الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
المريض إذا خاف شِدَّة مرضه، أو تأَخُّر بُرئه أفطر، وقضى.
منحة السلوك
فصل
هذا الفصل في بيان العوارض
(1)
.
[صوم المريض]
قوله: المريض إذا خاف شدة مرضه، أو تأخر برئه أفطر وقضى.
لأن ذلك قد يفضي إلى الهلاك، فيجب الاحتراز عنه
(2)
.
وطريق معرفته: الاجتهاد، فإذا غلب على ظنه أفطر، وكذا إذا أخبره طبيب حاذق
(3)
(1)
لما ذكر مسائل الصوم شرع في هذا الفصل في بيان وجوه الأعذار المبيحة للفطر في الصوم، وما يتعلق بها.
والأعذار المبيحة للفطر: المرض، والسفر، والحبل، والرضاع إذا أضر بها، أو بولدها، والكبر إذا لم يقدر عليه، والعطش الشديد، والجوع كذلك إذا خيف منهما الهلاك، أو نقصان العقل، كالأمة إذا ضعفت عن العمل وخشيت الهلاك بالصوم، وكذا الغازي إذا كان يعلم يقينًا أنه يقاتل العدو في شهر رمضان، ويخاف الضعف إن لم يفطر يفطر قبل الحرب، مسافرًا كان أو مقيمًا، والعمل الحثيث إذا خشي الهلاك، أو نقصان العقل، وقد جمعها بعضهم فأجمل قائلًا:
وعوارض الصوم التي قد تغتفر
…
للمرء فيها الفطر تسع تستطر
مرض وإكراه وإرضاع سفر
…
حبل جهاد جوعه عطش كبر
حاشية الشلبي 1/ 333، شرح فتح القدير 2/ 350، العناية 2/ 350، مراقي الفلاح ص 630.
(2)
وكذا عند الشافعية، والحنابلة.
المختار 1/ 134، الكتاب 1/ 169، بدائع الصنائع 2/ 94، شرح فتح القدير 2/ 351، السراج الوهاج ص 143، إخلاص الناوي 1/ 296، نيل المآرب 1/ 276، المحرر 1/ 228.
(3)
الحذق: القطع، يقال: حذق السكين الشيء إذا قطعه، ومنه الرجل الحاذق في صناعته، =
والمسافر أفطر مطلقًا، وصومه أفضل، إن لم تنله مشقة.
منحة السلوك
عدل
(1)
.
والصحيح الذي يخشى أن يمرض بالصوم، فهو كالمريض
(2)
. وكذا الأمة التي تخدم، إذا خافت الضعف، جاز أن تفطر، ثم تقضي
(3)
.
قوله: والمسافر أفطر مطلقًا.
أي: سواء خاف المرض، أو لم يخف؛ لأن عين السفر مشقة، وصومه أفضل عندنا إن لم تنله مشقة
(4)
؛ لقوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184]، ولما روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه
(5)
قال: "خرجنا مع رسول الله
= وهو الماهر، وذلك أنه يحذق الأمر، أي: يقطعه، ولا يدع فيه متعلقًا.
تاج العروس 6/ 310 مادة حذق، لسان العرب 10/ 40 مادة حذق، معجم مقاييس اللغة 2/ 38 باب الحاء والذال وما يثلثهما مادة حذق، المصباح المنير 1/ 126 مادة حذق.
(1)
شرح فتح القدير 2/ 351، تبيين الحقائق 1/ 333.
(2)
وفاقًا للثلاثة.
تبيين الحقائق 1/ 333، شرح فتح القدير 2/ 350، جواهر الإكليل 1/ 153، حاشية الدسوقي 2/ 535، مغني المحتاج 1/ 437، شرح المحلي 2/ 64، زاد المستقنع ص 173، غاية المنتهى 2/ 180.
(3)
تبيين الحقائق 1/ 333، شرح فتح القدير 2/ 350.
(4)
وإليه ذهب المالكية، والشافعية.
الهداية 1/ 136، بدائع الصنائع 2/ 94، كنز الدقائق 1/ 33، بداية المبتدي 1/ 136، تبيين الحقائق 1/ 333، التفريع 1/ 304، الكوكب الدري في مسائل الغوري (مخطوط) ق 315 النسخة الأصلية لدى مكتبة أحمد الثالث بتركيا تحت رقم 1377، التلقين ص 59، روضة الطالبين 2/ 370، مغني المحتاج 1/ 271، أسنى المطالب 1/ 423.
(5)
هو عويمر بن مالك بن قيس بن أمية الأنصاري الخزرجي، أبو الدرداء، صحابي جليل. من الحكماء الفرسان، القضاة، كان قبل البعثة تاجرًا في المدينة، ثم انقطع للعبادة ولما ظهر =
فإن ماتا في السفر والمرض فلا قضاء
منحة السلوك
صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته في حر شديد، حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، ما فينا صائم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن رواحة" رواه البخاري ومسلم، وأبو داود
(1)
.
