الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
25 - باب ما جاء في خبر مكة
3021 -
حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ، حدَّثنا يحيى بنُ آدمَ، حدَّثنا ابن إدريسَ، عن محمد بن إسحاقَ، عن الزهريِّ، عن عُبيد الله بن عَبد الله بن عُتبةَ
عن ابن عباس: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عَامَ الفتحِ جاءه العباسُ بن عَبد المُطَّلب بأبي سفيانَ بن حَرْبٍ، فأسلَم بمَرِّ الظَّهْرانِ، فقال له العباسُ: يا رسولَ الله، إن أبا سفيان رجلٌ يحب هذا الفخْر، فلو
= قال ابن التين: تأول عمر قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ ....} [الحشر: 10] فرأى أن للآخرين أسوة بالأولين، فخشي لو قسم ما يفتح أن تكمل الفتوح، فلا يبقى لمن يجيء بعد ذلك حظ في الخراج، فرأى أن توقف الأرض المفتوحة عَنوة، ويضرب عليها خراجاً يدوم نفعه للمسلمين.
وقد اختلف نظر علماء المسلمين في قسمة الأرض المفتوحة على أقوال: أشهرها ثلاثة: فعن مالك تصير وقفاً بنفس الفتح، وعن أبي حنيفة والثوري يتخير الإمام بين قسمتها ووقفيتها.
وعن الشافعي: يلزمه قسمتها إلا أن يرضى بوقفيتها من غنمها. "فتح الباري" 5/ 18 وانظر "الأموال" ص 32 وما بعدها لأبي عبد القاسم بن سلام.
وقال الإمام ابن القيم في "زاد المعاد" 3/ 118 بتحقيقنا: إن الأرض لا تدخل في الغنائم، والإمام مخير فيها بحسب المصلحة، وقد قسم رسول الله وترك، وعمر لم يقسم، بل أقرها على حالها، وضرب عيها خراجاً مستمراً في رقبتها تكون للمقاتلة، فهذا معنى وقفها ليس معناه الوقف الذي يمنع من نقل الملك في الرقبة، بل يجوز بيع هذه الأرض كما هو عمل الأمة، وقد أجمعوا على أنها لا تورث، والوقف لا يورث، وقد نص الإمام أحمد على أنه يجوز أن تجعل صداقاً، والمهر لا يجوز أن يكون مهراً، ولأن الوقف إنما امتنع بيعه، ونقل الملك في رقبته، لما في ذلك من إبطال حق البطون الموقوف عليهم من منفعته، والمقاتلة حقهم في خراج الأرض، فمن اشتراها صارت عنده خراجية كما كانت عند البائع سواء، فلا يبطل حق أحد من المسلمن بهذا البيع، كما لم يبطل بالميراث والهبة والصداق.
جعلتَ له شيئاً، قال:"نعم، مَن دخل دَارَ أبي سفيان، فهو آمنٌ، ومن أغلقَ بابَهُ فهو آمنٌ"
(1)
.
3022 -
حدَّثنا محمد بن عَمرو الرازيُّ، حدَّثنا سلمة -يعني ابنَ الفَضل- عن محمد بن إسحاقَ، عن العباسِ بن عَبد الله بن مَعبَدٍ، عن بعضِ أهله
(1)
صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل محمد بن إسحاق، فهو صدوق حسن الحديث، وقد صرح بالتحديث في رواية الطبراني في "الكبير"، وأبي نعيم في "معرفة الصحابة" في ترجمة أبي سفيان، فانتفت شبهة تدليسه ثم هو متابع. وقال الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 322: حديث متصل الإسناد صحيح. ابن إدريس: هو عبد الله.
وأخرجه ابن أبي شيبة 14/ 496، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(486)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 319 - 321، والطبراني في "الكبير"(7264)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" في ترجمة أبي سفيان، والبيهقي في "السنن الكبرى" 9/ 118، وفي "معرفة السنن والأثار، (18251)، وفي "دلائل النبوة" 5/ 31 و 31 - 32 من طريق محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد.
