الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اشْتُرِطَ للفرْضِ اشْتُرِطَ لِلنَّفْلِ، كالطَّهارَةِ. ونَصُّ أحمدَ (22)، في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: أنَّه (23) يُجْزِئُهُ أنْ يَأْتَزِرَ بالثَّوْبِ الواحدِ، ليس على عاتِقِهِ منهُ شيءٌ، في التَّطَوُّعِ؛ لأنَّ النافِلةَ (24) مَبْنَاهَا على التَّخْفِيفِ. ولذلِكَ يُسَامَحُ [فيه بتَرْكِ القِيامِ، والاسْتقبال قى حال سَيْرِه، فسُومِح مَن يَتركُ القيامَ](25) بهذا المِقْدَارِ. واسْتَدَلَّ أبو بَكرٍ على ذلِكَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إذَا كَانَ الثَّوْبُ ضَيِّقًا فاشْدُدْهُ عَلَى حَقْوِكَ (26) ". قال: هذا في التَّطَوُّعِ، وحديثُ أبي هُرَيْرةَ في الفَرْضِ.
192 - مسألة؛ قال: (ومَنْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ وَاحِدٌ بَعْضُهُ عَلَى عَاتِقِهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ)
[وجُمْلَةُ ذلك](1) أَنَّ الكلامَ في اللباسِ في أربعةِ فُصُولٍ؛ الفصلُ الأولُ، فيما يُجْزِىءُ [في الصَّلاةِ](2). والثانِي، في الفَضِيلَةِ. والثالثُ، فيما يُكْرَهُ. والرابعُ، فيما يَحْرُمُ.
أمَّا الأولُ [فإنَّه يُجْزِئُه منه ما ستر عَوْرَتَه، إذا كان على عاتِقِهِ شيءٌ مِن اللِّباسِ، سواءٌ كان من الثَّوْبِ الذي ستر به عَوْرتَه، أو مِن غيرِه؛ لما ذكرْنا، و](3) لِما رَوَى
(22) في م زيادة: "أنه يجزئه في التطوع فإنه قال".
(23)
سقط من: م.
(24)
سقط من: الأصل.
(25)
في م: "فيها".
(26)
أخرجه البخاري، في: باب إذا كان الثوب ضيقا، من كتاب الصلاة. صحيح البخاري 1/ 101. ومسلم، في: باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر، من كتاب الزهد. صحيح مسلم 4/ 2307، 2308. وأبو داود، في: باب إذا كان الثوب ضيقا يتزر به، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 148. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 335.
والحقو: موضع شد الإِزار، وهو الخاصرة.
(1)
سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: "فإنه يجزىء ثوب واحد يستر به عورته، وبعضه أو غيره على عاتقه".
عمرُ بنُ أبي (4) سَلَمةَ: أنَّهُ رَأَى رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى فِي ثوبٍ واحِدٍ، في بيتِ أمِّ سَلَمَة قد أَلْقَى طَرَفَيْهِ على عَاتِقَيْه. مُتَّفَقٌ عليهِ (5)، وعَنْ جابرٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إذَا كَانَ الثَّوْبُ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ، وَإذَا كَانَ ضَيِّقًا [فَائْتَزِرْ بِهِ] (6) " رَوَاهُ البخارِيُّ، وغيرُهُ (7). وعَنْ أبِى هُريْرَةَ رضىَ اللهُ عَنْهُ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن الصَّلاةِ في ثَوْبٍ واحدٍ؟ فَقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَوَ لِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ؟ ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمالِكٌ في "مُوَطَّئِهِ"(8)، [وصَلَّى جَابرٌ في قَميصٍ لَيْسَ عليه رِداءٌ، فَلمَّا انْصَرَفَ قال](9): إنِّي (10) رَأيْتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى في قَمِيصٍ. رَوَاهُ أَبُو داود (11).
(4) سقط من: م.
(5)
أخرجه البخاري، في: باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به، من كتاب الصلاة. صحيح البخاري 1/ 100. ومسلم، في: باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 368. كما أخرجه النسائي، في: باب الصلاة في الثوب الواحد، من كتاب القبلة. المجتبى 2/ 54. وابن ماجه، في: باب الصلاة في الثوب الواحد، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 333. والإِمام مالك، في: باب الرخصة في الصلاة في الثوب الواحد، من كتاب الجماعة. الموطأ 1/ 140. والإِمام أحمد، في: المسند 4/ 26، 27.
