الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَغِبِ الشَّفَقُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ (6)، وفي حديث أبي هُرَيْرَة، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وآخِرًا، وإنَّ أَوَّلَ وَقْتِ المَغْرِبِ حِينَ تَغْرُبُ (7) الشَّمْسُ، وإنَّ آخِرَ وَقْتِها حِينَ يَغِيبُ الأفُقُ". رَوَاهُ التِّرْمِذِىُّ (8). وهذه نُصُوصٌ صَحِيحَةٌ، لا يجُوزُ مُخَالَفَتُها بِشَىْءٍ مُحْتَمِل، ولأنها إحدى الصلواتِ، فكان لها وَقْتٌ مُتَّسعٌ كسائِرِ الصَّلَوَاتِ، ولِأنها إحدى صَلَاتَىْ جَمْعٍ، فكان وقْتُها مُتَّصِلًا بِوَقْتِ التي تُجْمَعُ إليها كالظُّهْرِ والعَصْرِ، ولأن ما قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وقتٌ لاسْتِدَامَتِها، فكان وقْتًا لابْتِدَائِها كأَوَّلِ وقْتِها. وأحادِيثُهُم مَحْمُولَةٌ على الاسْتِحْبَابِ والاخْتِيَارِ، وكراهةِ التَّأْخِيرِ، ولذلك قال الخِرَقِىُّ: "وَلَا يُسْتَحَبُّ تأْخِيرُها". فإن الأحَادِيثَ فيها تَأْكِيدٌ لِفِعْلِها في أَوَّلِ وقْتِها، وأقل أحْوَالِها تَأْكِيدُ الاسْتِحْبَابِ. وإن قُدِّرَ أن الأحاديث مُتَعَارِضَةٌ وجب حَمْلُ أَحَاديثِهِم على أنَّها مَنْسُوخَةٌ؛ لأنها في أَوَّلِ فَرْض الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ، وأحادِيثُنا بالمدينةِ مُتَأَخِّرَةٌ، فتكون نَاسِخَةً لِمَا قَبْلَها مِمَّا يُخَالِفُها، واللهُ أعْلَمُ.
115 - مسألة؛ قال: (فإذَا غَابَ الشَّفَقُ، وَهُوَ الحُمْرَة في السَّفَرِ، وفى الحَضَرِ البَيَاضُ؛ لأنَّ في الحَضَرِ قَدْ تَنْزِلُ الحُمْرَةُ فَتُوَارِيهَا الجُدْرَانُ، فَيُظَنُّ أنَّها قَدْ غَابَتْ، فإذا غَابَ البَيَاضُ فَقَدْ تُيُقِّنَ، وَوَجَبَتْ عِشَاءُ الآخِرَةِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ)
لا خِلَافَ في دُخُولِ وقتِ العِشَاءِ بِغَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ، وإنَّما اختَلفُوا في الشَّفَقِ ما هو؟ فمذْهَبُ إمامِنَا، رحمه الله، أن الشَّفَقَ الذي يَخْرُجُ به وقتُ المَغْرِبِ، ويَدْخُلُ به وقتُ العِشَاءِ، هو الحُمْرَةُ. وهذا قولُ ابْنِ عمرَ، وابْنِ عبَّاس، وعَطَاءٍ، ومُجَاهِدٍ، وسعيدِ بنِ جُبَيْر، والزُّهْرِىِّ، ومالكٍ، والثَّوْرِيِّ، وابْنِ أبي لَيْلَى، والشَّافِعِىِّ، وإسحاق، وصاحِبَىْ أبِى حنيفَة. وعن أَنَسٍ، وأبِى هُرَيْرَة:
(6) تقدم تخريج حديث عبد اللَّه بن عمرو صفحة 15.
(7)
في الأصل: "تغيب". والمثبت في: م، وسنن الترمذي.
(8)
تقدم تخريج الحديث في صفحة 15.
