الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأجاب الشوكاني عن أدلة الجمهور: بأنها لا تفيد أكثر من الوجوب.
والراجح -والله أعلم- هو قول الجمهور؛ لما تقدم، وأما أدلة الشوكاني؛ فحديث سهل ليس بصريح؛ فإنَّ فيه خشية انكشاف العورة فقط، وقد قيل أيضًا: إنما نُهِي النساء عن ذلك؛ لئلا يلمحن عند رفع رؤوسهن من السجود شيئًا من عورات الرجال بسبب ذلك عند نهوضهن.
قال الحافظ رحمه الله: ويؤخذ منه أنه لا يجب التستر من أسفل. اهـ
وأما حديث عمرو بن سلمة؛ فيجاب عنه بأنَّ الظهور اليسير من العورة مع عدم القصد، لا يضرُّ، والله أعلم.
(1)
مسألة [2]: حدُّ العورة من الرجل
.
قال ابن المنذر رحمه الله في «الأوسط» : لم يختلف أهل العلم أن مما يجب على المرء ستره في الصلاة القُبُل، والدُّبُر. انتهى.
• وقد ذهب جمهور العلماء إلى أنَّ عورة الرجل ما بين السُّرَّة والرُّكْبَة.
واستدلوا على ذلك بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال:«إذا زَوَّجَ أحدُكُم خادِمَهُ عبدَهُ، أو أجيرَهُ؛ فلا ينظر إلى ما دون السُّرَّة، وفوق الرُّكْبَة» ، وفي رواية:«فإنَّ ما تحت السُّرَّة إلى الركبة من عورته» .
وهذا الحديث أخرجه أحمد (2/ 187)، وأبو داود (496)، والدارقطني (1/ 230)، والبيهقي (2/ 229)، وغيرهم، وهو من رواية: سَوَّار بن داود، عن
(1)
وانظر: «شرح المهذب» (3/ 167)، «المغني» (2/ 283)، «فتح الباري» (361)، «فتح الباري» لابن رجب (2/ 158 - 159)، «غاية المرام» (3/ 290 - )، «الشرح الممتع» (2/ 145 - 147).
عمرو بن شعيب به، وسوار بن داود الرَّاجح أنه حسن الحديث إذا لم يخالف، فقد قال الحافظ في «التقريب»: صدوق له أوهام. وهو إن شاء الله كما يقول، وهذا الحديث قد ذكره الذهبي في «الميزان» مُشِيرًا إلى أنه قد ضُعِّفَ بسببه.
وهذا الحديث، الظاهر أنه ضعيفٌ لأمرين:
الأمر الأول: أن سَوَّار بن داود قد اضطرب في ألفاظه، فتارة يرويه بلفظ:«عبده، أو أجيره» ، ولا ذِكْر للأمة، وتارة:«عبده، أمته» ، وتارة يرويه بِجَعْلِ الخطاب للسيد، أنْ لا ينظر إلى عورة عبده، أو أجيره، وتارة يجعله خطابًا للأمة، أنْ لا تنظر إلى عروة السيد.
الأمر الثاني: أنَّ الأوزاعي رحمه الله قد جوَّدَ الحديث، وأتقن لفظه، فقد قال البيهقي في «السنن الكبرى» (2/ 226): أخبرنا أبو علي الرُّوذباري، نا محمد بن بكر، ثنا أبو داود، ثنا محمد بن عبد الله بن ميمون، ثنا الوليد، ثنا الأوزاعي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، قال:«إذا زوج أحدكم عبده أمته، أو أجيره؛ فلا ينظرن إلى عورتها» ، وهذا إسناد صحيح إلى الأوزاعي.
فَبَيَّنَ الأوزاعي في روايته أنَّ الخطاب للسيد أنْ لا ينظر إلى عورة أمته، ولم يذكر التحديد في عورتها، فهذه الرواية هي المحفوظة بدون شك؛ لإمامة الأوزاعي، وضعف سَوَّار بن داود، فكيف تكون زيادة سَوَّار محفوظة؟!
وقد جاء الحديث عن أبي أيوب الأنصاري بلفظ: «أَسْفَلُ السُّرَّة، وفوق الرُّكْبَتَيْنِ من العَوْرَةِ» ، أخرجه الدارقطني (1/ 231)، وإسناده ضعيفٌ جدًّا، ففيه:
سعيد بن راشد المازني، السماك، قال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك. وفيه أيضًا: عَبَّاد بن كثير، وهو متروك.