(6)
في الأصل: "فاشدده على حقوك". وفى لفظ: "فاتزر به".
(7)
سقط من: الأصل. وتقدم تخريج الحديث قريبا.
(8)
في الأصل أنه متفق عليه.
وأخرجه البخاري، في: باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به، وباب الصلاة في القميص والسراويل والتبان والقباء، من كتاب الصلاة. صحيح البخاري 1/ 100، 102. ومسلم، في: باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 367، 368. وأبو داود، في: باب جُمَّاع أثواب ما يصلَّى به، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 146. والنسائي، في: باب الصلاة في الثوب الواحد، من كتاب القبلة. المجتبى 2/ 54. وابن ماجه، في: باب الصلاة في الثوب الواحد، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 333. والإِمام مالك، في: باب الرخصة في الصلاة في الثوب الواحد، من كتاب الجماعة. الموطأ 1/ 140. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 266، 285، 345.
(9)
في الأصل: "وعنه قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلى في ثوب واحد متوشحا به. متفق عليه". وتقدم هذا في صفحة 291.
(10)
في الأصل: "وقال".
(11)
في: باب في الرجل يصلى في قميص واحد، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 147.
الفَصْل الثاني في الفَضِيلَةِ، وهو أنْ يُصَلِّى فِي ثوبينِ أوْ أكثرَ. [فإنَّه إذًا أَبْلغُ في السَّتْرِ](12). [لما رُوِىَ](13) عن عمرَ رضىَ اللهُ عنه، أنَّهُ قال:"إذا أَوْسَعَ اللهُ فأَوْسِعُوا، جَمَعَ رَجُلٌ عليهِ ثِيَابَهُ، صَلَّى رَجُلٌ في إزَارٍ ورِدَاءٍ (14) في إزَارٍ وقَمِيصٍ، في إزَارٍ وقَبَاءِ، في سَرَاوِيلَ ورِدَاءٍ، في سَرَاوِيلَ وقَمِيصٍ، في سَرَاوِيلَ وقَبَاءٍ، في تُبَّانٍ (15) وقَمِيصٍ (16). وَرَوَى أبو دَاوُد (17) عن ابْنِ (18) عمرَ قال: قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَو قَالَ: قال (18) عُمَرُ: "إذَا كَانَ لِأَحَدِكُمْ ثَوْبَانِ فَلْيُصَلِّ فيهمَا، فَانْ لَمْ يَكُنْ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَلْيَتَّزِرْ بِهِ، وَلَا يَشْتَمِلِ اشْتِمَالَ اليَهُودِ". [قالَ التَّمِيمِيُّ: الثوبُ الواحدُ يُجْزِئُ، والثَّوْبَانِ أحْسنُ، والأَرْبَعُ أَكْمَلُ؛ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وعِمَامَةٌ وَإِزَارٌ. وَرَوَى ابْنُ عبدِ البر] (19) عن ابنِ (20) عمرَ: أنَّه رَأَى نَافِعًا يُصَلِّى في ثوبٍ واحِدٍ، قال: أَلم تَكْتَسِ ثَوْبَيْنِ؟ قُلْتُ: بلَى. قالَ: فلو أُرْسِلْتَ إلى (21) الدَّارِ، أكُنْتَ تذهبُ في ثَوْبٍ واحِدٍ؟ قُلْتُ لا. قال: فاللهُ أحقُّ أن تَتَزَيَّن (22) له أو النَّاسُ؟ قُلْتُ: بلِ اللهُ. وقالَ القاضي: وذلكَ في الإِمام آكَدُ منهُ في غيرِه؛ لأنَّه بين يَدَىِ المَأْمومِينَ، وتَتَعَلَّقُ صلاتُهُمْ بصلاتِهِ. فإنْ لم يكنْ إلَّا ثوبٌ واحدٌ فالقَمِيصُ
(12) سقط من: الأصل.
(13)
في م: "روى".
