الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جاز
(1)
وإن رضى واشترط اليسار أو لم يرض فبان معسرا فله الرجوع على المحيل، ولا تصلح الحوالة بالمسلم فيه ولا عليه
(2)
.
باب الصلح وحكم الجوار
(3)
والصلح التوفيق والسلم
(4)
وهو معاقدة يتوصل بها إلى موافقة بين مختلفين، وهو أنواع، ومن أنواعه الصلح في الأموال، وهو المراد هنا، ولا يقع في الغالب إلا عن انحطاط من رتبة إلى ما دونها على سبيل المداراة لبلوغ بعض الغرض، وهو من أكبر العقود فائدة، ولذلك حسن فيه الكذب، ويكون بين المسلمين وأهل الحرب، وبين أهل البغي وأهل العدل، وبين الزوجين إذا خيف الشقاق بينهما أو خافت امرأة إعراض زوجها عنها وبين متخاصمين في غير مال، والصلح بين متخاصمين في الأموال قسمان: أحدهما: صلح على الإِقرار، ولا يصح الصلح ممن لا يملك التبرع وولي يتيم وناظر وقف ونحوهم إلا في حال الإِنكار ليعدم البينة، ويصح عما افى عى على موليه وبه بينة، فإن لم يكن به بينة لم يصح، وإن صالح عن الحق بأكثر منه من جنسه - مثل أن يصالح عن دية الخطأ أو عن قيمة متلف بأكثر من جنسها - لم يصح
(5)
وإن صالحه بعوض قيمته أكثر منها صح فيهما، ويصح عن المثلى بأكثر من قيمته، وإن كان بمنفعة كسكنى دار
(1)
(جاز) ذلك لأن ذلك يجوز في القرض فهنا أولى، لكن إن جرى على العوضين ربا النسيئة كما لو كان الدين المحال به من الموزونات بعوض فيه موزونًا من غير جنسه، أو كان مكيلًا فعوضه عنه مكيلًا من غير جنسه اشترط فيه التقابض بمجلس التعويض.
(2)
(ولا عليه) لأنها لا تصح إلا فيما يجوز أخذ العوض عنه، ولا يجوز ذلك في السلم لقوله عليه الصلاة والسلام "من أسلف في شئ فلا يصرفه إلى غيره".
(3)
(الجوار) وأصله الملازمة، لأن الجار يلزم جاره في السكنى.
(4)
(والسلم) بفتح السين كسرها أي قطع المنازعة، وهو جائز بالإِجماع، لقوله تعالى، وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما".
(5)
(لم يصح) الصلح، لأن الدية والقيمة تثبت في الذمة مقدرة فلم يجز أن يصالح منها بأكثر منها من جنسها إذ الزائد لا مقابل له فيكون حرامًا لأنه من أكل المال بالباطل.
وخدمة عبد أو على أن يعمل له عملًا معلومًا فإجارة تبطل بتلف الدار كسائر الإِجارات، وإن صالحت المرأة بتزويج
نفسها صح، وإن صالح عما في الذمة بشئ في الذمة لم يجز التفرق قبل القبض لأنه بيع دين بدين، ويصح الصلح عن المجهول بمعلوم إذا كان مما لا يمكن معرفته للحاجة نصًّا سواء كان عيًا أو دينًا، أو كان الجهل من الجانبين كصلح الزوجة عن صداقها الذي لا بينة لها به ولا علم لها ولا للورثة بمبلغه، وكذلك الرجلان بينهما معاملة وحساب قد مضى عليه زمن طويل ولا علم لكل منهما بما عليه لصاحبه أو ممن هو عليه لا علم له بقدره ولو علمه صاحب الحق ولا بينة له بنقد أي حال ونسيئة
(1)
فإن أمكن معرفته ولم تتعذر كتركة موجودة صولح بعض الوارثين عن ميراثه منها لم يصح الصلح
(2)
ولا تصح البراءة من عين بحال
(3)
ولو صالح من وصى له بخدمة أو سكنى أو حمل أمة بدراهم مسماة جاز ذلك الصلح
(4)
.
(فصل) القسم الثاني الصلح على الإِنكار، بأن يدعى عليه عينًا في يده أو دينًا في ذمته فينكره أو يسكت
(1)
(أي حال ونسيئة) متعلق بيصح لقوله عليه الصلاة والسلام لرجلين اختصما في مواريث درست لهما "استهما وتوخيا الحق وليحلل أحدكما صاحبه" رواه أحمد وأبو داود، ولأنه إسقاط حق يصح في المجهول، ولو قبل بعدم جوازه لأفضى إلى ضياع الحق، والبيع قد يصح في المجهول في الجملة كأساس الحائط.
