الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصلاة بإدراك سجدةٍ، وهم قالوا: يدرك الصلاة بإدراك جزءٍ منها، والله المستعان، والراجح قول الجمهور.
(1)
مسألة [3]: إذا ترك الصلاة عمدًا بغير عذر حتى خرج وقتُها فهل له أن يقضيها
؟
• ذهب جمهور العلماء إلى أنَّ من أخَّرَ الصلاة بغير عذر حتى خرج وقتُها، يأثم إثمًا كبيرًا، وعليه أن يقضيها بعد خروج وقتها؛ لقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«فَدَيْنُ الله أحقُّ أن يُقْضى» ،
(2)
وقالوا: إذا كان النائم، والناسي يجب عليهما أن يصليا، مع أنهما معذوران؛ فالمتعمد أولى أن يجب عليه القضاء؛ لأنه غير معذورٍ.
• وذهب ابن حزم في «المحلَّى» ، ونقله عن جمعٍ من الصحابة، والتابعين إلى أنه لا يستطيع القضاء، وهو مذهب الحُميدي، وبعض الشافعية، وبعض الحنابلة، منهم: الجوزجاني، وأبو محمد البربهاري، وابن بطة، ورُوي عن الحسن، واختاره شيخ الإسلام كما في «الإنصاف» ؛ لأنَّ الله قد جعل للصلاة وقتًا محدودًا، وقد قال تعالى:{وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:1]، ولا فرق بين من صلَّاها قبل وقتها، وبين من صلَّاها بعد وقتها؛ لأنَّ كليهما صلَّى قبل الوقت، وأيضًا فإنَّ القضاء إيجاب شرع، والشرع لا يجوز لغير الله تعالى على لسان رسوله، ولو جاز أداؤها في غير وقتها؛ لما كان لتحديده عليه السلام آخر وقتها معنى، وكذلك لو
(1)
وانظر: «المغني» (2/ 17 - 18)، «الفتح» (579)، «التمهيد» (1/ 162) ط/مرتبة، «المختارات الجلية» (ص 39)، «فتاوى محمد بن إبراهيم» (2/ 145).
(2)
أخرجه البخاري برقم (1953)، ومسلم برقم (1148) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
صحَّ في غير ذلك الوقت؛ لما كان ذلك الوقت وقتًا له.
واستدل ابن حزم لهذا القول بحديث: «من فاتته صلاة العصر، فكأنما وتر أهله وماله» ،
(1)
فدلَّ على أنَّ ما فات؛ فلا سبيل إلى إدراكه، ولو أدرك، أو أمكن أن يدرك؛ لما فات، كما لا تفوت المنسية أبدًا.
وقد رجَّح هذا القول الإمام ابن القيم، ونقله عنه الإمام الألباني في «الصحيحة» (1/ 100 - وما بعدها)، واستدل له بحديث أبي هريرة الذي في الباب: «من أدرك ركعة من العصر
…
»، وفي رواية:«فليُتِمَّ صلاته» .
قال الإمام الألباني رحمه الله في «الصحيحة» (1/ 100): ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «فليتم صلاته» ، أي: لأنه أدركها في وقتها، وصلَّاها صحيحةً، وبذلك برئت ذمته، وإنه إذا لم يدرك الركعة، فلا يتمها؛ لأنها ليست صحيحة؛ فليست مبرئة للذمة، ولا يخفى أن مثله، وأولى منه من لم يُدْرِك من صلاته شيئًا قبل خروج الوقت، أنه لا صلاة له، ولا هي مبرئة لذمته، أي: أنه إذا كان الذي لم يدرك الركعة لا يؤمر بإتمام الصلاة، فالذي لم يدركها إطلاقًا أولى أن لا يؤمر بها.
ثم ردَّ الإمام الألباني رحمه الله على قياسهم بالنائم، والناسي، فقال: إنه قياسٌ خاطئٌ، بل لعله مِنْ أفسدِ قياسٍ على وجه الأرض؛ لأنه من باب قياس النقيض على نقيضه، وهو فاسدٌ بَدَاهةً؛ إذ كيف يصح قياس غير المعذور على المعذور، والمتعمد على الساهي، ومن لم يجعل الله له كفارة على من جعل الله له كفارة؟!
(1)
أخرجه البخاري (552)، ومسلم (626)، من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- به.
ثم نقل الإمام الألباني كلامًا نفيسًا لابن القيم راجعه من المصدر المذكور، وهذا القول هو الراجح، وهو الذي رجَّحه شيخنا الوالد مقبل الوادعي رحمه الله.
وأما استدلال بعضهم بالحديث: «فدين الله أحق أن يقضى» ؛ فهو استدلالٌ في غير مكانه؛ لأنه مُطالبٌ بتلك العبادة في الوقت الذي وقَّتَهُ الله لها، فإذا خرج ذلك الوقت، لم يَعُد مُطَالبًا بها، بل يكون قد فرَّطَ، وأَثِمَ إثمًا عظيمًا، والله المستعان، وبالله التوفيق.
(1)
(1)
وانظر: «المحلَّى» (279)، «المجموع» (3/ 71)، «الصحيحة» (1/ 100)، «الفتح» لابن رجب (579).