الشَّفَقُ البَيَاضُ. وَرُوِىَ ذلك عن عمرَ بن عبدِ العزيزِ. وبه قال الأوزَاعِيُّ، وأبو حنيفَة، وابن المُنْذِرِ؛ لأن النُّعْمَانَ بنَ بَشِيرٍ قال: أنا أعْلَمُ النَّاسِ بِوقت هذه الصَّلَاةِ صلاةِ العِشَاءِ، كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيها لِسُقُوطِ القمرِ لِثَالِثَةٍ (1). رَوَاهُ أبو داوُد (2)، وروى (3) عن أبي مسعُودٍ (4)، قال: رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى هذه الصلاةَ حين يَسْوَدُّ الأُفُقُ". ولَنا، ما روتْ عائشةُ، رضي الله عنها، قالتْ: أَعْتَمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالعِشَاءِ، حتَّى ناداهُ عُمَرُ بالصلاةِ: نامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فخرجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: "مَا يَنْتَظِرُهَا أحَدٌ غَيْرُكُمْ"، قالَ: وَلَا يُصَلَّى يومَئِذٍ إلَّا بالمدِينَةِ، وكان يُصَلُّونَ فيما بين أن يَغِيبَ الشَّفَقُ الأَوَّلُ إلى ثُلُثِ اللَّيْلِ (5). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (6). والشَّفَقُ الأوَّلُ هو الحُمْرَةُ. وقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "وَقْتُ المَغْرِب مَا لَمْ يَسْقُطْ فَوْرُ الشَّفَقِ". رَوَاهُ أبو دَاوُد (7)، ورُوِىَ "ثَوْرُ الشَّفَقِ". وفَوْرُ الشَّفَقَ: فَوَرَانُهُ وسُطُوعُهُ. وثَوْرُهُ: ثَوَرَانُ حُمْرَتِهِ، وإنما يَتناوَلُ هذا الحُمْرَةَ. وآخِرُ وقتِ المغرِبِ أَوَّلُ وقتِ العِشَاءِ. ورُوِىَ عَن ابن عُمَرَ، عن النَّبِيِّ
(1) في م: "الثالثة". ولثالثة: أي لليلة ثالثة من الشهر. عون المعبود 1/ 161.
(2)
في: باب في وقت العشاء الآخرة، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 99. كما أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 1/ 276. والنسائي، في: باب الشفق، من كتاب المواقيت. المجتبى 1/ 212. والدارمى، في: باب وقت العشاء، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 275. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 270، 272، 274.
(3)
في: باب المواقيت، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 94.
(4)
في النسخ: "ابن مسعود" تحريف. وهو أبو مسعود الأنصاري البدرى عقبة بن عمرو بن ثعلبة، المتوفى سنة إحدى أو اثنتين وأربعين. أسد الغابة 6/ 286، 287.
(5)
كذا أورده المؤلف، وفسره فيما يأتى. وفى صحيح البخاري 1/ 149:"الشفق إلى ثلث اليل الأول".
(6)
في: باب فضل العشاء، وباب النوم قبل العشاء لمن غلب، من كتاب المواقيت، وفى: باب خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس، من كتاب الأذان. صحيح البخاري 1/ 148، 149، 218. كما أخرجه النسائي، في: باب آخر وقت العشاء، من كتاب المواقيت. المجتبى 1/ 214. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 199، 215، 272.
(7)
وتقدم تخريجه في صفحة 15.
-صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الشَّفَقُ الحُمْرَةُ، فإذَا غَابَ الشَّفَقُ وَجَبَت العِشَاءُ". رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ (8). وما رَوَوْهُ لا حُجَّةَ لهم فيه، فقد كان النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يُؤَخِّرُ الصلاةَ عن أَوَّلِ الوقتِ قَلِيلًا، وهو الأفضَلُ والأوْلَى، ولهذا رُوِىَ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لِبلَالٍ:"اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِكَ وإقَامَتِكَ قَدْرَ ما يَفْرُغُ الآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ، والمُتَوَضِّىءُ مِنْ وُضُوئِهِ، والمُعْتَصِرُ إذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ"(9). إذا ثَبَتَ هذا، فإنه إن كان في مكانٍ يَظْهَرُ له الأُفُقُ، ويَبِينُ له مَغِيبُ الشَّفَقِ، فمتى ذهبت الحُمْرَةُ وغابت، دخل وقتُ العِشَاءِ، وإن كان في مكانٍ يَسْتَتِرُ عنه الأُفُقُ بِالجُدْرَانِ والجِبالِ، اسْتَظْهَرَ حتَّى يغيبَ البَياضُ، لِيَسْتَدِلَّ بِغَيْبَتِه على مَغِيبِ الحُمْرَةِ، فيَعْتِبرُ غَيْبَةَ البَيَاضِ، لِدَلَالَتِهِ على مَغِيبِ الحُمْرَةِ، لا لنفسِهِ.
116 -
مسألة؛ قال: (فإذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ذَهَبَ وَقْتُ (1) الاخْتِيَارِ، وَوَقْتُ الضَّرُورَةِ مُبْقًى إلَى أنْ يَطْلُعَ الفَجْرُ الثَّانِى، وَهُوَ البَيَاضُ الَّذِى يَبْدُو (2) مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ، فَيَنْتَشِرُ، وَلَا ظُلْمَةَ بَعْدَهُ).
