الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2764 -
حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ، حدَّثنا سفيانُ بن عُيينةَ، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسودِ
عن عائشة قالت: إن كانت المرأة لتجير على المؤمنين فيجوز (
1).
166 -
باب في صلح العدو
2765 -
حدَّثنا محمدُ بن عُبيدِ، أن محمدَ بن ثور حدَّثهم، عن مَعمرٍ، عن الزُّهريِّ، عن عُروةَ بن الزبير
= وأخرجه بنحوه البخاري (357) و (3171) و (6158)، ومسلم بإثر (719)، والترمذي (1670)، والنسائي في "الكبرى"(8631) من طريق أبي مرة مولى أم هانئ، عن أم هانىء.
وهو في "مسند أحمد"(26892)، و"صحيح ابن حبان"(1188).
قال الخطابي: في هذا حجة لمن ذهب إلى أن مكة فتحت عنوة، لأنه لو كان صلحاً لوقع به الأمان العام، فلم يحتج إلى إجازة أمان أم هانىء، ولا إلى تجديد الأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأجمع عوام أهل العلم أن أمان المرأة جائز. وكذلك قال أكثر الفقهاء في أمان العبد، غير أن أصحاب الرأي فرقوا بين العبد الذي يقاتل، والذي لا يقاتل، فأجازوا أمانه إن كان ممن يقاتل، ولم يجيزوا أمانه إن كان لم يقاتل، فأما أمان الصبي، فإنه لا ينعقد، لأن القلم مرفوعٌ عنه.
قلنا: وقوله: "آمَنّا من آمنتِ": بمد الهمزة، أي: أعطينا الأمان، "من آمنت" أي: أعطيتِه الأمان.
(1)
إسناده صحيح. الأسود: هو ابن يزيد النخعي، وإبراهيم: هو ابن يزيد النخعي، ومنصور: هو ابن المعتمر.
وأخرجه الطيالسي (1396)، وسعيد بن منصور (2611)، والنسائي في "الكبرى"(8630)، والبيهقي 8/ 194، وابن عبد البر في "التمهيد" 21/ 188 من طريق إبراهيم بن يزيد النخعي، به. قولها: فيجوز، أي: يُقبل أمانُها وجوارها.
عن المِسوَر بن مَخْرَمةَ، قال: خرجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم زمنَ الحديبيةِ في بِضْعَ عَشرةَ مئةٍ من أصحابِه، حتى إذا كانوا بذِي الحُلَيفةِ قَلَّدَ الهديَ وأشعَرَهُ وأحرمَ بالعمرةِ، وساقَ الحديثَ، قال: وسارَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثَّنِيّة التي يُهبَطُ عليهم منها بَرَكَتْ به راحلتُه، فقال الناسُ: حَلْ حَلْ خَلأتِ القَصْواءُ، مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما خَلأتْ وما ذلكَ لها بخُلُقٍ، ولكن حَبَسها حابِسُ الفِيل" ثم قال: "والذي نفسي بيدِه لا يَسألوني اليومَ خُطَّةً يُعظِّمون بها حُرُماتِ اللهِ إلا أعطيتُهم إياها" ثم زَجَرها فوثَبتْ، فعَدلَ عنهم حتى نَزل بأقصى الحديبيةِ على ثَمَدٍ قليلِ الماء فجاءَه بُديلُ بن وَرقاءَ الخُزاعيُّ، ثم أتاه -يعني عروةُ بن مَسعودٍ- فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فكلما كلَّمه أخذ بلحيتِه، والمغيرةُ بن شُعبةَ قائمٌ على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيفُ وعليه المِغفَرُ، فضربَ يدَه بنعلِ السيف، وقال أخِّر يدَك عن لحيتِه، فرفَع عروةُ رأسَه، فقال: مَن هذا؟ قالوا: المُغيرة بن شعبةَ، فقال: أي غُدَرُ، أوَلستُ أسعى في غَدرتك؟ -وكان المغيرةُ صحبَ قوماً في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالَهم، ثم جاءَ فأسلمَ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" أما الإسلامُ فقد قبِلْنا، وأما المالُ فإنه مالُ غَدْرٍ لا حاجةَ لنا فيه"- فذكر الحديثَ، فقالَ النبي صلى الله عليه وسلم:"اكتُبْ: هذا ما قاضَى عليه محمدٌ رسولُ الله" وقصَّ الخبَر، فقال سهيلٌ: وعلى أنه لا يأتيكَ منا رجلٌ وإن كان على دينك إلا رَدَدتَهُ إلينا، فلمّا فرَغَ من قضيةِ الكتابِ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابِه:"قومُوا فانْحَروا، ثم احلِقُوا" ثم جاء نِسوةٌ مؤمناتٌ مهاجراتٌ، الآية
(1)
، فنهاهُم اللهُ أن
(1)
يعني الآية: (10) من سورة الممتحنة.