(14)
في م: "وبرد".
(15)
التبان: شبه السراويل.
(16)
أخرجه البخاري، في: باب الصلاة في القميص والسراويل والتبان والقباء، من كتاب الصلاة. صحيح البخاري 1/ 102.
(17)
في: باب إذا كان الثوب ضيقا يتزر به، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 148.
(18)
سقط من: م.
(19)
في الأصل مكانه: "وروى".
(20)
سقط من: م.
(21)
في م: "في".
(22)
في م: "يزين".
أوْلَى (23)؛ لأنَّه أعَمُّ في السَّتْرِ، فإنَّه يَسْتُرُ جَمِيعَ الجسدِ إلَّا الرَّأْسَ والرِّجْلَيْنِ، ثم الرِّدَاءُ؛ لأنَّه يَلِيه في السَّتْرِ، ثم المِئْزَرُ أو (24) السَّرَاوِيلُ. ولا يُجْزِىءُ مِن ذلكَ كُلِّهِ (25) إلَّا ما سَتَرَ العورةَ عن غيرِهِ وعن نَفْسِهِ، فلو صَلَّى في قَمِيصٍ وَاسِعِ الجَيْبِ بِحَيْثُ لو رَكَعَ أو سَجَدَ رَأَى عورتَهُ، أو كانتْ بِحَيْثُ يراها، لم تَصِحَّ صلاتُهُ، ودَلَّ على ذلكَ حديثُ سَلَمةَ بنِ الأكْوَعِ [أنَّه قالَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم] (26): أُصَلِّى في القَمِيصِ الوَاحِدِ (27)؟ قالَ: "نَعَمْ، وَازْرُرْهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ"(28). قال الأَثْرَمُ: سُئِلَ أحمدُ عنِ الرَّجُلِ يُصَلِّى في القَمِيص الواحدِ غيرَ مَزْرُورٍ عليه؟ قال: يَنْبَغِى أنْ يَزُرَّهُ. قيل له: فإنْ كانتْ لحْيَتُهُ تُغَطِّيهِ، ولم يَكُنْ مُتَّسِعَ الجَيْبِ؟ قال: إنْ كانَ يَسِيرًا فجَائِزٌ. فعلَى هذا مَتَى ظَهَرَتْ عَوْزلُه له أو لغَيْرِهِ فَسَدَتْ صلاتُهُ. فإنْ لمْ تظهَرْ لكَوْنِ جَيْبِ القَمِيصِ ضَيِّقًا، أو شَدَّ وسَطَهُ بِمِئْزَرٍ أو حَبْلٍ فوقَ الثَّوبِ، أو كانَ ذا لِحْيَةٍ تَسدُّ الجَيْبَ فَتَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ، أو شدَّ إزَارَهُ، أوْ ألْقَى على جَيْبهِ رَداءً أو خِرْقَةً، فَاسْتَتَرَتْ عورتُهُ، أجزأَهُ ذلك. وهذا مذهبُ الشافعيِّ.
الفصلُ الثالثُ، فِيمَا يُكْرَهُ؛ يُكْرَهُ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ؛ لِما رَوَى البخارِيُّ (29)،
(23) سقط من: م.
(24)
في م: "ثم".
(25)
سقط من: الأصل.
(26)
في الأصل: "حيث قال له".
(27)
سقط من: الأصل.
(28)
تقدم في صفحة 284.
ومن بعد هذا إلى آخر الفصل الثاني جاء في الأصل: "فإن كان ذا لحية كبيرة تغطى الجيب، فتستر عورته، صحت صلاته. نص عليه أحمد؛ لأن عورته مستورة. وهذا مذهب الشافعي". وسيرد في: م.