(2)
(لم يصح الصلح) واحتج به أحمد بقول شريح "أيما امرأة صولحت من ثمنها فلم يبين لها ما ترك زوجها فهي الريبة".
(3)
(من عين بحال) سواء كانت معلومة أو مجهولة بيد المبرئ أو المبرأ، لكن ذكر في الصداق إذا كانت العين بيد أحدهما وعفا الذي ليست بيده يصح بلفظ العفو والإِبراء والهبة ونحوها.
(4)
(جاز ذلك الصلح) مع أنه لا يجوز في البيع لعدم العلم به، لأن الصلح أوسع من البيع.
وهو يجهله ثم يصالحه على مال فيصح
(1)
ولو دفع
المدعى عليه إلى المدعى ما ادعاه أو بعضه مصالحة به لم يثبت فيه حكم البيع ولا الشفعة
(2)
وإن صالح عن المنكر أجنبى بإذنه أو بغير إذنه صح سواء كان دينًا أو عينًا، ولو لم يذكر أن المنكر وكله، ويرجع مع الإِذن فقط. وإن صالح المنكر بشيء ثم أقام المدعى بينة أن المنكر أقر قبل الصلح بالملك لم تسمع ولم ينقض الصلح ولو شهدت بأصل الملك.
(فصل) ويصح الصلح عن كل ما يجوز أخذ العوض عنه، سواء كان مما يجوز بيعه أو لا. ويصح الصلح عن القصاص بديات
(3)
وبدية وبأقل منها حالًا أو مؤجلًا، وعن سكنى دار وعيب المبيع، وإن صالحه على موضع قناة من أرضه يجري فيها الماء وبينا موضعها وطولها جاز
(4)
ولا حاجة إلى بيان عمقها، وإن كان إجارة اشترط ذكر العمق كما في الكافي، وقال غيره لا يشترط ذكر العمق
(5)
، وإن صالحه على إجراء الماء في ساقية من الأرض مع بقاء ملك صاحبها عليها فهو إجارة للأرض يشترط تقدير المدة
(1)
(على مال فيصح) عن المجهول، هذا المذهب إذا كان لا يمكن معرفته للحاجة، وقال الشافعي: لا يصح الصلح على المجهول لأنه فرع البيع. ولنا ما روت أم سلمة قالت "جاء رجلان يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواريث درست بينهما ليس بينهما بينة، فقال صلى الله عليه وسلم اذهبا فاقتسما، ثم توخيا الحق، ثم ليحلل كل واحد صاحبه" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة.
(2)
(ولا الشفعة) لأن المدعى يعتقد أنه أخذ ماله أو بعضه مسترجعًا له ممن هو عنده.
(3)
(بديات) لأن الحسن والحسين وسعيد بن العاص بذلوا للذي وجب له القصاص على هدبة بن خشرم سبع ديات فأبى أن يقبلها، ولأن المال غير متعين فلا يقع العوض في مقابلته.
(4)
(جاز) الصلح بعوض معلوم، لأنه إما بيع وإما إجارة وكلاهما جائز.
(5)
(لا يشترط ذكر العمق) قال في شرح المنتهى: لأنه إذا ملك الأرض أو نفعها كان له إلى التخوم فله أن ينزل فيها ما شاء.
وسائر شروط الإِجارة
(1)
، ويعلم تقدير الماء بتقدير الساقية. وإن
كانت الأرض بيد رجل بإجارة جاز له أن يصالح رجلًا على إجراء الماء فيها في ساقية محفورة مدة لا تجاوز مدة الإِجارة
(2)
وإن لم تكن الساقية محفورة لم يجز أن يصالحه على ذلك، وإن كانت الأرض في يده وقفًا عليه فكالمستأجر
(3)
وكذا المستعير، هذا ما جزم به في الإِنصاف وغيره، وفيه نظر لأن المستعير لا يملك المنفعة
(4)
وإن صالحه على إجراء ماء سطحه من المطر على سطحه أو في أرضه من سطحه أو في أرضه عن أرضه جاز إذا كان ما يجرى ماؤه معلومًا إما بالمشاهدة وإما بمعرفة المساحة، لأن الماء يختلف بصغر السطح كبره، ويشترط معرفة الموضع الذي يجري منه إلى السطح، ولا يفتقر إلى ذكر المدة كنكاح، لكن قال في القواعد: ليس بإجارة محضة لعدم تقدير المدة
(5)
بخلاف الساقية فكانت بيعًا تارة وإجارة أخرى. وإن كانت الأرض أو السطح الذي يجرى عليه الماء مستأجرًا أو عارية لم يجز أن يصالح على إجراء الماء بغير إذن مالكه، ويحرم إجراء ماء في ملك إنسان بلا إذنه ولو مع عدم تضرره أو تضرر أرضه، ولو كان رب الماء مضرورا إلى ذلك في
إحدى الروايتين
(6)
، والأخرى يجوز
(7)
. ولو صالحه على أن يسقى أرضه من نهره أو عينه مدة ولو معينة لم
(1)
(وسائر شروط الإجارة) ومقتضى كلامه في الإنصاف كالفروع وغيره لا يعتبر بيان المدة للحاجة، وتبعهم في المنتهى.
