الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه، وعدم المتابع، والشاهد من وجه معتبر، ومخالفة هيئتها لهيئة باقي الصلوات. انتهى.
(1)
مسألة [2]: هل للمصلي أن يتنفل بأكثر من ركعتين متصلة، بدون تقييد عدد
؟
• قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله في كتابه «التمهيد» (13/ 244):
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ؛ فَقَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الحسن: صلاةالليل وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدِ بْنِ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ: صَلِّ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِنْ شِئْتَ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ شِئْتَ أَرْبَعًا أَوْ سِتًّا أَوْ ثَمَانِيًا. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: صَلِّ مَا شِئْتَ بَعْدَ أَنْ تَقْعُدَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، وَصَلَاةُ النَّهَارِ أَرْبَعًا. وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، وَالنَّهَارِ أَرْبَعُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، إِنْ شَاءَ لَا يسلم إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَسْأَلُ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي النَّافِلَةِ؛ فَقَالَ: أَمَّا الَّذِي أَخْتَارُ فَمَثْنَى مَثْنَى، وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا فَلَا بَأْسَ وَأَرْجُو أَنْ لَا يُضَيَّقَ عَلَيْهِ. فَذَكَرَ لَهُ حَدِيثَ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيٍّ
(1)
وانظر: «التلخيص» (2/ 13 - 14)، «اللآلئ المصنوعة» (2/ 43 - 44).
الْأَزْدِيِّ؟ فَقَالَ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ يَثْبُتُ، وَمَعَ هَذَا حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي تَطَوُّعِهِ بِالنَّهَارِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَالْفَجْرِ وَالْأَضْحَى وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بِالنَّهَارِ.
وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: قَالَ لِي نَافِعٌ: أَمَّا نَحْنُ فَنُصَلِّي بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا قَالَ فَذَكَرْتُهُ لِمُحَمَّدٍ فَقَالَ: لَوْ صَلَّى مَثْنَى كَانَ أَجْدَرُ أَنْ يُحْفَظَ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» كَلَامٌ خَرَجَ عَلَى جَوَابِ السَّائِلِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي بِاللَّيْلِ؟ فَقَالَ: مَثْنَى مَثْنَى. وَلَوْ قَالَ لَهُ: وَبِالنَّهَارِ؟ جَازَ أَنْ يَقُولَ كَذَلِكَ أَيْضًا مَثْنَى مَثْنَى وَمَا خَرَجَ عَلَى جَوَابِ السَّائِلِ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا عَدَاهُ وَسَكَتَ عَنْهُ لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ بِخِلَافِهِ وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ فَصَلَاةُ النَّهَارِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى دَلَائِلِهَا:
فَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهَا وَصَلَاةَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى جَمِيعًا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى تَشَهُّدٌ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» لَمْ يَخُصَّ لَيْلًا مِنْ نَهَارٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ أبي أنس عن عبد الله بن نافع عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ الْمُطَّلِبِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى يُتَشَهَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ»
(1)
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ
(1)
ضعيف. أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (1152)، وأحمد في «المسند» (1/ 211، و 4/ 167)، وأبوداود (1296)، والترمذي (385)، وابن خزيمة (1212)، والمروزي كما في «مختصر قيام الليل» (ص 127)، والنسائي في «الكبرى» (618، و 1444)، والطبراني (18/ 295)، والدارقطني (1/ 418)، والبيهقي (2/ 487) وغيرهم، وفي إسناده: عبد الله بن نافع بن أبي العمياء، وهو مجهول الحال، وقد اختلف في إسناد هذا الحديث فمنهم من جعله عن الفضل بن عباس، ومنهم من جعله عن المطلب بن ربيعة بن الحارث، وعلى كُلٍّ علة الحديث هو جهالة الرجل المذكور.
فَخَالَفَ شُعْبَةَ فِي إِسْنَادِهِ.
ثم استدل بحديث علي البارقي الأزدي عن ابن عمر: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» ، وقد تقدم أنه غير محفوظ.
ثم قال: وَذَكَرَ مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ» أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى يُسَلِّمُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَهَذِهِ فَتْوَى ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى» ، وَعَلِمَ مَخْرَجَهُ وَفَهِمَ مُرَادَهُ، وَحَدِيثُ مَالِكٍ هَذَا وَإِنْ كَانَ مِنْ بَلَاغَاتِهِ؛ فَإِنَّهُ مُتَّصِلٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بكير بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ أن مُحمدَ بنَ عَبدَ الرَّحمنِ بْنِ ثَوْبَانَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» يَعْنِي التَّطَوُّعَ.
وَمِنَ الدَّلِيلِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ صَلَاةَ النَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى كَصَلَاةِ اللَّيْلِ سَوَاءً: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، وَرَكْعَتِي الْفَجْرِ، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ، وَصَلَاةُ الْفِطَرِ وَالْأَضْحَى وَالِاسْتِسْقَاءِ.
وَقَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ» ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ. اهـ
وفي «الأوسط» لابن المنذر (5/ 236): وَكَانَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ يَقُولُ: "الَّذِي نَخْتَارُ لَهُ أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، إِلَّا الْوِتْرَ؛ فَإِنَّ لَهُ أَحْكَامًا مُخْتَلِفَةً، وَأَمَّا صَلَاةُ النَّهَارِ فَأَخْتَارُ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا، وَقَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا، وَضَحْوَةً أَرْبَعًا، لِمَا جَاءَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ؛ فَإِنْ صَلَّى بِالنَّهَارِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ كَانَ جَائِزًا.
وَفِيهِ قَوْلٌ آخر: وَهُوَ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يُجْزِيكَ التَّشَهُّدُ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ لَكَ حَاجَةٌ فَتُسَلِّمَ. هَكَذَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ، وَقَالَ عَطَاءٌ كَذَلِكَ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: الرَّجُلُ فِي سَعَةٍ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ أَنْ لَا يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ ثِنْتَيْنِ، وَإِنْ فَصَلَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ بَعْدَ أَنْ يَتَشَهَّدَ فِي كُلِّ ثِنْتَيْنِ. اهـ
وقال النووي رحمه الله في «المجموع» (4/ 49): قال أصحابنا: التطوع الَّذِي لَا سَبَبَ لَهُ، وَلَا حَصْرَ لَهُ، وَلَا لِعَدَدِ رَكَعَاتِ الْوَاحِدَةِ مِنْه لَهُ أَنْ يَنْوِيَ عَدَدًا وَلَهُ أَنْ لَا يَنْوِيَهُ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى نِيَّةِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا شَرَعَ فِي تَطَوُّعٍ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَلَهُ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَةٍ وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ فَيَجْعَلَهَا رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ عَشْرًا أَوْ مِائَةً أَوْ أَلْفًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَوْ صَلَّى عَدَدًا لَا يَعْلَمُهُ ثُمَّ سَلَّمَ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْإِمْلَاءِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ أبا ذر رضي الله عنه صَلَّى عَدَدًا كَثِيرًا، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ لَهُ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ رحمه الله: هَلْ تَدْرِي: انْصَرَفْتَ عَلَى شَفْعٍ أَمْ على وِتْرٍ؟ قَالَ: إلَّا أَكُنْ أَدْرِي فَإِنَّ اللَّهَ يَدْرِي إنِّي سَمِعْتُ خَلِيلِي أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ -ثُمَّ بَكَى- ثُمَّ قَالَ:
إنِّي سَمِعْتُ خَلِيلِي أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يسجد لله سجدة الا رفع اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً» وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي «مُسْنَدِهِ» بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا رَجُلًا اخْتَلَفُوا فِي عَدَالَتِهِ.
قال أبو عبد الله غفر الله له: بالنظر إلى فعله عليه الصلاة والسلام؛ فإن عامة ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث فيه أنه كان يصلي ركعتين ركعتين، وورد في صلاة الليل أنه صلَّى عليه الصلاة والسلام أربعًا متصلة، وخمسًا، وسبعًا، وتسعًا، كما تقدم بيان ذلك.
وأما في النهار فلم يثبت عنه صريحًا، أنه عليه الصلاة والسلام صلَّى أكثر من ركعتين متصلة بسلام واحد، ولكن ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما بإسناد صحيح كما تقدم أنه كان يتنفل بأربعٍ متصلة في النهار؛ وعليه فلا بأس بذلك كما فعل هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه.
وأما التنفل بأكثر من أربع متصلة في النهار؛ فنختار تركه، ومن عمل ذلك قياسًّا على ما جاء في الليل؛ فلا نستطيع أن نحكم على صلاته بالبطلان.
وأما الحديث الوارد عن أبي ذر رضي الله عنه؛ فإنه من طريق هارون بن رئاب، عن الأحنف بن قيس، عن أبي ذر رضي الله عنه. قال ابن عساكر كما في «معجم الشيوخ» (652): منقطع، هارون بن رئاب لم يدرك الأحنف بن قيس. اهـ
والتنفل بالنهار لا يكون بالوتر؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم لما كان يقضي ما فاته من الليل في النهار كان يصلي من النهار اثنتي عشرة ركعة. وكذلك في حديث سجود السهو،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان» أخرجه مسلم (571) عن أبي سعيد الخدري.
فقوله عليه الصلاة والسلام: «شفعن له صلاته» يدل على عدم مشروعية التنفل بالنهار وترًا.
وحديث أبي ذر المتقدم تقدم أنه ضعيف، وكذلك ما أخرجه عبد الرزاق (3/ 154)، وابن أبي شيبة (2/ 232)، والبيهقي (3/ 24) من طريق قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، قال: دخل عمر بن الخطاب المسجد فركع ركعة، فقيل له: فقال: إنما هو تطوع فمن شاء زاد، ومن شاء نقص، كرهت أن أتخذه طريقا. فإنه أيضًا ضعيف؛ فإن قابوس بن أبي ظبيان ضعيف، وأبو ظبيان لا يعلم له سماع من عمر رضي الله عنه.
