الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة [5]: صيغة الاستعاذة
.
يجوز للمسلم أن يستعيذ بقوله: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم) كما في حديث الباب. وبقوله: (أعوذ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) لظاهر قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98]، وكلاهما قد ورد عن الصحابة رضوان الله عليهم.
قال الإمام ابن أبي شيبة رحمه الله (1/ 237): حدثنا حفص، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، قال: افتتح عمر الصلاة، ثم كبر، ثم قال:(سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، الحمد لله رب العالمين).
حدثنا حفص، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، كان يتعوذ يقول:«أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» ، أو «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم» .
إسناده الأول صحيح، رجاله رجال الشيخين. وإسناده الثاني صحيح؛ لولا عنعنة ابن جريج، ولكنه صرح بالسماع عند عبد الرزاق:
وقال الإمام عبد الرزاق رحمه الله (2/ 84) عن ابن جريج قال: سألت نافعًا، مولى ابن عمر: عن هل تدري كيف كان ابن عمر يستعيذ؟ قال: كان يقول: «اللهم أعوذ بك من الشيطان الرجيم» ، وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين.
فائدة: قال الإمام عبد الرزاق (2/ 84): عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال:"همزُه: المؤتة. يعني: الجنون، ونفخه: الكبر، ونفثه: الشعر".
وهذا إسنادٌ صحيح، رجاله رجال الشيخين.
265 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالقِرَاءَةِ: ب {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وَكَانَ إذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ. وَكَانَ إذَا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا. وَكَانَ إذَا رَفَعَ مِنَ السُّجُودِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا. وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ. وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ اليُسْرَى وَيَنْصِبُ اليُمْنَى. وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ، وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ. وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ بِالتَّسْلِيمِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَلَهُ عِلَّةٌ.
(1)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
قولها: كان يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بـ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
الأدلة متواترة بأنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يستفتح صلاته بتكبيرة الإحرام، وهي ركنٌ، وقد تقدم الكلام عليها.
وأما قولها: والقراءة بـ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ؛ فيشهد له حديث أنس في «الصحيحين»
(2)
، وحديث أبي هريرة في «مسلم» .
(3)
(1)
أخرجه مسلم برقم (498) من طريق: أبي الجوزاء عن عائشة، ولم يسمع منها؛ فهو منقطع وهي العلة التي أشار إليها الحافظ، ولكن للحديث شواهد يصحُّ بها، وسنذكرها إن شاء الله عند التعليق على كل فقرة.
(2)
سيأتي تخريجه قريبًا برقم (271).
(3)
أخرجه مسلم برقم (599)، بلفظ: كان رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، ولم يسكت.
قولها: وكان إذا ركع لم يشخص رأسه، ولم يصوبه.
معنى: (يشخص)، أي: يرفع، ومعنى:(يصوبه)، أي: يخفضه، ومثل هذا الحديث حديث أبي حميد في «البخاري» وقد تقدم: ثم هصر ظهره، ويُستفاد من ذلك استحباب استواء الظهر عند الركوع من غير تقويس.
قولها: وكان إذا رفع رأسه من الركوع .... إلى قولها: جالسًا.
هو بمعنى حديث المسيء في صلاته، وقد تقدم.
قولها: وكان يقول في كل ركعتين التحية.
معلوم هذا بأدلة أخرى متواترة.
قولها: وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى.
يشهد له ما صح عند ابن المنذر في «الأوسط» (3/ 191)، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: إنَّ من سنة الصلاة أن تضجع رجلك اليسرى، وتنصب اليمنى.
قولها: وكان ينهى عن عقبة الشيطان.
هو الإقعاء في الصلاة، والإقعاء نوعان:
الأول: الإقعاء كإقعاء الكلب، وهو أن يلصق إليتيه بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض، وقد جاء النهي عن هذا في حديث أبي هريرة عند أحمد (2/ 311)، والبيهقي (2/ 120)، وغيرهما:«نهى عن إقعاء كإقعاء الكلب» ، وهو حديث صالح في الشواهد، والإقعاء بهذا التفسير هو قول أبي عبيدة، وأبي عبيد، والبيهقي، وابن الصلاح، والنووي، وهذا الإقعاء كرهه أهل العلم؛ للحديثين
المتقدمين، ويدل عليه قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«ليس لنا مثل السوء، مثل الذي يعود في هبته كالكلب يقيء، ثم يعود في قيئه، فيأكله» .
(1)
قال الترمذي رحمه الله في «سننه» (2/ 73): والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، يكرهون الإقعاء.
الثاني: أن ينصب قدميه، ويُمِسَّ إليتيه عقبيه، وهذا التفسير للإقعاء فسَّره ابن الأثير كما في «النهاية» ، وهو قول جماعة من أهل العلم، وكره هذا الإقعاء جمهور العلماء، بينما ذهب الشافعي، وجماعة من المحدثين إلى مشروعية الإقعاء بهذه الصورة، وقد صحَّ هذا عن عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر كما في «سنن البيهقي» (2/ 120)، بل قال ابن عباس كما في «صحيح مسلم» (536)، و «سنن البيهقي» ، وغيرهما: هي السنة.
وهذا القول هو الصواب.
وأما حديث علي الذي استدل به الجمهور عند الترمذي (282)، وغيره:«يا علي لا تُقْعِ بين السجدتين» ، ففي إسناده: الحارث الأعور، وقد كذب، ومع ذلك فليس بصريح؛ لاحتمال أن يريد الكيفية الأخرى، والله أعلم.
(2)
قولها: وكان ينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع.
أخرج الشيخان
(3)
من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
(1)
سيأتي في الكتاب برقم (921).
(2)
وانظر: «المغني» (2/ 206)، «المجموع» (3/ 438)، «سنن البيهقي» (2/ 120).
(3)
أخرجه البخاري برقم (532)، ومسلم برقم (493).
«اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب» .
قال ابن رجب رحمه الله في شرحه لهذا الحديث رقم (822): وفي النهي عن افتراش الذراعين في السجود أحاديث أُخَر، وقد خرج مسلم من حديث عائشة ثم ذكر حديث الباب ومن حديث البراء عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، قال:«إذا سجدت، فضع كفيك، وارفع مرفقيك»
(1)
، وقد ذكر الترمذي أنَّ العمل على هذا عند أهل العلم يختارون الاعتدال في السجود، ويكرهون الافتراش كافتراش السبع، وهذا يُشعر بحكاية الإجماع عليه، وهو قول جمهور العلماء. اهـ
قلتُ: وظاهر النهي التحريم.
قولها: وكان يختم الصلاة بالتسليم.
الأدلة متواترة على ذلك.
(1)
سيأتي في الكتاب برقم (290).