(2)
(لا تجاوز مدة الإِجارة) لأنه يملك المنفعة فكان له أن يستوفيها بنفسه وبمن يقوم مقامه.
(3)
(فكالمستأجر) إن كانت محفورة جاز وإلا فلا قاله القاضي وابن عقيل، وقال في المغني: والأولى أن يجوز حفر الساقية، لأن الأرض له وله التصرف فيها كيف شاء ما لم ينقل الملك فيها إلى غيره.
(4)
(لا يملك المنفعة) فكيف يصالح عليه؟ وعلى تسليم الصحة فينبغى أن يكون العوض المصالح عن ذلك لمالك الأرض.
(5)
(لعدم تقدير المدة) بل هو شبيه بالبيع، قال في الفروع قال ابن عطوة: رأيت بخط ابن عقيل حكى عن كسرى أن بعض عماله إلى قوله فكتب كسرى أن خذوا بيتها فإن المصالح الكليات تغتفر فيها المفاسد الجزئيات. في الزاد.
(6)
(في إحدى الروايتين) لأنه تصرف في أرض غيره بغير إذنه فلم يجز كما لو لم تدع إليه ضرورة لأن مثل هذه الحاجة لا تبيح مال غيره بدليل أنه لا يباح له الزرع في أرض غيره ولا الإنتفاع بشيء منافعها المحرمة عليه.
(7)
(والأخرى يجوز) مثل أن يكون له أرض للزرع لها ماء لا طريق له إلا أرض جاره، لما روى أن الضحاك بن خليفة ساق خليجًا من العريض فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة فأبى، فقال له الضحاك أتمنعني وهو منفعة لك تشربه أولًا وآخرًا ولا يضرك. فأبى محمد، فكلم فيه الضحاك عمر، فدعا عمر محمد بن مسلمة وأمره أن يخلى سبيله، فقال محمد: لا والله. فقال له: لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع تشربه أولًا وآخرًا؟ فقال محمد: لا والله. فقال عمر: والله ليمرن به ولو على بطنك. فأمره عمر أن يمر به ففعل" رواه مالك في موطئه وسعيد في سننه. والأول أقيس، وقول عمر يخالفه قول محمد بن مسلمة أهو موافق للأصول فكأن أولى.
يصح لعدم ملكه الماء، وإن صالحه على سهم منهما جاز وكان بيعًا للقرار، والماء تبع له. ويصح أن يشترى ممرًا في ملك غيره وموضعًا في حائط يفتحه بابًا
(1)
وبقعة يحفرها بئرًا وعلو بيت يبنى بنانًا موصوفًا
(2)
ويصح فعل ذلك صلحًا أبدًا مؤبدًا وإجارة مدة معلومة، ومتى زال فله إعادته سواء زال لسقوطه
أو سقوط ما تحته أو غير ذلك، ويرجع بأجرة مدة زواله
(3)
عن البيت، وله الصلح على زواله أو عدم عوده، وإذا مضت مدة الإِجارة بقى وله أجرة المثل
(4)
.
(فصل) في أحكام الجوار
(5)
وإذا حصل غصن شجر في هوائه أو قراره فصالحه عليه بعوض لم يصح
(6)
قال في المغني: واللائق بمذهب أحمد صحته
(7)
وإن اتفقا على أن الثمرة له أو بينهما جاز ولم يلزم،
(1)
(بابًا) قال في المغنى: فإن قيل فلم لا تجيزون فتح الطاق الباب في الحائط بالقياس على وضع الخشب؟ قلنا: لأن الخشب يمسك الحائط وينفعه، بخلاف الطاق والباب فإنه يضعف الحائط لأنه يبقى مفتوحًا في الحائط والذي يفتحه للخشب يسده بها، ولأن الخشب تدعو الحاجة إليه بخلاف غيره.
