الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن خَبّابٍ، قال: أتينا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو مُتوسد بُردةً في ظلِّ الكعبة، فشكَونا إليه فقلْنا: ألا تستَنْصِر لنا، ألا تدعُو اللهَ لنا؟ فجلس مُحمَرّاً وجهُه فقال:"قد كانَ مَن قبلَكم يؤخَذُ الرجلُ فيُحفَر له في الأرض، ثم يُؤتى بالمِنشارِ، فيُجعَل على رأسِه فيجعل فرقَتَينِ، ما يصرِفُه ذلك عن دينه، ويُمشطُ بأمشاطِ الحديدِ، ما دون عظمِه من لحم وعَصَبٍ، ما يصرِفُه ذلك عن دينه، والله لَيُتِمَّنَّ اللهُ هذا الأمرَ حتى يسيرَ الراكبُ ما بين صنعاءَ وحضرموتَ، ما يَخافُ إلا الله والذئبَ على غنمِه، ولكنكم تَعْجَلون" (
1).
106 -
باب في حكم الجاسوس إذا كان مسلماً
2650 -
حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا سفيانُ، عن عَمرو، حدثه حَسنُ بن محمدِ ابن علي، أخبرَه عُبيدُ الله بن أبي رافع -وكان كاتباً لعلي بن أبي طالب- قال: سمعتُ علياً يقولُ: بعثَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبيرَ والمقدادَ، فقال:، انطلِقُوا حتى تأْتوا رَوضَة خَاخٍ، فإن بها ظَعينةً معها كتابٌ فخذُوه منها، فانطلَقْنا تتعادى بنا خَيلُنا حتى أتينا الرَّوضةَ، فإذا نحن بالظَّعينةِ، فقلنا: هَلُمِّي الكتابَ، قالت: ما عندي مِن كتابٍ، فقلتُ: لتُخْرِجِنَّ الكتابَ، أو لنُلْقِيَنَّ الثيابَ، فأخرجتْه من عِقاصِها، فأتينا به النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فإذا هو: من حاطبِ بن أبي بَلْتَعَةَ إلى ناسٍ من المشركين،
(1)
إسناده صحيح. إسماعيل: هو ابن أبي خالد الأحمسي، وهشيم: هو ابن بشير الواسطي، وخالد: هو ابن عبد الله الواسطي.
وأخرجه البخاري (3612)، والنسائي في "الكبرى"(5862) من طريق إسماعيل ابن أبي خالد، به. وقرن النسائي بإسماعيل بيان بن بشر.
وهو في "مسند أحمد"(21057)، و"صحيح ابن حبان"(2897) و (6698).
يُخبرهم ببعض أمرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"ما هذا يا حاطبُ؟ " فقال: يا رسولَ الله، لا تعجَلْ عليَّ فإني كنتُ امرأً مُلْصقَاً في قريش، ولم أكن من أنفُسِها، وإن قريشاً لهم بها قَراباتٌ يحمُونَ بها أهليهم بمكةَ، فأحببتُ إذ فاتني ذلك أن أتخذ فيهم يداً يحمُون قرابتي بها، واللهِ ما كان بي كُفرٌ ولا ارتدادٌ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"صَدَقَكم" فقال عمرُ: دَعْني أضْربْ عُنُقَ هذا المنافقِ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"قد شهد بدراً، وما يُدريك لعلَّ اللهَ اطَّلع على أهلِ بدر فقال: اعمَلُوا ما شئتم فقد غَفرْتُ لكم"
(1)
.
(1)
إسناده صحيح. عمرو: هو ابن دينار المكي، وسفيان: هو ابن عُيينة، ومُسَدَّد: هو ابنُ مُسَرْهَدٍ.
وأخرجه البخاري (3007)، ومسلم (2494)، والترمذي (3591)، والنسائى في "الكبرى"(11521) من طريق سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد.
وهو في "مسند أحمد"(600)، و"صحيح ابن حبان"(6499).
وانظر ما بعده.
قال الخطابي: في هذا الحديث من الفقه: أن الحكم المتأول في استباحة المحظور عليه، خلاف حكم المتعمد لاستحلاله من غير تأويل.
وفيه: أنه إذا تعاطى شيئاً من المحظور وادعى أمراً مما يحتمله التأويل، كان القول قوله في ذلك. وإن كان غالب الظن بخلافه. ألا ترى أن الأمر لما احتمل وأمكن أن يكون كما قال حاطب، وأمكن أن يكون كما قاله عمر رضى الله عنهما. استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم حُسنَ الظن في أمره، وقبل ما ادّعاه في قوله. وفيه دليل على أن الجاسوس إذا كان مسلماً لم يقتل.
واختلفوا فيما يفعل به من العقوبة. فقال أصحاب الرأي في المسلم إذا كتب إلى العدو ودلَّه على عورات المسلمين: يُوجَع عقوبةً، ويُطال حبْسُه.
وقال الأوزاعي: إن كان مسلماً عاقبه الإمام عقوبة مُنكِّلة، وغرَّبه إلى بعض الآفاق في وثاق. وإن كان ذمياً فقد نقض عهده. =
2651 -
حدَّثنا وهبُ بن بقيةَ، عن خالدٍ، عن حُصَين، عن سعد بن عُبيدةَ، عن أبي عبد الرحمن السُّلمَي، عن عليٍّ، بهذه القصة، قال:
انطلق حاطبٌ فكتب إلى أهل مكةَ: أن محمداً قد سار إليكم، وقال فيه: قالت: ما معي كتابٌ، فانْتَحيناها، فما وجدنا معها كتاباً، فقال عليٌّ: والذي يُحلَفُ به لأقْتُلَنَّكِ أو لتُخْرِجِنَّ الكتابَ، وساق الحديثَ
(1)
.
= وقال مالك: لم أسمع فيه شيئاً، وأرى فيه اجتهاد الإمام.
وقال الشافعي: إذا كان هذا من الرجل ذي الهيئة بجهالة، كما كان من حاطب بجهالة، وكان غير متهم أحببتُ أن يُتجافى عنه. وإن كان من غير ذي الهيئة كان للإمام تعزيره.
وفي الحديث من الفقه أيضاً: جواز النظر إلى ما يكشف من النساء لاقامة حدٍّ، أو إقامة شهادة في إثبات حقٍّ، إلى ما أشبه ذلك من الأمور.
وفيه دليل على أن من كفَّر مسلماً، أو نفقه على سبيل التأويل، وكان من أهل الاجتهاد لم تلزمه عقوبة.
ألا ترى أن عمر رضي الله عنه قال: "دعني أضرب عنق هذا المنافق" وهو مؤمن، وقد صدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ادعاه من ذلك، ثم لم يعنف عمر فيما قاله؟
وذلك أن عمر لم يكن منه عدوان في هذا القول على ظاهر حكم الدين إذ كان المنافق هو الذي يظهر نُصرة الدين في الظاهر، ويبطن نصرة الكفار، وكان هذا الصنيع من حاطب شبيهاً بأفعالِ المنافقين، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن الله تعالى قد غفر له ما كان منه من ذلك الصنيع، وعفا عنه، فزال عنه اسم النفاق، والله أعلم.
(1)
إسناده صحيح. أبو عبد الرحمن السُّلَمي: هو عبد الله بن حبيب الكوفي، مشهور بكنيته، وحصين: هو ابن عبد الرحمن السُّلَمي، وخالد: هو ابن عبد الله الواسطي الطحان.
وأخرجه البخاري (3081) و (3983) و (6259) و (6939)، ومسلم (2494)
من طرق عن حصين بن عبد الرحمن، بهذا الإسناد. =