(29)
في: باب ما يستر العورة، من كتاب الصلاة، وفى: باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس، من كتاب المواقيت، وفى: باب صوم يوم الفطر، من كتاب الصوم، وفى: باب بيع الملامسة، من كتاب البيوع، وفى: باب اشتمال الصماء، وباب الاحتباء في ثوب واحد، من كتاب اللباس. صحيح البخاري 1/ 102، 103، 152، 3/ 55، 91، 7/ 190، 191. كما أخرجه أبو داود، في: باب صوم العيدين، من كتاب الصوم، وفى: باب في بيع الغرر، من كتاب البيوع، وفى: باب في لبسة الصماء، =
عن أبِى هُرَيْرة، وأبي سَعيدٍ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه نَهَى عن لِبْسَتَيْنِ: اشْتِمَالَ الصَّمَّاءِ، وأنْ يَحْتَبِىَ الرَّجُلُ بِثَوْبٍ ليسَ بين فَرْجِهِ وبين السَّماءِ شيءٌ. واخْتُلِفَ في تَفْسِيرِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، فقال بعضُ أصحابِنا: هو أنْ يَضْطَبِعَ بالثَّوْبِ ليس عليهِ غيرُه، ومعنى الاضْطِبَاعِ: أنْ يَضَعَ وسَطَ الرِّدَاءِ تحت عاتِقِهِ الأيْمَن، ويَجْعلَ (30) طَرَفَيْهِ على مَنْكِبِهِ الأَيْسَرِ، فيبْقَى مَنْكِبُهُ الأيْمَنُ مَكْشُوفًا، [فكُره لذلك. وقد جاء تفسيرُ اشْتِمالِ الصَّمَّاءِ في حديثِ أبي سعيد بذلك، مِن روايةِ إسحاقَ، عن عبد الرزَّاق، عن مَعْمَرٍ، عن الزُّهْريِّ، عن - أظنُّه - (31) عطاء بن يزيدَ، عن أبي سعيدٍ، أنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن لِبْستَيْن؛ اشْتمالِ الصَّمَّاء، وهو أن يجعلَ وسط الرِّداءِ تحت مَنْكِبِه الأيْمَن، ويُردَّ طَرَفَه على مَنْكبِه الأيْسرِ](32). ورَوَى حَنْبَلٌ، عن أحمدَ [في اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ] (33): أنْ يَضْطَبِعَ الرَّجُلُ (34) بالثَّوْبِ ولا إزَارَ عليه. [فيَبْدُو منه شِقُّه وعورتُهُ](35)، أما إنْ كان عليهِ إزارٌ فَتِلْكَ لِبْسَةُ المُحْرِمِ، فلو كانَ لا يُجْزِئُه لم يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (36). ورَوَى أبو بكرٍ، بإسْنَادِهِ عن ابْنِ مسعودٍ، قال: نَهَى رسولُ اللهِ أَنْ يَلْبَسَ الرَّجُلُ ثَوْبًا واحدًا، يَأْخُذُ بجَوَانِبِه عن مَنْكِبِه، فَيُدْعَى تلكَ الصَّمَّاء. وقالَ بعضُ أصحابِ الشافعيِّ:
= من كتاب اللباس. سنن أبي داود 1/ 563، 2/ 228، 337. والترمذي، في: باب ما جاء في النهى عن اشتمال الصماء والاحتباء في الثوب الواحد، من أبواب اللباس. عارضة الأحوذى 7/ 261. والنسائي، في: باب النهى عن اشتمال الصماء، من كتاب الزينة. المجتبى 8/ 185. وابن ماجه، في: باب ما نهى عنه من اللباس، من كتاب اللباس. سنن ابن ماجه 2/ 1179. والدارمى، في: باب النهى عن اشتمال الصماء، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 319. والإمام مالك، في: باب ما جاء في لبس الثياب، من كتاب اللباس. الموطأ 2/ 917. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 319، 380، 419، 432، 464، 475، 478، 491، 496، 503، 510، 529، 3/ 6، 13، 46، 66، 95، 96.
(30)
سقطت "يجعل" من: م.
(31)
انظر: تحفة الأشراف 3/ 393.
(32)
سقط من: م.
(33)
في الأصل: "أنه يكره".
(34)
سقط من: م.
(35)
في الأصل: "فيبدو منه عورته"، وفي م:"فيبدو شقه وعورته".
(36)
في الأصل بعد هذا: "فعلى هذا يكون محرما؛ لأن كشف العورة محرم".