يَردُّوهُنَّ، وأمرهم أن يردُّوا الصَّدَاق، ثم رجع إلى المدينةِ، فجاءه أبو بَصيرٍ رجلٌ من قريشٍ -يعني فأرسلوا في طلبه- فدفَعه إلى الرجلين، فخَرجا به حتى إذا بلغَا ذا الحليفةِ نزَلُوا يأكلون من تمرٍ لهم، فقال أبو بَصيرٍ لأحدِ الرجلين: واللهِ إني لأرى سيفَكَ هذا يا فلانُ جيداً، فاستلَّه الآخَر، فقال: أجل قد جرَّبْتُ به، فقال أبو بَصيرٍ: أرِني أنظرْ إليه، فأمكَنَه منه، فضربه به حتى بَرَدَ، وفَرَّ الآخَرُ حتى أتى المدينةَ، فدخل المسجدَ يعْدُو، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم "لقد رأى هذا ذُعْراً" فقال: قُتِلَ واللهِ صاحبي وإني لَمَقتُولٌ، فجاء أبو بَصيرٍ فقال: قد أوفى اللهُ ذِمَتَك، فقد رددتَني إليهم ثم نَجَّاني اللهُ منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"وَيْلُ أمِّهِ مِسْعَرُ حَرْبٍ لو كان له أحدٌ" فلما سمع ذلك عرف أنه سيردُّه إليهم، فخرج حتىً أتى سِيفَ البحرِ، ويَنفَلِتُ أبو جَنْدَلٍ، فلحق بأبي بَصيرٍ حتى اجتمعتْ منهم عِصابة
(1)
.
(1)
إسناده صحيح. الزهري: هو محمد بن مسلم بن عُبيد الله بن عَبد الله بن شهاب، ومعمر: هو ابن راشد، ومحمد بن عُبيد: هو ابن حِساب الغُبَري.
وأخرجه بأطول مما هاهنا بقصة صلح الحديبية جميعها البخاري (2731)(2732) من طريق عبد الرزاق، عن معمر، بهذا الإسناد.
وأخرج قصة الخروج إلى العمرة وإشعار الهدي وتقليده البخاري (1694)(1695)، والنسائي (2771) من طريقين عن معمر، به.
وأخرج قصة المهاجرات البخاري (2711) و (2712) من طريق عقيل بن خالد، ابن شهاب الزهري، به.
وهو في "مسند أحمد"(18909) و (18910) و (18928)، و"ابن حبان"(4872).
وقد سلفت قصة الخروج للعمرة وإشعار الهدي وتقليده عند المصنف برقم وستأتي عنده قصة عروة بن مسعود مع المغيرة بن شعبة برقم (4655). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال الخطابي: قوله: "حَلْ حَلْ": كلمة معناها الزجر، يقال في زجر البعير: حل -بالتخفيف- ويقال: حَلحَلتُ الإبلَ إذا زجرتَها لتنبعث.
وأما قوله: "خلأت القصواء" فإن. الخلأ في الإبل، كالحران في الخيل، ومنه قول زهير: بِآرِزَةِ الفَقَارَةِ لم يَخُنها
…
قطافٌ في الركاب ولا خِلاءُ
والقصواء: اسم ناقته، وكانت مقصوَّة الأُذنَ -وهو أن يقطع طرفاً من الأذن- يقال: نافة قصواء، ولم يقولوا: جمل أقصى، ومعناه المقصوة، جاء بلفظ فاعل ومعناه مفعول.
