الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغَيْرِه ممن قال بالطَّهَارَةِ. وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: يُنْضَحُ الثَّوْبُ كُلّه. وبه قال النَّخَعِىُّ، وحَمَّادٌ. ونحوُه عن عائشةَ وعَطَاءٍ. وقال ابنُ عمرَ، وأبو هُرَيْرَةَ، والحسنُ: يُغْسَلُ الثَّوْبُ كُلُّه. ولَنا، أن فَرْكَهُ يُجْزِئُ إذا عُلِمَ مَكَانُه، فكذلك إذا خَفِىَ، وأمَّا النَّضْحُ فلا يُفِيدُ، فإنَّه لا يُطَهِّرُه إذا عُلِمَ مَكَانُه، فكذلك إذا خَفِىَ. وأمَّا إذا قُلْنا بالطَّهَارَةِ فلا يَجِبُ شيءٌ من ذلك، لكن يُسْتَحَبُّ، كحالِ العِلْمِ به.
فصل:
قال أحمدُ، رحمه الله: إنما يُفْرَكُ مَنِىُّ الرجُلِ، أمَّا مَنِىُّ المرْأةِ فلا يُفْرَكُ؛ لأنَّ الذي لِلرَّجُلِ ثَخِينٌ، والذي لِلْمَرْأةِ رَقِيقٌ. والمعنَى في هذا أن الفَرْكَ يُرَادُ لِلتَّخْفِيفِ، والرَّقِيقُ لا يَبْقَى له جِسْمٌ بعد جَفَافِه يَزُولُ بالفَرْكِ، فلا يُفِيدُ فيه شيئًا، فعلى هذا إنْ قُلْنا بِنَجَاسَتِه، فلا بُدَّ من غَسْلِه رَطْبًا كان أو يَابِسًا، كالبَوْلِ. وإن قُلْنا بِطهَارَتِه، اسْتُحِبَّ غَسْلُه، كما يُسْتَحَبُّ فَرْكُ مَنِىِّ الرَّجُلِ. وأمَّا الطَّهَارَةُ والنَّجَاسَةُ فلا يَفْتَرِقَانِ فيه؛ لأنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منهما مَنِىٌّ، هو بَدْءٌ لِخَلْقِ آدَمِىٍّ، خارِجٌ من السَّبِيلِ.
فصل: فأمَّا العَلَقَةُ، فقال ابنُ عَقِيل: فيها رِوَايَتَانِ، كالمَنِىِّ؛ لأنَّها بَدْءُ خَلْقِ آدَمِىٍّ. والصَّحِيحُ نَجَاسَتُها؛ لأنَّها دَمٌ، ولم يَرِدْ من الشَّرعِ فيها طَهَارَةٌ، وقِيَاسُها على المَنِىِّ مُمْتَنِعٌ، لِكَوْنِها دَمًا خَارِجًا من الَفرْجِ، فأَشْبَهَتْ دَمَ الحَيْضِ.
فصل: ومن أمْنَى وعلى فَرْجِهِ نَجَاسَةٌ نَجُسَ مَنِيُّه؛ لإصَابَتِه النَّجَاسَةَ، ولم يُعْفَ عن يَسِيرِه لذلك. وذكر القاضي في المَنِىِّ من الجِمَاعِ أنَّه نَجِسٌ؛ لأنَّه لا يَسْلَمُ من المَذْىِ. وقد ذَكَرْنَا فسادَ هذا. فإنَّ مَنِىَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّما كان من جِمَاعٍ، وهو الذي وَرَدَتِ الأخْبارُ بِفَرْكِه، والطَّهَارَةُ لِغَيْرِه إنَّما أُخِذَتْ من طَهَارَتهِ، واللهُ أعلمُ.
230 -
مسألة؛ قال: (وَالْبَوْلَةُ (1) عَلَى الْأرْضِ يُطَهِّرُها دَلْوٌ مِنْ مَاءٍ)
وجُمْلَةُ ذلك أنَّ الأرْضَ إذا تَنَجَّسَتْ بِنجاسةٍ مائِعَةٍ، كالبَوْلِ والخَمْرِ وغَيْرِهما. فطُهُورُها أن يَغْمُرَها بالماءِ، بحيثُ يَذْهَبُ لَوْنُ النَّجَاسةِ ورِيحُها. فما انْفَصَلَ عنها غيرَ
(1) في م: "والبول".
