الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
ويَنْبَغِى أنْ يَتَوَلَّى الإِقامةَ مَنْ تَوَلَّى الأذانَ، وبهذا قال الشافعيُّ، وقال أبو حنيفةَ ومالكٌ: لا فرقَ بينه وبين غَيْرِه؛ لِما رَوَى أبو داود (16)، في حديثِ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، أنَّه رَأَى الأذانَ في المنامِ، فأتَى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، فأخْبَرَهُ، فقال:"أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ". فأَلْقَاهُ عليهِ، فأَذَّنَ بلالٌ، فقالَ عبد اللهِ: أنا رأيتهُ، وأنا كنتُ أُرِيدُه. قال:"أَقِمْ أَنْتَ". ولأنَّهُ يَحْصُلُ المَقْصُودُ منه. فأشْبَهَ ما لو تولَّاهما معًا. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، في حديثِ زيادِ بنِ الحارِثِ الصُّدَائِىّ:"إنَّ أخَا صُدَاءَ أَذَّنَ، وَمَنْ أذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ"(17). ولِأنَّهما فِعْلَانِ مِن الذِّكْرِ، يَتَقَدَّمَانِ الصلاةَ، فيُسَنُّ أنْ يَتَوَلَّاهُمَا واحدٌ، كالخُطْبَتَيْن، وما ذَكَرُوه يَدُلُّ على الجَوازِ، وهذا على الاسْتِحْبَابِ، فإنْ سَبَقَ المُؤَذِّنُ بالأذانِ، فأرادَ المُؤَذِّنُ أنْ يُقِيمَ، فقال أحمد: لو أعادَ الأذانَ كما صَنَعَ أبو مَحْذُورَةَ، كما رَوَى عبدُ العزيز بنُ رُفَيْعٍ (18)، قال: رأيْتُ رَجُلًا أذَّنَ قبلَ أبي مَحْذُورَةَ قالَ؛ فجاءَ أبو مَحْذُورَةَ، فأذَّنَ، ثم أقام. أخرجهُ الأَثْرَمُ. فإنْ أقامَ مِنْ غيرِ إعادَةٍ فلا بأْسَ، وبذلكَ قال مالكٌ، والشافعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصحابُ الرَّأْىِ؛ لِمَا ذَكَرُوا (19) مِنْ حديث عبدِ اللهِ بْنِ زيدٍ.
فصل: ويُسْتَحَبُّ أنْ يُقِيمَ في موضِعِ أَذَانِهِ. قال أحمدُ: أحَبُّ إلىَّ أنْ يُقيمَ في مكانِه، ولم يَبْلُغْنِى فيه شيءٌ إلَّا حديثُ بلالٍ:"لَا تَسْبِقْنِى بآمِينَ"(20). يَعْنِى لو كان يُقِيمُ في موضِعِ صلاته، لما خافَ أنْ يسبِقَهُ بِالتَّأْمِينِ؛ لأن النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا كان يُكَبِّرُ بعدَ فَرَاغِهِ من الإِقامةِ، ولأنَّ الإِقامةَ شُرِعَتْ للإِعْلَامِ، فَشُرِعَتْ في
(16) في: باب في الرجل يؤذن ويقيم آخر، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 122.
(17)
تقدم في صفحة 64.
(18)
بضم أوله وفتح الفاء، وهو أبو عبد اللَّه الأسدى المكي، تابعى، ثقة، توفى سنة ثلاثين ومائة. تهذيب التهذيب 6/ 337، 338.
(19)
في م: "ذكروه".
(20)
أخرجه أبو داود، في: باب التأمين وراء الإمام، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 215. والإِمام أحمد، في: المسند 6/ 12، 15.