فعُلم أن الصوم أفضل؛ لأنه اختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الشافعي: الفطر أفضل
(2)
.
قوله: فإن ماتا في السفر والمرض.
أي: وإن مات المريض في مرضه، والمسافر في سفره، فلا قضاء
= الإسلام اشتهر بالشجاعة والنسك، كان أحد الذين جمعوا القرآن حفظًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، مات بالشام سنة 32 هـ.
أسد الغابة 6/ 97، الإصابة 3/ 45، حلية الأولياء 1/ 208، غاية النهاية 1/ 606.
(1)
البخاري 2/ 686 كتاب الصوم، باب إذا صام أيامًا من رمضان ثم سافر رقم 1843، ومسلم 2/ 790 كتاب الصيام، باب التخيير في الصوم والفطر في السفر رقم 1122، وأبو داود 2/ 317 كتاب الصوم، باب فيمن اختار الصيام رقم 2409.
(2)
مذهب الشافعية: أن الصوم أفضل من الفطر، كالحنفية، والمالكية.
قال في المجموع 6/ 265: "مذهبنا: أن صومه أفضل. وبه قال: حذيفة بن اليمان، وأنس بن مالك، وعثمان بن العاص، وعروة بن الزبير، والأسود بن يزيد، وأبو بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث، وسعيد بن جبير، والنخعي، والفضيل بن عياض، ومالك، وأبو حنيفة، والثوري، وعبد الله بن المبارك، وأبو ثور، وآخرون".
وقال في المنهاج 1/ 307: "والصوم أفضل من الفطر" اهـ.
وقال في مغني المحتاج 1/ 271: "والصوم -أي صوم رمضان- لمسافر سفرًا طويلًا، أفضل من الفطر؛ لما فيه من تبرئة الذمة، وعدم إخلاء الوقت عن العبادة؛ ولأنه الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم".
وقال في الوجيز 1/ 103: "والصوم أحب من الفطر في السفر".
وما ذكره المصنف من أن الفطر أفضل من الصوم، هو مذهب الحنابلة. وبه قال: ابن =
عليهما، وإن صح المريض، أو أقام المسافر، ثم ماتا، وجب الإيصاء
(1)
بقدر ما أدركا.
منحة السلوك
عليهما؛ لأنهما لم يدركا عدة أيام أخر
(2)
.
قوله: وإن صح المريض، أو أقام المسافر، ثم ماتا، وجب الإيصاء بقدر ما أدركا
(3)
.
هذا فائدة لزوم القضاء بقدر صحة المريض، وإقامة المسافر
(4)
.
وإذا أوصى: يؤدي الوصي من ثلث ماله، لكل يوم مسكينًا، بقدر ما
= عباس، وابن عمر، وابن المسيب، والشعبي، والأوزاعي، وإسحاق.
الروض المربع ص 173، مطالب أولي النهى 2/ 180، الإفصاح 1/ 247، المغني 3/ 90.
(1)
في ب بزيادة: "بالطعام".
(2)
ولأنهما عذرا في الأداء، فلأن يعذرا في القضاء أولى، وهذا لأن وجوب القضاء فرع وجوب الأداء، فما يمنع وجوب الأصل يمنع وجوب الفرع.
الكتاب 1/ 170، المختار 1/ 134، تحفة الفقهاء 1/ 359، الاختيار 1/ 134، العناية 2/ 351، الكافي لابن عبد البر ص 122، الشرح الصغير 1/ 253، التذكرة ص 77، قليوبي 2/ 66، المبدع 3/ 48، حاشية ابن قاسم على الروض المربع 3/ 441.
(3)
وعند المالكية: لو مات قبل أن يقضي تلك الأيام يستحب للورثة الإطعام عنه إذا فرط أن يوصي وليس ذلك عليهم بواجب.
وعند الشافعية: إن مات بعد التمكن من القضاء ولم يقض لم يصم عنه وليه في الجديد بل يُخرج من تركته لكل يوم مد طعام، وفي القديم: يجوز أن يصوم عنه وليه ويجوز له الإطعام.
وعند الحنابلة: إذا صحّ المريض أو أقام المسافر ثم ماتا بعد إمكان القضاء فالواجب أن يطعم عنه كل يوم مسكين والإطعام من رأس ماله أوصى به أو لا.
الكتاب 1/ 170، المختار 1/ 135، الكافي لابن عبد البر ص 122، القوانين الفقهية ص 82، شرح المحلي على المنهاج 2/ 66، عميرة 2/ 66، الإقناع للحجاوي 2/ 335، الروض المربع ص 180.
(4)
العناية 2/ 352، تبيين الحقائق 1/ 334.