وأخرجه البزار في "مسنده"(1292)، والطبري في "تاريخه" 2/ 157، والبيهقي في "الدلائل" 5/ 32 من طريق يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدَّثنا الحُسين ابن عَبد الله بن عُبيد الله بن عباس، عن عكرمة، عن ابن عباس. والحسين بن عبد الله ضعيف.
وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(9739) من طريق عثمان الجزري، عن مقسم، عن ابن عباس. وعثمان الجزري -وهو ابن عمرو- ضعيف.
وأخرجه الطحاوي في "شرح معانى الآثار" 3/ 314، والبيهقي في "الدلائل" 5/ 32 - 34 من طريق أيوب، عن عكرمة مرسلاً والإسناد إليه صحيح. وباجتماع هذه الطرق مع الطريق الآتي بعده يصح الحديث إن شاء الله.
وللمرفوع منه شاهد من حديث أبي هريرة عند مسلم (1780)، والنسائي في "الكبرى"(11234)، وسيأتي عند المصنف برقم (3024). وانظر ما بعده.
عن ابن عباس، قال: لما نزلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مرَّ الظَّهْرانِ، قال العباسُ: قلتُ: واللهِ لئن دخلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مكةَ عَنْوَةً قبل أن يأتوه فيستأمِنوه، إنَّه لَهلاك قُريشٍ، فجلستُ على بغلةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: لَعلِّي أجدُ ذا حاجةٍ يأتي أهلَ مكةَ، فيُخبرَهم بمكانِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ليَخرجوا إليه فيستأمِنُوه، فإني لأَسيرُ إذ سمعتُ كلامَ أبي سفيانَ، وبُدَيلَ بن وَرْقاءٍ، فقلت: يا أبا حنظلةَ، فعرف صوتي، قال: أبو الفضْل؟ قلت: نعم، قال: مالك، فداك أبي وأُمي؟!! قلت: هذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والناسُ، قال: فما الحيلةُ؟ قال: فركب خلفي ورجع صاحبُه، فلما أصبحَ غدوتُ به على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فأسلَم، قلت: يا رسولَ الله، إن أبا سفيان رجلٌ يحب هذا الفخرَ، فاجعلْ له شيئاً، قال:"نعم، مَنْ دخل دارَ أبي سفيانَ فهو آمِنٌ، ومَنْ أغلقَ عليه دَارَهُ فهو آمِنٌ، ومن دخل المسجدَ فهو آمِنٌ"، قال: فتفرَّق الناسُ إلى دُورهم، وإلى المسجدِ
(1)
.
(1)
صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لإبهام الراوي عن ابن عباس، ولكنه متابع كما بيناه في الطريق السابق قبله.
وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 9/ 118، وفي "معرفة السنن والآثار"(18252) من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.
قال الخطابي: فيه من الفقه أن المشرك إذا خرج من دار الكفر وأسلم وبقيت زوجته في دار الكفر لم تُسلم، فإن الزوجية بينهما لا تنفسخ ما اجتمعا على الإسلام قبل انقضاء العدة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ظهر على مكة بعدُ. وأسلم أبو سفيان بمر الظهران، وبقيت هند بمكة وهى دار كفر بعد، ثم اجتمعا في الإسلام قبل انقضاء العدة فكانا على نكاحهما. =
3023 -
حدَّثنا الحسنُ بن الصبَّاح، حدَّثنا إسماعيلُ -يعني ابنَ عبدِ الكريم- حدثني إبراهيمُ بن عَقيل بن مَعقِلٍ، عن أبيه، عن وهب قال: سألتُ جابراً: هل غنِمُوا يومَ الفتحِ شيئاً؟ قال: لا
(1)
.
3024 -
حدَّثنا مسلمُ بن إبراهيمَ، حدَّثنا سلاَّم بن مِسكينٍ، حدَّثنا ثابتٌ البُنَانيُّ، عن عبدِ الله بن رباحٍ الأنصاريِّ
عن أبي هريرة: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما دخلَ مكةَ سَرَّحَ الزبيرَ بن العوّامِ، وأبا عُبيدةَ بن الجراح، وخالدَ بن الوليد على الخيل، وقال: "يا أبا
= واحتج بقوله: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" من زعم أن فتح مكة كان عنوة لا صلحاً، وأن للإمام إذا ظهر على قوم كفار أن يؤمن من شاء منهم، فيُمنَّ عليه، ويقتل من شاء منهم، وله أن يترك الأرض في أيدي أهلها، لا يقسمها بين الغانمين.
وذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك أرض مكة ودورها في أيدي أهلها، ولم يقسمها.
وممن قال إنه فتحها عنوة: الأوزاعي وأبو يوسف، وأبو عُبيد القاسم بن سلام، إلا أن أبا عبيد زعم أنه منَّ على أهلها، فردها عليهم، ولم يقسمها، ولم يجعلها فيئاً، وكان هذا خاصاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، ليس لغيره من الأئمة أن يفعل ذلك في شيء من البلدان غيرها. وذلك: أنها مسجد لجماعة المسلمين، وهي مُناخ من سبق.
وأجور بيوتها لا تطيب ولا تباع رباعها. وليس هذا لغيرها من البلدان.
وقال الشافعي: فتحت مكة صلحاً. وقد سبق لهم أمان. فمنهم من أسلم قبل أن يُظْهَر لهم على شيء، ومنهم من لم يُسلم، وصار إلى قبول الأمان بإلقاء السلاح ودخول داره. فكيف يغنم مال مُسلم، أو مال من بُذِل له الأمان؟
ومَرّ الظهران: موضع بينه وبين البيت ستة عشر ميلاً، ويُعرف الآن باسم وادي فاطمة، أو الجُمُوم.
(1)
إسناده صحيح.
وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" 2/ 143، والبيهقي 9/ 121 من طريق إسماعيل ابن عبد الكريم، بهذا الإسناد.
هريرةَ، اهتِفْ بالأنصار"، قال: اسلُكوا هذا الطريقَ، فلا يُشْرِفَنَّ لكم أحدٌ إلا أنمتُموه، فنادَى مُنادٍ: لا قريشَ بعد اليومِ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "من في دخل داراً فهو آمِنٌ، ومَنْ ألقى السلاحَ فهو آمِنٌ"، وعَمَدَ صناديدُ قُريشٍ فدخلُوا الكعبةَ، فغَصَّ بهم، وطافَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وصلى خلفَ المقامِ، ثم أخذَ بجَنَبتَي البابِ، فخرجُوا: فبايعوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم على الإسلام
(1)
.
قال أبو داود: سمعت أحمدَ بن حنبلٍ وسأله رجلٌ، قال: مكةُ عَنوةً هي؟ قال: أيشٍ يضرُّك ما كانت؟ قال: فصُلْح؟ قال: لا
(2)
.
(1)
إسناده صحيح. ثابت البُناني: هو ابنُ أسلم.
وأخرجه بأطول مما هاهنا مسلم (1780)، والنسائي في "الكبرى"(11234) من طريق ثابت بن أسلم البناني، به.
وهو في "مسند أحمد"(10948)، و"صحيح ابن حبان"(4760).
وقوله في آخر الحديث: وطاف النبي صلى الله عليه وسلم، وصلى خلف المقام، سلف عند المصنف برقم (1871) و (1872).
قوله: "سَرَّح" قال في "اللسان": سرَّحتُ فلاناً إلى موضع كذا: إذا أرسلتَه.
وقوله: "لا يُشرفن لكم أحد إلا أنمتموه" قال النووي في "شرح مسلم": ما أشرف لهم أحد إلا أناموه، أي: ما ظهر لهم أحد إلا قتلوه.
وقوله: "صناديد قريش": قال ابن الأثير: هم أشرافُهم وعظماؤهم ورؤساؤهم، الواحد صِنْديد، وكل عظيم غالب صِنديدٌ.
وقوله: "بجنَبتَي الباب" قال صاحب "اللسان" الجانب: الناحية، وكذلك الجَنَبة.
(2)
مقالة أبي داود هذه أثبتناها من هامش (هـ)، وأشار هناك إلى أنها من رواية ابن الأعرابي. وقد كان ذكرها الحافظ بعد ترجمة هذا الباب مباشرة قبل الحديث (3021) ثم أشار إلى حذفها.