هو أنْ يلْتَحِفَ بالثَّوْبِ، ثم يُخْرِجَ يدَيْه منْ قِبَلِ صدرِهِ، [فتبْدُو عَوْرتُه] (37). وقال أبو عُبَيْدٍ:(38) اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ، عند العَرَبِ: أنْ يَشْتَمِلَ الرَّجُلُ بثوبِهِ (39)، يُجَلِّلُ بهِ جَسَدَهُ كلَّهُ، ولَا يرفَعُ منهُ جَانِبًا يُخْرِجُ (40) منهُ يَدَهُ. كأنَّهُ (41) يَذْهَبُ بهِ إلى أنه لَعَلَّهُ يُصِيبُهُ شيءٌ يُرِيدُ الاحْتِرَاسَ منهُ. فلا يَقْدِرُ عليه. وتَفْسِيرُ الفُقَهَاءِ (42)، أنْ يَشْتَمِلَ بثَوْبٍ واحِدٍ ليس عليهِ غيرُهُ، ثم يَرْفَعَهُ مِن أحدِ جانِبَيْهِ، فَيَضَعَه على مَنْكِبَيْه، فَيَبْدُو منه فَرْجُه، وَالفُقَهَاءُ أعْلَمُ بالتَّأْوِيلِ. [فعلى هذا التَّفْسِيرِ يَكونُ النَّهْىُ للتَّحْرِيمِ، وتَفْسُدُ الصلاةُ معهُ](43).
ويُكْرَهُ السَّدْلُ، وهو أنْ يُلْقِىَ طَرَفَ الرِّدَاءِ مِن الجانِبَيْنِ، ولا يَرُدَّ أحَدَ طَرَفَيْهِ عَلى الكَتِفِ الأُخْرَى، ولا يَضُمَّ الطَّرَفَيْنِ بيدَيْه. [وكَرِهَ السَّدْلَ](44) ابْنُ مسعودٍ، والنَّخَعِيُّ، والثَّوْرِيُّ، والشافعيُّ، ومُجَاهِدٌ، وعطاءٌ. ورُوِىَ (45) عن جابرٍ، وابْنِ عمرَ، الرُّخْصَةُ فيهِ (46)، وعن مَكْحُولٍ، والزُّهْرِيِّ، وعُبيدِ اللَّه بنِ الحسنِ [بنِ الحُصَيْنِ] (47): أنهمْ فَعَلُوهُ، وعن الحسنِ وابْنِ سِيرِينَ، [أنَّهما كانا يَسْدُلان فوقَ قَمِيصِهمَا](48)، وقالَ ابْنُ المُنْذرِ: لا أَعْلَمُ فيهِ حديثًا يَثْبُتُ. وقد رُوِىَ عن أبِى
(37) سقط من: م.
(38)
غريب الحديث 2/ 118، 119 نقلا عن الأصمعي.
(39)
في الأصل: "بثوب".
(40)
في غريب الحديث: "فيخرج".
(41)
كأنه: أي الأصمعي. وهذا تعقيب أبي عبيد على كلامه السابق.
(42)
هذا أيضًا من كلام أبي عبيد.
(43)
في الأصل: "وعلى هذا تفسير أصحاب الشافعي. وقد روى عن أحمد أنَّه يُكرهُ اشتمال الصماء، وإن كان عليه ثوب آخر؛ لعموم النهي".
(44)
في الأصل: "وهذا قول".
(45)
سقطت "روى" من: م.
(46)
بعد هذا في الأصل: "وعن الحسن وابن سيرين".
(47)
سقط من: الأصل. وفي م: "بن الحسين" مكان: "بن الحصين".
وهو عبيد اللَّه بن الحسن بن الحصين العنبري القاضي، من فقهاء التابعين بالبصرة. توفى سنة ثمان وستين ومائة. طبقات الفقهاء للشيرازي 91، تهذيب التهذيب 7/ 7 - 9.
(48)
سقط من: الأصل.
هُرَيْرةَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن السَّدْلِ في الصَّلاةِ، وأنْ يُغَطِّى الرَّجُلُ فاهُ. رَوَاهُ أبو داوُد (49)، مِنْ طرِيقِ عَطَاءٍ. ثم رَوَى عن ابْنِ جُرَيْجٍ، أنَّه قال: أكثرُ ما رَأَيْتُ عطاءً يُصَلِّى سَادِلًا.