اخْتَلَفَت الرِّوَايةُ فِي آخِرِ الاخْتِيَارِ، فَرُوِىَ عن أحمد: أنه ثُلُثُ اللَّيْلِ، نَصَّ عليه أحمدُ، في روَايَةِ الجماعةِ، وهو قولُ عمرَ بن الخَطَّابِ رضي الله عنه، وأبِى هُرَيْرَة، وعُمَرَ بن عبد العَزِيزِ، ومالكٍ؛ لأنَّ في حديثِ جِبْرِيلَ، أَنَّه صَلَّى بِالنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم في المَرَّةِ الثَّانِيةِ ثُلُثَ اللَّيْلِ، وقال:"الوَقْتُ فيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ"(3). وفى حديث بُرَيْدة، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم صلَّاهَا في اليَوْمِ الثَّانِى ثُلُثَ اللَّيْلِ (4). وعن عائشةَ
(8) في: باب صفة المغرب والصبح، من كتاب الصلاة. سنن الدارقطني 1/ 269.
(9)
أخرجه الترمذي، عن جابر بن عبد اللَّه، في: باب ما جاء في الترسل في الأذان، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 1/ 312. والإمام أحمد، عن أبيّ بن كعب، في: المسند 5/ 143.
(1)
سقط من: م.
(2)
في م: "يرى".
(3)
تقدم الحديث في صفحة 9.
(4)
تقدم الحديث في صفحة 10.
أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"صَلُّوا فِيمَا بَيْنَ أنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ"(5). [وفي حدِيثها الآخَر: وكَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ الأَوَّل إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ](6). ولأنَّ ثُلُثَ اللَّيْلِ يَجْمَعُ الرِّوَايَات، والزِّيَادَةُ تَعَارَضَتِ الأخبارُ فيها، فكان ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْلَى. والرِّوَايَةُ الثَّانِيةُ أن آخِرَهُ نِصْفُ اللَّيْل. وهو قولُ الثَّوْرِيِّ، وابنِ المُبَارَكِ، وأبِى ثَوْرٍ، وأصحابِ الرَّأْىِ، وأحدُ قَوْلَى الشَّافِعِىِّ، لِمَا رُوِىَ عن أنَسِ [بنِ مالكٍ] (7) قال: أخَّرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صلاةَ العِشَاءِ إلى نِصْفِ اللَّيْلِ. رَوَاهُ البُخَارِىُّ (8). وعن أبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْلَا ضَعْفُ الضَّعِيفِ، وسُقْمُ السَّقِيمِ، لَأَمَرْتُ بِهَذِهِ الصَّلَاة أنْ تُؤَخَّرَ إلَى شَطْرِ اللَّيْلِ"، رَوَاهُ أبو داوُد، والنَّسَائِىُّ (9). وفي حديث عبدِ اللهِ بنِ عمرو، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"وَقْتُ العِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ". رَوَاهُ أبو داوُد (10). والأوْلَى - إنْ شاء اللهُ تعالى - أَنْ لا يُؤَخِّرَهَا عن ثُلُثِ اللَّيْلِ، وإنْ أَخَّرها إلى نِصْفِ اللَّيْلِ جَازَ، وما بعد النِّصْفِ وقتُ ضَرُورَةٍ، الحُكْمُ فيه حُكْمُ
(5) لم نجد حديث عائشة هذا.
(6)
سقط من: الأصل. وتقدم هذا الحديث في صفحة 26.
(7)
سقط من: الأصل.
(8)
في: باب وقت الظهر عند الزوال، وباب ذكر العشاء والعتمة ومن رآه واسعا، وباب وقت العشاء إلى نصف الليل، من كتاب المواقيت، وفى: باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد، وباب يستقبل الإمام الناس إذا سلم، من كتاب الأذان، وفى: باب فص الخاتم، من كتاب اللباس. صحيح البخاري 1/ 143، 147، 150، 168، 214، 7/ 201. كما أخرجه مسلم، في: باب وقت العشاء وتأخيرها، من كتاب المساجد. صحيح مسلم 1/ 443. والنسائي، في: باب آخر وقت العشاء، من كتاب المواقيت، وفى: باب صفة خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، من كتاب الزينة. المجتبى 1/ 215، 8/ 152، وابن ماجه، في: باب وقت صلاة العشاء، من كتاب الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 226. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 182، 200، 267.
(9)
أخرجه أبو داود، في: باب في وقت العشاء الآخرة، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 100. والنسائي، في: باب آخر وقت العشاء، من كتاب المواقيت. المجتبى 1/ 215. كما أخرجه ابن ماجه، في: باب وقت صلاة العشاء، من كتاب الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 226. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 5.
(10)
تقدم تخريج حديث عبد اللَّه بن عمرو، في صفحة 15.