فائدة: صلاة الحاجة. أخرج الترمذي (479)، وابن ماجه (1384) من حديث عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنهما: أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى الله حَاجَةٌ، أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ؛ فَلْيَتَوَضَّأْ، فَلْيُحْسِنْ الْوُضُوءَ، ثُمَّ لِيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ لِيُثْنِ عَلَى اللهِ وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ لِيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ العَلِيُّ العَظِيْمُ، سُبْحَانَ الله رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ
كُلِّ إِثْمٍ، لَا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ، وَلَا هَمًّا إِلَّا فَرَّجْتَهُ، وَلَا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ».
وهو ضعيفٌ جدًّا، في إسناده: أبو الورقاء فائد بن عبد الرحمن، قال أحمد: متروكٌ. وقال ابن معين: ليس بثقة. وقال البخاري: منكرُ الحديث.
فائدة: صلاة التوبة. روى أبو داود (1521)، والترمذي (406) عن علي بن أبي طالب، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، مرفوعًا:«مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا، ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَطَهَّرُ، ثُمَّ يُصَلِّي ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ الله، إِلَّا غَفَرَ لَهُ» ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ:«{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ} [آل عمران:135]» .
وفي إسناده: أسماء بن الحكم الفزاري، وهو مجهولٌ، تفرد بالرواية عنه علي ابن ربيعة الوالبي، ولم يوثقه سوى العِجْلِي، وابن حِبَّان، وقال الترمذي: لا نعرف لأسماء بن الحكم حديثًا غير هذا. واستنكر البخاري حديثَه هذا، كما في «الميزان» .
فائدة: صلاة الطهارة. يُستحبُّ لمن توضأ أن يصلي ركعتين بخشوع؛ فإنَّ ذلك من أسباب غفران الذنوب، ودخول الجنة، ثبت ذلك في «الصحيحين»
(1)
عن عثمان، وأبي هريرة رضي الله عنهما، وأخرجه مسلم (234) من حديث عقبة بن عامر، وأحمد (5/ 354) من حديث بريدة، وأبو داود (905) من حديث زيد بن خالد الجهني.
(1)
أخرجه البخاري برقم (159)(1149)، ومسلم برقم (226)(2458).
والحديثان الأخيران في «الصحيح المسند» لشيخنا رحمه الله (159)(357).
فائدة: التنفل بالصلاة بين مغرب وعشاء.
لم يثبت حديث في فضيلة التنفل في هذا الوقت بعدد معين، وقد بينا بعض علل الأحاديث الواردة في ذلك في شرحنا على منتقى الأخبار، ولكن ثبت فيه حديثان عن النبي صلى الله عليه وسلم:
أحدهما: ما أخرجه أحمد (23329)، والترمذي (3781)، والنسائي في «الكبرى» (8240)، وغيرهم بإسناد صحيح عن حذيفة رضي الله عنه، قال: سألتني أمي: منذ متى عهدك بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: فقلت لها: منذ كذا وكذا، قال: فنالت مني وسبتني، قال: فقلت لها: دعيني، فإني آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأصلي معه المغرب، ثم لا أدعه حتى يستغفر لي ولك، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصليت معه المغرب، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى العشاء، ثم انفتل فتبعته، فعرض له عارض فناجاه، ثم ذهب فاتبعته فسمع صوتي، فقال:«من هذا؟» ، فقلت: حذيفة، قال:«ما لك؟» ، فحدثته بالأمر، فقال:«غفر الله لك ولأمك» ، ثم قال:«أما رأيت العارض الذي عرض لي قبيل؟» ، قال: قلت: بلى، قال:«فهو ملك من الملائكة لم يهبط الأرض قط قبل هذه الليلة، استأذن ربه أن يسلم علي، ويبشرني أن الحسن، والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة» .
والحديث الثاني: ما أخرجه أبو داود (1321) بإسناد صحيح عن أنس بن مالك، في هذه الآية: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا
وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16]، قال:«كانوا يتيقظون ما بين المغرب والعشاء يصلون» .
فالتنفل بين المغرب والعشاء مشروع بدون تحديد عدد يعتقد فيه الفضيلة، ويدل على ذلك أيضًا أن الشرع نهى عن الصلاة في ثلاثة أوقات؛ فما عدا ذلك من الأوقات له أن يتنفل من الصلاة ما شاء؛ فتأمل ذلك، وبالله نستعين.
وممن نص على مشروعية التنفل في هذا الوقت أنس بن مالك رضي الله عنه، وأبو الشعثاء، وسعيد بن جبير، وشريح، والحسن بن مسلم. كما في «مصنف ابن أبي شيبة» (2/ 196).
وممن كره التنفل في هذا الوقت الحسين بن علي رضي الله عنه، وطاوس، ومجاهد، وكان ابن عمر لا يصليها إلا في رمضان كما في «مصنف ابن أبي شيبة» (2/ 197)، وانظر «مصنف عبد الرزاق» (3/ 44 - ).