(2)
(موصوفًا) ليضع عليه خشبًا معلومًا لأنه ملك للبائع فجاز بيعه كالأرض، وليس له أن يبنى على الوقف وإن لم يضره عند الجمهور.
(3)
(مدة زواله) أي بنيانه أو خشبه في أثناء مدة الإِجارة وكان سقوطًا لا يعود قاله في المغنى وجزم به في الإِنصاف وغيره.
(4)
(وله أجره المثل) ولا يطالب بإزالة بنائه وخشبه لأنه العرف فيه لأنه يعلم أنها لا تستأجر كذلك إلا للتأييد.
(5)
(الجوار) قال عليه الصلاة والسلام "ما زال جبريل يوصينى في الجار حتى ظننت أنه سيورثه" متفق عليه.
(6)
(لم يصح) رطبًا كان الغصن أو يابسًا، لأن الرطب يزيد ويتغير واليابس ينقص وربما ذهب بالكلية.
(7)
(صحته) واختاره ابن حامد وابن عقيل وجزم به صاحب المنور وقدمه ابن رزين في شرحه لأن الحاجة داعية إلى ذلك لكثرته في الأملاك المتجاورة وفي القطع إتلاف وضرر، والزيادة المتجددة يعفى عنها، والجهالة في المصالح عنه لا تمنع الجوار، قال في المغني: وكذلك قوله دعني أجري في أرضك ماء ولك أن تسقى ما شئت وتشرب منه ونحو ذلك.
وفي المبهج: ثمرة غصن في هواء طريق عام للمسلمين، ومعناه لابن القيم في الأعلام، وإن امتد عن عروق شجره إلى جاره فأثرت ضررًا كتأثيرها في المصانع وطي الآبار وأساس الحيطان ومنعها من نبات شجر أو زرع لصاحب الأرض أو لم يؤثر فالحكم في قطعه والصلح عنه كالحكم في الأغصان
(1)
قال الشيخ: والساباط الذي يضر بالماز مثل أن يحتاج الراكب أن يحنى
رأسه إذا مر هناك وإن غفل عن نفسه رمى عمامته أو شج رأسه ولا يمكن أن يمر هناك جمل عال إلا كسر قتبه فمثل هذه الساباط لا يجوز إحداثه على طريق المارة باتفاق المسلمين، بل يجب على صاحبه إزالته، فإن لم يفعل كان على ولاة الأمور إلزامه بإزالته حتى يزول الضرر، ولو كان الطريق منخفضًا ثم ارتفع مع طول الزمان وجب إزالته. وقال: ومن كانت له ساحة يلقى فيها التراب والحيوان وتضرر الجيران بذلك فإنه يجب على صاحبها أن يدفع ضرر الجيران إما بعمارتها أو بإعطائها لمن يعمرها أو يمنع أن يلقى فيها ما يضر بالجيران، وقال: لا يجوز لأحد أن يخرج في طريق المسلمين شيئًا من أجزاء البنيان حتى إنه لينهى عن تخصيص الحائط إلا أن يدخل في جدره بقدر غلظ الخص. وقال: إخراج الميازيب إلى الدرب هو السنة، واختاره وقدمه في النظم اهـ
(2)
. ولا يجوز أن يبنى أحد في الطريق دكانًا ولو كان الطريق واسعًا ولو بإذن إمام
(3)
ولا يجوز أن يحفر في الطريق النافذ بئرًا
(1)
(في الأغصان) إلا أن العروق لا ثمر لها بخلاف الأغصان فإن اتفقا على أن ما نبت من عروقها لصاحب الأرض أو جزءًا معلومًا منه فكالصلح على الثمر، فإن رجع فعليه أجرة المثل.
(2)
(وقدمه في النظم) وبه قال أبو حنيفة والشافعي ومالك لما روى أن عمر اجتاز على دار العباس وقد نصب ميزابًا إلى الطريق فقلعه، فقال العباس: تقلعه وقد نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده؟ فقال: والله لا نصبته إلا على ظهري، وانحنى حتى صعد على ظهره فنصبه، ولأن العادة الجارية والحاجة تدعو إلى ذلك ولا يمكنه رد مائه إلى الدار.