ويُكْرَهُ إسْبَالُ القمِيصِ والإِزارِ والسَّراوِيلِ (50)؛ [لأنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمر بَرفْعِ الإِزارِ. فإنْ فعلَ ذلك](51) على [وجْهِ الخُيَلاءِ](52) حَرُمَ (53)، لِأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ". مُتَّفَقٌ عليهِ (54). ورَوَى أبو داوُد (55)، عن ابْنِ مسعودٍ، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَنْ أَسْبَلَ إزَارَهُ فِي صَلَاتِهِ خُيَلَاءَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّه جَلَّ ذِكْرُهُ في حِلٍّ وَلَا حَرَامٍ".
ويُكْرَهُ أنْ يُغَطِّىَ الرَّجُلُ وَجْهَهُ أوْ فَمَهُ (56). لِما ذَكَرْنَا مِن حديثِ أبي هُريْرةَ:
(49) في: باب ما جاء في السدل في الصلاة، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 150. كما أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في كراهية السدل في الصلاة، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 170. والدارمي، في: باب النهي عن السدل في الصلاة، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 320. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 295، 341، 345، 348.
(50)
في م: "والسراويلات".
(51)
سقط من: م.
(52)
سقط من: الأصل.
(53)
سقط من: م.
(54)
أخرجه البخاري، في: باب قول اللَّه تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} ، وباب من جرّ إزاره من غير خيلاء، وباب من جر ثوبه من خيلاء، من كتاب اللباس. صحيح البخاري 7/ 182، 183، 184. ومسلم، في: باب تحريم جر الثوب خيلاء. . . إلخ، من كتاب اللباس. صحيح مسلم 3/ 1651، 1652، 1653، كما أخرجه أبو داود، في: باب ما جاء في إسبال الإِزار، من كتاب اللباس. سنن أبي داود 2/ 378. والترمذي، في: باب ما جاء في كراهية جرِّ الإِزار، وباب ما جاء في جر ذيول النساء، من أبواب اللباس. عارضة الأحوذى 7/ 236، 239. وابن ماجه، في: باب من جر ثوبه من الخيلاء، وباب طول القميص كم هو، من كتاب اللباس. سنن ابن ماجه 2/ 1181، 1184. والإِمام مالك، في: باب ما جاء في إسبال الرجل ثوبه، من كتاب اللبس. الموطأ 2/ 914. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 5، 33، 42، 44، 46، 55، 56، 60، 67، 74، 76، 81، 101، 103، 104، 128، 131، 136، 156، 2/ 10، 65، 69.
(55)
في: باب الإسبال في الصلاة، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 148.
(56)
في الأصل: "الوجه والفم والأنف".
أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى [عن السَّدْل في الصلاة، و](57) أنْ يُغَطِّى الرَّجُلُ فَاهُ.
[وهل يُكْرَهُ التَّلَثُّمُ على الأنْفِ؟ على رِوَايَتَيْنِ: إحداهُما، يُكْرَهُ؛ لأنَّ ابْنَ عمرَ كرِهَهُ. والأُخْرَى، لا يُكْرَهُ؛ لأنَّ تَخْصِيصَ الفمِ بالنَّهْىِ عن تَغْطِيَتِهِ تَدُلُّ على إبَاحَةِ تغطِيَةِ غيرِه.](58)
وتُكْرَهُ الصلاةُ في الثَّوْبِ المُزَعْفَرِ للرَّجُلِ، وكذلِك المُعَصْفَرِ؛ لأن البُخارِيَّ ومُسْلِمًا (59) رَوَيَا، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نهى الرَّجُلَ عن التَّزَعْفُرِ. ورَوَى مُسْلِمٌ (60)، عن عَلِيٍّ، رَضِىَ اللهُ عنهُ، قال: نَهَانِى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عن لِبَاسِ المُعَصْفَرِ". وقالَ عبدُ اللَّه بنُ عمرٍو: رأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَليَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فقال: "إنَّ هَذَا مِنْ ثِيَابِ
(57) سقط من: م.