وقوله: "ما خلأت، وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل" يريد أن الخلاء لم يكن لها بخلق فيما مضى، ولكن الله حبسها عن دخول مكة كما حبس الفيل حين جاء به أبرهة الحبشي يريد هدم الكعبة واستباحة الحرم، ويشبه أن يكون المعنى في ذلك، وفي التمثيل بحبس الفيل أن أصحابه لو دخلوا مكة لوقع بينهم وبين قريش قتال في الحرم وأُريق فيه دماء، وكان منه الفساد والفناء، ولعل الله سبحانه قد سبق في علمه ومضى في قضائه أنه سيُسلم جماعة من أولئك الكفار في غابر الزمان، وسيخرج من أصلابهم قوم مؤمنون يعبدون الله ويوحدونه، فلو استُبيحت مكةُ، وأتى القتل عليهم لانقطع ذلك النسل، ولبطلت تلك العواقب.
وقوله: "والذى نفسي بيده، لا يسألوني اليوم خطة يعظمون بها حُرُمات الله إلا أعطيتهم إياها" يريد -والله أعلم- المصالحة والجنوح إلى المسالمة، وترك القتال في الحرم، والكف عن إراقة الدم فيه، وهو معنى تعظيم حُرُمات الله.
وقوله: "حتى نزل على ثمد"، فالثمد: الماء القليل، ويقال: ماء مثمود إذا كثرت عليه الشفاه حتى يفنى وينزف.
قال: وأما مسُّ عروة بن مسعود لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثناء مخاطبته وتناوله إياها بيده، فإن ذلك شكل من أشكال العرب وعادة من عاداتهم، يفعل الرجل ذلك بصاحبه إذا حدّثه، ويجري ذلك مجرى الملاطفة من بعضهم، وكان صلى الله عليه وسلم لا يدفعه عن ذلك، استمالة لقلبه، ولما كان يرجوه من إسلامه، ثم هداه الله بعدُ فحسُن إسلامه، وكان رئيسا في ثقيف، وكان المغيرة بن شعبة يمنعه من ذلك الفعل تعظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيراً له وإجلالاً لقدره. وإنما يفعل الرجل ذلك بنظيره وخليطه المساوي له في الدرجة والمنزلة. =
2766 -
حدَّثنا محمدُ بن العلاءِ، حدَّثنا ابنُ إدريسَ، سمعتُ ابنَ إسحاقَ، عن الزهريِّ، عن عُروةَ بن الزبيرِ
= قال: وفي قيام المغيرة على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على أن إقامة الرئيس الرجال على رأسه في مقام الخوف ومواطن الحروب جائز، وأن الذي نهى عنه وتوعد فيه من قوله:"من أراد أن يمثُل له الرجال صفوفا فليتبوأ مقعده من النار" إنما هو فيمن فعل ذلك قاصداً به الكبر، وذاهباً فيه مذاهب النخوة والجبرية.
وقوله: "أي غُدر" فهو نعت، يُنعت الرجلُ به عند المبالغة في الغَدْر.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم للمغيرة: "أما الإسلام فقد قبلنا، وأما المال، فإنه مالُ غدر، لا حاجة لنا فيه" دليل على أن أموال أهل الشرك -وإن كانت مباحة للمسلمين مغنومة إذا أخذوها منهم قهراً- فإنها ممنوعة بالأمان لهم، مردودة إلى أربابها إذا أخذت في حال المسالمة والأمان، وذلك أن المغيرة إنما صحِبهم صحبة الرفقاء في الأسفار"، والرفيق في السفر يأمن رفيقه على نفسه وماله، فكان ما أتاه المغيرة من سفك دمائهم وأخذ أموالهم غدراً منه، والغدر محظور غير جائز، والأمانة مؤادة إلى البرِّ والفاجر.