(3)
(بإذن امام) أو نائبه، بخلاف الجناح والساباط والميزاب لأنه لا تضييق فيها لأنها في العلو بخلاف الدكان.
لنفسه سواء جعله لماء المطر أو استخرج منها ماء ينتفع به، وإن أراد حفرها للمسلمين لنفعهم في طريق ضيق أو كانت في ممر الناس بحيث يخاف سقوط الناس فيها أو دابة أو يضيق عليهم ممرهم لم يجز، وإن بنى رصيفًا فيها يمر عليه الناس لنحو مطر جاز مع ظهور مصلحته. وقال الشيخ: وإن كان له باب في درب غير نافذ يستطرق منه استطراقًا خاصًّا من أبواب السر التي يخرج منها النساء أو الرجل المرة بعد المرة هل له أن يستطرق منها استطراقًا عامًا؟ ينبغي أن لا يجوز هنا. اهـ. ويحرم إحداثه ما
يضر بجاره ويمنع منه
(1)
إذا فعله كحفر كنيف إلى جانب حائط جاره ونصب تنور يتأذى باستدامة دخانه ونحو ذلك
(2)
كما يمنع من ابتداء إحيائه ويضمن ما تلف به، بخلاف طبخه وخبزه فيه
(3)
وإن كان هذا الذي حصل منه الضرر سابقًا مثل من له في ملكه مدبغة ونحوها فأحيا إنسان إلى جانبه مواتًا أو بناه دارًا يتضرر بذلك لم يلزمه إزالة الضرر لسبقة، وليس له منعه من تعلية داره ولو أفضى إلى سد الفضاء عنه
(4)
أو خاف نقص أجرة داره، وإن حفر بئرًا في ملكه فانقطع ماء بئر جاره أمر بسدها ليعود ماء البئر الأولى، فإن لم يعد كلف صاحب البئر الأولى حفر البئر التي سدت لأجله من ماله. ولو ادعى أن بئره فسدت من خلاء جاره أو بالوعته وكانت البئر أقدم منها طرح في الخلاء أو البالوعة نفط فإن لم يظهر طعمه ولا رائحته في البئر علم أن فسادها بغيره، وإن ظهر فيها ذلك كلف صاحب الخلاء أو البالوعة نقل ذلك إن لم يمكن إصلاحه. ولو كان لرجل مصنع فأراد جاره غرس شجرة مما تسرى عروقه فيشق حائط مصنع جاره ويتلفه لم يملك ذلك وكان لجاره منعه وقلعها إن غرسها وله الإستناد إلى جدار جاره أو المشترك وإسناد شيء لا يضره والجلوس في ظله ونظره في ضوء سراجه بلا إذن
(5)
قال الشيخ: العين والمنفعة التي لا قيمة لها عادة لا يصح أن يرد عليها عقد بيع ولا إجارة اتفاقًا
(1)
(ويمنع منه) لخبر "لا ضرر ولا ضرار" احتج به أحمد.
(2)
(ونحو ذلك) من كل ما يؤذيه كسقي وإشعال يتعديان إليه، وحداد يتأذى بكثرة دقه.
(3)
(وخبزه فيه) على العادة، فلا يمنع ذلك، لأن الضرر، يزال بالضرر.
(4)
(سد الفضاء عنه) إلى آخره قاله الشيخ. قال في الفروع: احتج أحمد بالخبر "لا ضرر ولا ضرار" فيتوجه منه منعه.
(5)
(بلا إذن) لأن هذا لا مضرة فيه، والتحرز منه يشق.
كمسئلتنا
(1)
ولو كان له حق ماء يجرى على سطح جاره لم يجز له تعلية سطحه ليمنع الماء ولو كثر ضرره، ومتى وجد خشبه أو بناءه أو مسيل مائه ونحوه في حق غيره أو مجرى سطحه على سطح
غيره ولم يعلم سببه فهو له لأن الظاهر وضعه بحق، فإن اختلفا فقول صاحب الخشب ونحوه مع يمينه، فإن زال فله إعادته وله أخذ عوض عنه، ولو أراد هدم الحائط لغير حاجة لم يملك ذلك، وإن احتاج إلى ذلك للخوف من انهدامه أو لتحويله إلى مكان آخر أو لغرض صحيح ملك ذلك
(2)
ولو أذن صاحب الحائط لجاره في البناء على حائطه أو وضع سترة أو خشبة عليه في الموضع الذي لا يستحق وضعه عليه جاز وصار عارية لازمة، وإن أذن له في ذلك بأجرة سواء كانت إجارة أو صلحًا وضعه على التأييد، ومتى زال فله اعادته. ويشترط معرفة البناء والعرض والطول والسمك والآلات من الطين واللبن أو الطين والآجر وما أشبه ذلك. وإذا سقط الحائط الذي عليه البناء أو الخشب في أثناء مدة الإِجارة سقوطًا لا يعود انفسخت الإِجارة فيما بقى من الصدة ورجع من الأجرة بقسط ما بقى من المدة، وإن صالحه مالك الحائط على رفع خشبه أو بنائه بشئ معلوم جاز، وكذلك لو كان له مسيل ماء في أرض غيره أو ميزاب أو غيره فصالح صاحب الأرض مستحق ذلك بعوض ليزيله عنه جاز، وإن كان الخشب أو الحائط قد سقط فصالحه بشيء على أن لا يعيده جاز.