مُتَغَيِّرٍ بها فهو طَاهِرٌ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا تَطْهُر الأرْضُ حتَّى يَنْفَصِلَ الماءُ، فيكونُ المُنْفَصِلُ نَجِسًا؛ لأنَّ النَّجَاسَةَ انْتَقَلَتْ إليه، فكان نَجِسًا، كما لو وَرَدتْ عليه. ولَنا، ما رَوَى أَنَسٌ، قال: جاءَ أَعْرَابِيٌّ، فبَالَ في طائِفَةِ المَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ، فَنَهَاهُم النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فلما قَضَى بَوْلَه أمَرَ بِذَنُوبٍ من ماءٍ فَأُهْرِيقَ عليه. وفى لَفْظٍ: فَدَعَاهُ، فقال:"إنَّ الْمَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَىءٍ مِنْ هذَا الْبَوْلِ والْقَذَرِ، وإنَّما هِىَ لِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، والصَّلاةِ، وقِرَاءَةِ القُرآنِ". أو كما قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وأمَرَ رَجُلًا فجاءَ بِدَلْوٍ من ماءٍ، فَشَنَّهُ عليه. مُتَّفَقٌ عليه (2). ولولا أن المُنْفَصِلَ طَاهِرٌ لكان قد أمَرَ بِزِيادةِ تَنْجِيسِه؛ لأنَّه كان في مَوْضِعٍ فصارَ في مَوَاضِعَ، وإنَّما أرادَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم تَطْهِيرَ المَسْجِدِ. فإنْ قيل: فقد رُوِىَ عن ابْنِ مَعْقِلٍ (3)، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"خُذُوا مَا بَالَ عَلَيْهِ مِنَ التُّرابِ (4)، وأهْرِيقُوا علَى مَكَانِه ماءً"(5). ورَوَى أبو بكرٍ ابنِ عَيَّاشٍ، عن سَمْعانَ، عن أبي وائلٍ، عن عَبْدِ اللهِ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: فأَمَرَ به فحُفِرَ (6). قُلْنا: لَيْسَتْ هذه الزِّيَادَةُ في خَبَرٍ مُتَّصِلٍ، قاله الخطابِىُّ (7). وحديثُ ابنِ مَعْقِلٍ مُرْسَلٌ. قال أبو دَاوُدَ: ابنُ مَعْقِلٍ لم يُدْرِك النبىَّ صلى الله عليه وسلم. وحَدِيثُ سمْعَانَ مُنْكَرٌ. قالَه الإِمامُ أحمدُ (8). وقال: ما أعْرِفُ سمْعَانَ. ولأن البَلَّة الباقِيَةَ في المَحَلِّ بعد غَسْلِه طَاهِرَةٌ، وهى بعضُ المُنْفَصِلِ، فكذلك المُنْفَصِلُ. وقولُهم: إنَّ النَّجاسةَ انْتَقَلَتْ إليه. قُلْنا: بعد طَهَارَتِها، لأن الماءَ لو لم يُطَهِّرْهَا لَنَجُسَ بها حالَ مُلَاقَاتِه لها، ولو نَجُسَ بها لمَا طَهُرَ المَحَلُّ، ولَكان الباقِى منه في المَحَلِّ نَجِسًا. قال القاضي: إنَّما
(2) تقدم في 1/ 17، 18، 76.
(3)
في أ، م:"مغفل" خطأ.
(4)
في سنن أبي داود بعد هذا: "فألقوه".
(5)
أخرجه أبو داود، في: باب الأرض يصيبها البول، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 91.
(6)
أخرجه الدارقطني، في: باب في طهارة الأرض من البول، من كتاب الطهارة. سنن الدارقطني 1/ 132. وذكر ابن حجر، في تلخيص الحبير 1/ 37 أن الدارمي والدارقطني أخرجاه. وذكر الزيلعي، في نصب الراية 1/ 212 أن الدارقطني أخرجه. ولم نجده عند الدارمي.
(7)
معالم السنن 1/ 117.
(8)
سقط من: م.