واستدل الجمهور أيضًا بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال له:«لا تكشف فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حَيٍّ، ولا ميت» ، أخرجه أبو داود (3140)، وابن ماجه (1460)، من رواية ابن جريج، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه، وله علَّتان:
الأولى: أنَّ ابن جريج لم يسمعه من حبيب بن أبي ثابت، فقد قال في رواية أبي داود: أُخْبِرْتُ عن حبيب. قال ابن المديني: رأيته في كتب ابن جريج (أخبرني إسماعيل بن مسلم).
قلتُ: هو المكي، متروكٌ.
وقال أبو حاتم الرَّازي كما في «العلل» لابنه (2308): لم يسمع ابن جريج هذا الحديث من حبيب، إنما هو حديث عمرو بن خالد الواسطي، فأرى أن ابن جريج أخذه عن الحسن بن ذكوان، عن عمرو بن خالد، عن حبيب.
الثانية: أنَّ حبيب بن أبي ثابت لم تثبت له رواية عن عاصم بالسماع منه، قاله أبو حاتم، والدارقطني.
واستدل الجمهور بحديث: «الفخذ عورة» ، وهذا الحديث جاء عن ابن عباس، ومحمد بن جحش، وجرهد.
أما حديث ابن عباس؛ فهو من رواية أبي يحيى القَتَّات، عن مجاهد، عن ابن عباس، وأبو يحيى القَتَّات ضعيفٌ، وقد قال أحمد: روى عنه إسرائيل أحاديث مناكير جدًّا كثيرة.
قلتُ: وهذا الحديث من رواية إسرائيل عنه، كما في «مسند أحمد» (1/ 275)، و «سنن الترمذي» (2796).
وأما حديث محمد بن جحش، فأخرجه أحمد من رواية العلاء بن عبدالرحمن، عن أبي كثير مولى محمد بن جحش، عن محمد بن جحش، به، وإسناده ضعيف؛ لجهالة حال أبي كثير، بل قال بعضهم: إنه لا يعرف إلا في هذا الإسناد؛ فيكون مجهول عين.
وأما حديث جرهد، فقال الحافظ رحمه الله في «تغليق التعليق» (2/ 209): إنه حديثٌ مضطربٌ جدًّا.
وقال في «فتح الباري» : وقد ضعَّفَه المصنف يعني البخاري في «التاريخ الكبير» ؛ للاضطراب في إسناده، وقد ذكرتُ كثيرًا من طرقه في «تغليق التعليق» .
وقال في «التغليق» بعد أن ذكر كثيرًا من طرقه: ولو ذهبتُ أحكي ما عندي من طرق هذا الحديث؛ لاحتمل أوراقًا، ولكن الاختصار أولى، والله أعلم.
قلتُ: هذه الثلاثة الأحاديث تدلُّ على أنَّ للحديث أصلًا، ولولا مخالفتها للأحاديث الصحيحة التي ستأتي -إن شاء الله- لحَسَّنَّاه، والذي يظهر ضعفُه، والله أعلم.
• وذهب طائفة من أهل العلم إلى أنَّ الفخذ ليس بعورة، وهو قول ابن أبي ذئب، وداود، والطبري، وأحمد في رواية عنه، رجَّحها طائفة من متأخري أصحابه، والاصطخري من الشافعية، وحكاه بعضهم رواية عن مالك.
واستدل أهل هذا القول بحديث أنس رضي الله عنه في «الصحيحين»
(1)
، أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لَمَّا سار إلى خيبر، حَسَرَ الإزار عن فخذه. هكذا رواية البخاري، وفي رواية مسلم: انحسر. قال أنس فيهما: حتى إني لأنظر إلى فخذ نبي الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وإنَّ ركبتي لتمس فخذ نبي الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
ولا يصح أن يقال في هذا الحديث إنه انحسر من غير إرادة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ لأنَّ رواية البخاري تدل على أنه حسره بنفسه، وكذلك لو كان من غير قصد؛ لغَطَّاهُ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ولا يصح أن يقال: إنه لم يعرف بانكشاف فخذه؛ لأنَّ الإنسان يشعر بانكشاف فخذه إذا انكشف، ولأنَّ أنسًا قد أخبر أن ركبته كانت تمس فخذ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ورواية البخاري لا تنافي رواية مسلم؛ إذ يمكن أن يُقال: حسر الإزار، فانحسر.
واستدل هؤلاء أيضًا بحديث عائشة رضي الله عنها في «صحيح مسلم» (2401)، قالت: كان النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مضطجعًا في بيتي، كاشفًا عن فخذيه، أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر، فأذن له، فدخل، ثم استأذن عمر، فأذن له، فدخل، فلما دخل عثمان، سَوَّى ثيابه، ثم قال:«ألا استحي من رجل تستحي منه الملائكة» ، وقد أخرجه الطحاوي
(1)
أخرجه البخاري برقم (371)، ومسلم برقم (120)، من [كتاب الجهاد].