(58)
في الأصل: "وكره ابن عمر تغطية الأنف، ويكره شد الوسط بما يشبه الزنار".
(59)
أخرجه البخاري، في: باب التزعفر للرجال، من كتاب اللباس. صحيح البخاري 7/ 197. ولم نجد عند مسلم حديثا في التزعفر، وإنما يأتي حديثه في المعصفر. وأخرج حديث التزعفر أيضًا أبو داود، في: باب في الخلوق للرجال، من كتاب الترجل. سنن أبي داود 2/ 398. والنسائي، في: باب التزعفر، من كتاب الزينة. المجتبى 8/ 165. والترمذي، في: باب ما جاء في كراهية التزعفر والخلوق للرجال، من أبواب الأدب. عارضة الأحوذي 10/ 257.
(60)
في م: "السلم".
وأخرجه مسلم، في: باب النهي عن لبس الرجل الثوب المعصفر، من كتاب اللباس. صحيح مسلم 3/ 1648. كما أخرجه أبو داود، في: باب من كره لبس الحرير، من كتاب اللباس. سنن أبي داود 2/ 370. والترمذي، في: باب ما جاء في النهي عن القراءة في الركوع، من أبواب الصلاة، وفى: باب ما جاء في كراهية المعصفر للرجال، وباب ما جاء في كراهية خاتم الذهب، من أبواب اللباس. عارضة الأحوذى 2/ 65، 7/ 228، 224، 245. والنسائي، في: باب النهى عن القراءة في الركوع، وباب النهى عن القراءة في السجود، من كتاب التطبيق، وفى: باب خاتم الذهب، وباب النهى عن لبس خاتم الذهب، وباب ذكر النهى عن لبس المعصفر، من كتاب الزينة. المجتبى 2/ 147، 171، 8/ 147، 167، 179. وابن ماجه، في: باب كراهية المعصفر للرجال، من كتاب اللباس. سنن ابن ماجه 2/ 1191. والإِمام أحمد، في: المسند 1/ 81، 92، 105، 114، 123، 126، 132.
الكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهُمَا" (61). وَرَوَى أبو بكرٍ، (62) بإسْنَادِهِ عن عِمْران بن الحُصَيْن، أنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "لَا أَرْكَبُ الأُرْجُوَانَ (63)، وَلَا أَلْبَسُ المُعَصْفَرَ". فأمَّا شَدُّ الوَسَطِ في الصَّلاةِ، فإنْ كانَ بمِنْطَقَةٍ أو مِئْزَرٍ أوْ ثَوْبٍ أو شَدِّ قَبَاءٍ، فلا يُكْرَهُ، روَايَةً واحدةً، قال أبو طالِبٍ: سألتُ أحمدَ عن الرَّجُلِ يُصَلِّى وعليه قميصٌ يأْتَزِرُ بالمِنْدِيلِ فَوْقَه (64)؟ قالَ: نعَمْ، فَعَلَ (65) ذلكَ ابْنُ عمرَ. وإنْ كانَ بِخَيْطٍ أوْ حبْلٍ مع سُرَّتِهِ وفَوْقَها فهل يُكْرَهُ؟ على رِوَايَتَيْنِ. إحْدَاهُما، يُكْرَهُ؛ لِما فيه مِن التَّشَبُّهِ بأهلِ الكتابِ، وقد نهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عن التشَبُّهِ بهم، وقالَ: "لَا تَشْتَمِلُوا اشْتِمَالَ اليَهُودِ". رَوَاهُ أبو داوُد (66). والرِّوايَةُ الأخرَى، قال أحمدُ (67): لا بأْسَ، أليْس قد رُوِىَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه (67) قال: "لَا يُصَلِّى أحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ مُحْتَزِمٌ (68)". وقال عليُّ (69) بنُ سعيدٍ: سألْتُ أحمدَ، عن حديثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُصَلِّى أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ مُحْتَزِمٌ". قال: كأَنَّهُ منْ شَدِّ الوَسَط. ورَوَى الخلَّالُ، بِإسْنَادِهِ عن الشَّعْبِيِّ، قال: كانَ يُقَالُ: شُدَّ حَقْوَكَ فِي الصَّلَاةِ ولَوْ
(61) أخرجه مسلم، في: باب النهي عن لبس الرجل الثوب المعصفر، من كتاب اللباس. صحيح مسلم 3/ 1647. والنسائي، في: باب ذكر النهي عن لبس المعصفر، من كتاب الزينة. المجتبى 8/ 179. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 62، 164، 193، 207، 211.
