدِ صُلْبِ الصلاةِ. وقال الأثْرَمُ: قُلْتُ لأبي عبدِ اللهِ: الرَّجُلُ يَجِىءُ فَيُدْرِكُ مع الإِمامِ ركعةً، فَيَجْلِسُ الإِمامُ في الرابعةِ، أَيَتَوَرَّك معهُ الرَّجُلُ الذي جاءَ في هذه الجَلْسَةِ؟ فقال: إن شاءَ تَوَرَّكَ. قُلْتُ: فإذا قام يقْضِى، يجلِسُ في الرابِعَةِ هو، فَيَنْبَغِى له أَنْ يَتَوَرَّكَ؟ فقال: نعَمْ، يَتَوَرَّكُ، هذا لِأنَّها هي الرابِعةُ له، نعَمْ يَتَوَرَّكُ، ويُطِيلُ الجُلُوسَ في التَّشَهُّدِ الأخِيرِ. قال القاضي: قولُه: إنْ شَاءَ تَوَرَّكَ. على سَبِيلِ الجَوَازِ؛ لأنَّه مَسْنُونٌ. وقد صَرَّحَ في رِوَايَةِ مُهَنَّا فيمَنْ أدرَكَ مِن صلاةِ الظهرِ رَكْعَتَيْنِ، لا يَتَوَرَّكَ إلَّا في الأخِيرَتَيْنِ. ويحتَمِلُ أنْ يكونَ هذان روَايَتَيْنِ.
178 - مسألة؛ قال: (ويَتَشَهَّدُ بِالتَّشَهُّدِ الأَوَّلِ، ويُصَلِّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمِّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ)
وجُمْلَتُهُ أنَّه إذا جَلَسَ في آخِرِ صلاتِه، فإنَّه يَتَشَهَّدُ بالتَّشَهُّدِ الذي ذَكَرْنَاهُ، ثم يُصَلِّى على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كما ذَكَرَ الْخِرَقِىُّ، وهىَ واجبَةٌ في صحِيحِ المذهبِ، وهو قَوْلُ الشَّافعىِّ وإسْحاقَ. وعن أحمدَ أنَّها غيرُ واجِبَةٍ. قالَ المَرُّوذِىُّ: قِيل لأبي
(4) في م: "بعلتين".
(5)
سقط من: الأصل.
عبدِ اللهِ. إنَّ ابْن رَاهُويَه يقولُ: لو أنَّ رَجُلًا تركَ الصلاةَ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في التَّشَهُّدِ، بطَلَتْ صلاتُهُ. قال: ما أجْتَرِىءُ أنْ أقولَ هذا. وقال في موضِعٍ: هذا شُذُوذٌ. وهذَا يَدُلُّ على أنَّه لم يُوجِبها. وهذا قولُ مالكٍ، والثورِىِّ، وأصحابِ الرَّأْىِ، وأكثرِ أهلِ العِلْمِ. قال ابْنُ المُنذِر: هو قولُ جُمُلِ (1) أهْلِ العِلْمِ إلَّا الشَّافعِىَّ. وكان إسحاقُ يقولُ: لَا يُجْزِئُهُ إذا تَرَكَ ذلك عامِدًا. قالَ ابْنُ المُنْذِرِ: وبالقَوْلِ الأوَّلِ أقولُ؛ لأنَّنِى لا أَجِدُ الدَّلَالَةَ مَوْجُودَةً في إيجابِ الإِعَادَةِ عليه. واحْتَجُّوا بحديثِ ابْنِ مسعودٍ (2): أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ، ثم قال:"إذَا قُلْتَ هَذَا - أوْ قَضَيْتَ هَذَا - فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ". وفى لفظٍ: "وقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ، فَإنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وإنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ". رَوَاهُ أبو داوُد (3). وقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: "إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ". رَوَاهُ مسلمٌ (4). أمَرَ (5) بالاسْتِعَاذَةِ عَقِيبَ التَّشَهُّدِ مِن غيرِ فَصْلٍ. ولأنَّ الصحابَةَ كانوا يقولُونَ في التَّشَهُّدِ قولًا، فَنَقَلهم عنه النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إلى التَّشَهُّدِ وحده، فَدَلَّ على أنَّه لا يَجِبُ غيرُه، ولأن الوُجُوبَ مِن الشَّرْعِ، ولم يَرِدْ بِإيجَابِه. وظَاهِرُ مَذْهَبِ أحمدَ رحمه الله وُجُوبُه؛ فإنَّ أبا زُرْعَةَ الدِّمَشْقِىَّ (6) نقَل عن أحمدَ، أنَّه قال: كُنْتُ أَتَهَيَّبُ ذلك، ثم تَبَيَّنْتُ، فإذا الصلاةُ واجبَةٌ. فَظَاهِرُ هذا أنَّه رَجَعَ عن قولِهِ الأوَّل إلى هذا؛ لما رَوَى كَعْبُ بنُ عُجْرَةَ، قال: إنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم خَرَج علينا فَقُلْنَا:
(1) في م: "جل". وجمل، كصُحُف: الجماعة مِنَّا.
(2)
تقدم حديث ابن مسعود، في صفحة 221.
(3)
في: باب التشهد، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 222.
(4)
في: باب ما يستعاذ منه في الصلاة، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 412. كما أخرجه النسائي، في: باب نوع آخر من التعوذ في الصلاة، من كتاب السهو. المجتبى 3/ 49. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 477.
(5)
في م: "أمرنا".
(6)
أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو بن صفوان البصري الدمشقي، حافظ، عالم بالحديث والرجال، سمع من الإمام أحمد مسائل مشبعة محكمة، وتوفى سنة ثمانين ومائتين. طبقات الحنابلة 1/ 205، 206.