الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ رحمه الله في «الفَتْحِ» (6382): "هُوَ ظَاهِرٌ فِي تَأْخِيرِ الدُّعَاءِ عَنِ الصَّلَاةِ، فَلَوْ دَعَا بِهِ فِي أثناء الصَّلَاة احْتمل الإجزاء وَيَحْتَمِلُ التَّرْتِيبَ عَلَى تَقْدِيمِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الدُّعَاءِ؛ فَإِنَّ مَوْطِنَ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ السُّجُود أَو التَّشَهُّد. وَقَالَ ابن أَبِي جَمْرَةَ: الْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى الدُّعَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِخَارَةِ حُصُولُ الْجَمْعِ بَيْنَ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ فَيَحْتَاجُ إِلَى قَرْعِ بَابِ الْمَلِكِ، وَلَا شَيءَ لِذَلِكَ أَنْجَعُ وَلَا أَنْجَحَ مِنَ الصَّلَاةِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَالِافْتِقَارِ إِلَيْهِ مَآلًا وَحَالًا".اهـ
قلتُ: الظاهر من الحديث: «إِذَا هَمَّ أحدكم بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ» أن الدعاء عقب الصلاة، ومن دعا قبل التسليم كما أشار شيخ الإسلام رحمه الله؛ فله وجه، ولا ينكر على من فعله.
مسألة [3]: بأي الأمرين يأخذ المصلي بعد الاستخارة
؟
قَالَ الإِمَامُ الشَّوكانيُّ رحمه الله في «النَّيلِ» (بَابُ صَلاةِ الاسْتِخَارة): "قَالَ النَّوَوِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ مَا يَنْشَرِحُ لَهُ".اهـ
قال الشوكاني: "ولَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى انْشِرَاحٍ كَانَ لَهُ فِيهِ هَوًى قَبْلَ الِاسْتِخَارَةِ، بَلْ يَنْبَغِي لِلْمُسْتَخِيرِ تَرْكُ اخْتِيَارِهِ رَأْسًا وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ مُسْتَخِيرًا لِلَّهِ، بَلْ يَكُونُ مُسْتَخِيرًا لِهَوَاهُ وَقَدْ يَكُونُ غَيْر صَادِقٍ فِي طَلَبِ الْخِيَرَةِ، وَفِي التَّبَرِّي مِنْ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَإِثْبَاتِهِمَا لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا صَدَقَ فِي ذَلِكَ تَبَرَّأَ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَمِنْ اخْتِيَارِهِ لِنَفْسِهِ".اهـ
قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ رحمه الله في «الفَتْحِ» (6382): "ويستدل لَهُ-يعني: قول النووي- بِحَدِيث أنس عِنْد ابن السُّنِّيِّ: «إِذَا هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَاسْتَخِرْ رَبَّكَ سَبْعًا ثُمَّ انْظُرْ إِلَى الَّذِي يَسْبِقُ فِي قَلْبِكَ؛ فَإِنَّ الْخَيْرَ فِيهِ» ، وَهَذَا لَوْ ثَبَتَ لَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدَ لَكِنَّ سَنَدَهُ وَاهٍ جِدًّا
(1)
وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ مَا يَنْشَرِحُ بِهِ صَدْرُهُ مِمَّا كَانَ لَهُ فِيهِ هَوًى قَوِيٌّ قَبْلَ الِاسْتِخَارَةِ، وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ:«وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه»
(2)
.
وقال العز بن عبد السلام: يفعل بعد الاستخارة ما اتفق له".
قال أبو عبد الله غفر الله له: ما ذكره النووي من أنه يفعل ما ينشرح له صدره أقرب؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «البر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس» ، ولما أشار عمر رضي الله عنه على أبي بكر الصديق رضي الله عنه بجمع القرآن، لم يزل يراجعه. قال أبو بكر: حتى شرح الله صدري لذلك؛ فدعيا زيد بن ثابت رضي الله عنه. قال زيد: فلم يزالا يراجعاني حتى شرح الله
(1)
سيأتي سبب وهائه وضعفه في كلام الشوكاني الآتي في المسألة اللاحقة.
(2)
صحيح لغيره. أخرجه أبو يعلى (1342)، وابن حبان (885) من طريق ابن إسحاق، قال: حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا أراد أحدكم أمرا فليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كان كذا وكذا -من الأمر الذي يريد- لي خيرًا في ديني، ومعيشتي، وعاقبة أمري، وإلا فاصرفه عني، واصرفني عنه، ثم قدر لي الخير أينما كان، لا حول ولا قوة إلا بالله» .
وهذا إسنادٌ ضعيف؛ عيسى بن عبد الله بن مالك مجهول الحال، والحديث صحيح بشاهده عن جابر رضي الله عنه، الذي ذكرناه في الكتاب.