(62)
وأخرجه أيضًا أبو داود، في: باب من كره لبس الحرير، من كتاب اللباس. سنن أبي داود 2/ 370. والإِمام أحمد، في: المسند 4/ 442.
(63)
الأرجوان: الأحمر.
(64)
سقط من: م.
(65)
في م: "قد نقل".
(66)
تقدم في صفحة 294.
(67)
سقط من: م.
(68)
أخرجه كل من أبي داود، في: باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 227. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 387، 458، 472، بلفظ: نهى أن يصلى الرجل بغير حزام.
(69)
سقط من: م.
بِعِقَالٍ" وعن يَزِيدَ بنِ الأصَمِّ (70) مِثْلُه.
وأمَّا الصَّلاةُ في الثَّوْبِ الأحْمَرِ، فقال أصحابُنَا: يُكْرَهُ لِلرِّجَالِ لُبْسُه، والصلاةُ فيه. وقدِ اشْتَرَى عمرُ ثوبًا، فَرَأَى فيهِ خيطًا أحْمَرَ، فرَدَّهُ، وقد رَوَى أبو جُحَيْفَةَ، قال: خرجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حُلَّةٍ حَمْرَاءَ، ثم رُكِزَتْ له عَنَزَةٌ (71)، فَتَقَدَّمَ وصلَّى الظهرَ. وقالَ البراءُ: ما رَأَيْتُ مِن ذِى لِمَّةٍ في حُلَّةٍ حَمْرَاءَ أحْسَنَ مِنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُتَّفَقٌ عليهِمَا (72)، ورَوَى أبو داوُد (73)، كن هِلَالِ بنِ عَامِرٍ، قالَ: رأيْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ على بَغْلَةٍ وعليهِ بُرْدٌ أحمرُ، وعَلِيٌّ أمَامَهُ يُعَبِّرُ عنه (74). ووَجْهُ كَراهَةِ ذلكَ، ما رَوَى أبو داوُد (75)، بإسْنَادِهِ عن عَبدِ اللهِ بنِ عمرٍو، قال: دخَلَ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ عليهِ بُرْدَانِ أحْمرانِ، فَسَلَّمَ، فلم يَرُدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. وبإسْنَادِهِ (76) عن رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ قال: خرَجْنا مع رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ، فَرَأى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على روَاحِلِنَا أكْسِيَةً فيها خُيُوطُ عِهْنٍ (77)
(70) يزيد بن الأصم العامري، ابن خالة عبد اللَّه بن عباس، نزل الرقة، وتوفي سنة ثلاث ومائة. العبر 1/ 126.
(71)
العنزة: عصا أقصر من الرمح، لها زُجٌّ من أسفلها.
(72)
الأول أخرجه البخاري، في: باب الصلاة في الثوب الأحمر، من كتاب الصلاة، وفى: باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، من كتاب المناقب. صحيح البخاري 1/ 105، 4/ 231. ومسلم، في: باب سترة المصلى، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 360. والنسائي، في: باب الصلاة في الثياب الحمر، من كتاب القبلة. المجتبى 2/ 57. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 308، 309.
والثاني تقدم في الجزء الأول، صفحة 120.
(73)
في: باب في الرخصة في الحمرة، من كتاب اللباس. سنن أبي داود 2/ 375، 376. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 3/ 477.
(74)
أي يبلِّغ عنه الكلام إلى الناس لاجتماعهم وازدحامهم.
(75)
في: باب في الحمرة، من كتاب اللباس. سنن أبي داود 2/ 375. كما أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في كراهية لبس المعصفر للرجل والقسى، من أبواب الأدب. عارضة الأحوذي 10/ 250، 251.
(76)
أخرجه في الباب السابق. وأخرجه الإمام أحمد، في: المسند 3/ 463.
(77)
العهن: الصوف مطلقا، أو مصبوغا.