ثم قال الخطابي: وفي إجابته صلى الله عليه وسلم إياهم إلى ذلك أن يرد إلى الكفار من جاءه منهم مسلماً، دليل على جواز أن يُقِرَّ الإمامُ فيما يصالح عليه العدو ببعض ما فيه الضيمُ على أهل الدين إذا كان يرجو لذلك فيما يستقبله عاقبةً حميدةً، سيما إذا وافق ذلك زمانَ ضعفِ المسلمين عن مقاومة الكفار، وخوفهم الغلبة منهم.
قال: وفي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بعد فراغه من الكتاب أن ينحروا ويحلقوا رؤوسهم، دليل على أن من أحرم بحج أو عمرة فأُحْصِر بعدوٍّ، فإنه ينحر الهدي مكانه ويَحِلّ، وإن لم يكن بلغ هديهُ الحرم، والموضع الذي نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه فيه بالحديبية حلٌّ، إذ كان مصدوداً عن دخول الحرم.
وقوله في قصة أبي بصير: "فضربه بالسيف حتى برد" معناه حتى مات وسكنت منه حرارة الحياة، وأصل البرد: السكون والثبوت.
وقوله: "ويلُ أمه مِسْعَر حرب" كلمة تعجب، يصفه بالمبالغة في الحروب، وجودة معالجتها، وسرعة النهوض فيها، يقال: فلان مسعر حرب: إذا كان أولَ من يوقد نارها ويَصلى حرَّها، من قولك: سعَّرت النار، إذا أوقدتَها، ومنه السعير: وهو النار الموقدة.
عن المسور بن مَخْرَمةَ ومروانَ بنِ الحكم، أنهم اصطلحوا على وضْعِ الحربِ عَشْرَ سنين يأمَنُ فيهنَّ الناسُ، وعلى أن بيننا عَيْبَةً مكفُوفةٌ، وأنه لا إسْلالَ ولا إغْلالَ
(1)
.
(1)
إسناده حسن، وقد صرح ابن إسحاق بالسماع عند أحمد والبيهقي، فانتفت شبهة تدليسه.
فأخرجه أحمد (18910) عن يزيد بن هارون، والبيهقي 9/ 221 و 227 من طريق يونس بن بكير، كلاهما عن محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد.
قال الخطابي: اختلفوا في المدة التي يجوز أن يُهادن إليها الكفار: فقال الشافعي: أقصاها عشر سنين، لا يُزادُ عليها، وما وراءها محظور، لأن الله سبحانه أمر بقتال الكفار، فاستثنينا ما أباحه رسولُ صلى الله عليه وسلم في قصة الحديبية، وما وراء ذلك محظور.
وقال قوم: لا يجوز ذلك أكثرَ من أربع سنين.
وقال قوم: ثلاث سنين، لأن الصلح لم يبق فيما بينهم أكثر من ثلاث سنين، ثم إن المشركين نقضوا العهد، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، وكان الفتح.
وقال بعضهم: ليس لذلك حدٌّ معلوم، وهو إلى الإمام يفعل ذلك على حسب ما يرى من المصلحة.
قلت (القائل الخطابي): كان سببُ نقضِ العهد: أن خزاعة كانت حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتلهم بنو بكر، فأعانت قريش بنى بكر على خزاعة، فنقضوا بذلك العهد.
وقوله: "عيبة مكفوفة" المكفوفة: المشرجة، وهي المشدودة بشَرَجها، أي: بعراها، والعيبة -هي وعاء تجعل فيه الثياب ونفيس المتاع- وهاهنا مَثَلٌ والمعنى: أن بيننا صدوراً سليمة، وعقائد صحيحة في المحافظة على العهد الذي عقدناه بيننا، وقد يشبه صدر الإنسان الذي هو مستودع سره وموضع مكنون أمره بالعيبه التي يودعها حُرَّ متاعه، ومصون ثيابه، قال الشاعر:
وكادت عِيابُ الوُدِّ مِنا ومِنكُمُ
…
وإن قِيل أبناءُ العمومةِ تَصفَرُ
أراد بعياب الودِّ: صدورهم.
وقوله: "لا إسلال ولا إغلال" فإن "الإسلال" من السلة، وهى السرقه، و"الإغلال" الخيانة، يقال: أغل الرجلُ -إذا خان- إغلالاً، وغل في الغنيمة غلولاً. =