(فصل) ويلزم إعلاء الجارين بناء سترة تمنع مشارفة الأسفل
(3)
كما لو كانت السترة قديمة فانهدمت فإنه يجب إعادتها فإن استويا اشتركا، وأيهما أبى أجبر مع الحاجة إلى السترة، وليس لصاحب السطح الأعلى الصعود على سطحه على وجه يشرف على سطح جاره إلا أن يبنى سترة تستره، ولا يلزم الأعلى سد
(1)
(كمسئلتنا) أي الاستناد إلى الحائط ونحوه، ومثله في العين نحو حبة بر.
(2)
(ملك ذلك) أي هدمه، لأنه ملكه فله التصرف فيه بما شاء غير مضار لجاره.
(3)
(مشارفة الأسفل) لأن الإشراف على الجار إضرار به لأنه يكشفه ويطلع على حرمه فمنع منه لحديث "لا ضرر ولا ضرار" رواه أحمد وابن ماجة عن ابن عباس مرفوعًا.
طاقته إذا لم ينظر منها ما يحرم نظره من جهة جاره
(1)
ويجبر الشريك على العمارة مع شريكه في
الأملاك والأوقاف
(2)
المشتركة، وإن استهدم جدارهما أو سقفهما وخيف ضرره نقضاه، فإن أبى أحدهما أجبره الحاكم، وأيهما هدمه إذن بغير إذن صاحبه فلا شيء عليه
(3)
كما لو انهدم بنفسه، فإن طالب أحدهما صاحبه ببنائه أجبر، وعنه لا يجبر
(4)
فإن امتنع أخذ الحاكم من ماله وأنفق عليه. وإن أنفق الشريك بإذنه أو إذن حاكم أو نية رجوع رجع على حصة الشريك وكان بينهما، ولا يجبر على بناء حاجز بين ملكيهما
(5)
فإن أراد أحدهما البناء فله ذلك في ملكه خاصة
(6)
فإن انهدم سفل وعلوه لغيره انفرد صاحب السفل ببنائه وأجبر عليه، وإن كان طبقة ثالثة فصاحب الوسط مع من فوقه كمن تحته معه، ولو اتفقا على حائط بستان فبنى أحدهما فما تلف من الثمرة بسبب إهمال الآخر ضمنه الذي أهمل قاله الشيخ، وإن تنازع صاحب العلو والسفل في السقف ولا بينة فهو بينهما.
(1)
(من جهة جاره) إذ لا ضرر فيها على الجار حينئذ، فإن رأى ذلك منها لزمه يسدها.
(2)
(في الأملاك والأوقاف) المشتركة لحديث "لا ضرر" كنقضه عند خوف سقوطه، وإن كان لا حرمة له في نفسه لكن حرمة الشريك الذي يتضرر بترك البناء توجب ذلك.
(3)
(فلا شيء عليه) لأنه محسن، بل قياس ما سبق يرجع بما يقابل حصته من أجرة الهدم إن نوى الرجوع.
(4)
(وعنه لا يجبر) وهو مذهب أبي حنيفة، قال المصنف وهو أقوى في النظر لأنه ملك لا حرمة له في نفسه فلم يجبر مالكه على الإنفاق عليه كما لو انفرد، والمذهب في الزاد.
(5)
(حاجز بين ملكيهما) لأن انتفاعهما لا يتوقف على ذلك فلا ضرر في تركه بخلاف المشترك والسقف.
(6)
(في ملكه خاصة) لأنه لا يملك التصرف في ملك جاره المختص به ولا في الملك المشترك بغيره ماله فيه رسم وهذا لا رسم له فيه.