الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زال شكه قبل السلام، وتبين أنه لم يزد في صلاته ولم ينقص، فهنا يُستحب السجود ولا يجب، نقله ابن منصور عن أحمد، وإسحاق. وقال أصحابنا: الصحيح من مذهبنا، ومذهب الشافعي أنه لا يسجد إلا أن يكون قد فعل قبل زوال شكه ما يجوز أن يكون زائدًا؛ فإنه يسجد. وفي المذهبين وجه آخر: لا يسجد بحال؛ لأنَّ السجود إنما يُشرع من زيادةٍ، أو نقصٍ، أو تجويزهما، ولم يوجد شيء من ذلك، وهذا قول سفيان الثوري. انتهى.
قال أبو عبد الله غفر الله له: وهذا المذهب الأخير هو الصواب، ويدل عليه آخر حديث أبي سعيد رضي الله عنه: «فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ
…
» الحديث؛ فإنه يدل على بقاء الشك، ويُفهم منه أنه إذا زال الشك؛ فلا سجود، والله أعلم.
مسألة [4]: محل سجود السهو
.
قد تقدم الكلام على محل سجود السهو في مسألة الشك، والتحري.
• وقد اختلف أهل العلم في محل سجود السهو للزيادة، والنقص، وللشك على أقوال:
القول الأول: أنَّ جميع السجود بعد السلام، وهو مذهب الحسن، والنخعي، وابن أبي ليلى، والثوري، وأصحاب الرأي، واسْتُدِلَّ لهم بحديث ثوبان:«لكل سهو سجدتان بعد ما يسلم» ، وهو حديث ضعيفٌ، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى، ويجزئ عندهم أن يسجدها قبل السلام.
القول الثاني: أنَّ جميع سجود السهو قبل السلام، وهو قول مكحول، والزهري، وربيعة، والأوزاعي، والليث، والشافعي، واستدلوا بحديث ابن بُحينة، وأبي سعيد، وحملوا حديث ذي اليدين على أنه منسوخ.
القول الثالث: إنْ كان من نقصٍ؛ فالسجود قبل السلام، وإنْ كان من زيادة؛ فالسجود بعد السلام، وهو قول مالك، والشافعي في القديم، وأبي ثور، وأحمد في رواية، وإسحاق في رواية.
واستدل هؤلاء على النقص بحديث ابن بُحينة، وقاسوا عليه كل نقص في الصلاة من واجباتها، واستدلوا على الزيادة بحديث ذي اليدين، وبحديث ابن مسعود، وقاسوا عليه كل زيادة يبطل عمدها الصلاة.
القول الرابع: سجود السهو كله قبل السلام؛ إلا في موضعين: من سلَّمَ من نقص ركعةٍ تامة، أو أكثر؛ لحديث ذي اليدين، وإنْ شكَّ الإمام في عدد الركعات فتحرى؛ لحديث ابن مسعود، وهذا هو ظاهر مذهب أحمد، وعليه عامة أصحابه، وهو قول سليمان الهاشمي، وأبي خيثمة، وابن المنذر.
هذه الأقوال هي أشهر الأقوال في المسألة، وقد رجَّح القولَ الثالث شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ثم الإمام ابن عثيمين رحمه الله.
قال أبو عبد الله غفر الله له: الحالات التي جاءت عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يجب علينا أن نتابعه فيها، فإذا حصل السهو في غيرها فما ذكره أهل القول الثالث قريب.
تنبيه: نقل ابن عبد البر، والماوردي عدم الخلاف في الإجزاء عند أهل العلم بين سجود السهو قبل السلام وبعده، وإنما الاختلاف عندهم في الأَوْلَى، والأفضل.
قال ابن رجب رحمه الله: وكذلك صرَّح بهذا طوائفُ من الحنفية، والمالكية، والشافعية، ومن أصحابنا كالقاضي أبي يعلى، وأبي الخطاب، وغيرهما.
قال: وأنكر ذلك طوائفُ من أصحابنا، والشافعية، وقالوا: إنما الاختلاف في محل سجود السهو في وجوبه عند من يراه واجبًا، وفي الاعتداد به، وحصول السنة عند من يراه سُنَّةً. وهذا ظاهر على قواعد أحمد، وأصحابه؛ لأنهم يفرقون في بطلان الصلاة بترك سجود السهو عمدًا، بين ما محله قبل السلام، وما محله بعد السلام؛ فيبطلون الصلاة بترك السجود الذي محله قبل السلام دون الذي محله بعده، ولو كان ذلك على الأولوية لم يكن له أثر في إبطال الصلاة. اهـ
ثم ذكر أنَّ هذا وجه عند الشافعية.
قلتُ: والصواب أنَّه قد وجد خلاف عند بعضهم في الإجزاء، لا في الأفضلية، وهو ترجيح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أعني: أنه اختار عدم الإجزاء، ولكن قد وجد جماعة من الصحابة، سجدوا فيما حقه قبل السلام، سجدوه بعد السلام:
من ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 36) بإسنادٍ صحيح عن الضحاك بن قيس رضي الله عنه، أنه صلَّى بالناس الظهر، فلم يجلس في الركعتين الأوليين، فلما سلم
سجد سجدتين، وهو جالس.
وأخرج ابن المنذر (3/ 309)، والطحاوي (1/ 441) بإسناد صحيح، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وفيه أنه ترك التشهد الأول، ثم سجد سجدتين، وهو جالس بعد ما سلم.
وأخرج الطحاوي (1/ 441) بإسناد صحيح عن ابن الزبير أنه قام في الركعتين الأوليين من الظهر، فسبحنا به، فقال: سبحان الله ولم يلتفت إليهم، فقضى ما عليه، ثم سجد سجدتين بعد ما سلم.
وأخرج ابن أبي شيبة (2/ 29) بإسناد صحيح عن أبي هريرة والسائب القاري أنهما كانا يقولان: السجدتان قبل الكلام وبعد التسليم.
قال أبو عبد الله غفر الله له: فالذي يظهر أن من صنع كما صنع هؤلاء الصحابة، فسجد فيما حقه قبل السلام بعد السلام، أو فيما حقه بعد السلام قبل السلام أنه يجزئه، والله أعلم.
(1)
(1)
وانظر: «فتح الباري» لابن رجب (6/ 491)، «مجموع الفتاوى» (23/ 17 - ).