الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستحباب والاختيار، وكراهة التأخير.
(1)
مسألة [8]: أول وقت العشاء
.
أجمع أهل العلم على أنَّ أول وقت العشاء هو غيبوبة الشفق، قاله ابن المنذر، والنووي، وابن قدامة، واختلفوا في الشفق ما هو؟ وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
(2)
مسألة [9]: آخر وقت العشاء
.
له وقتان: وقتٌ اختياري، ووقت اضطراري.
أما الوقت الاختياري؛ ففيه قولان:
الأول: أنه إلى ثلث الليل، وهو قول مالك، ورواية عن أحمد، والشافعي، واستدلوا بحديث جبريل، وبحديث بريدة، وأبي موسى، وفي هذه الأحاديث أن صلاة العشاء صُلِّيَتْ في اليوم الثاني في ثلث الليل، ثم قال:«الصلاة ما بين هذين» .
الثاني: أنه إلى نصف الليل، وهذا قول الثوري، وابن المبارك، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، ورواية عن أحمد رجَّحَها جمعٌ من أصحابه، ورجَّحَ هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ثم الشوكاني، والسعدي، واستدل هؤلاء بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص الذي في الباب، وفيه:«ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل» ، وبحديث أبي سعيد الخدري عند أحمد (3/ 5)، وأبي داود
(1)
وانظر: «المغني» (2/ 24)، «المجموع» (3/ 34)، «الأوسط» (2/ 334).
(2)
وانظر: «المغني» (2/ 25)، «الأوسط» (2/ 338)، «المجموع» (3/ 38).
422 -
، وهو في «الصحيح المسند» ، أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أخَّرَ صلاة العشاء ذات ليلة إلى نصف الليل، ثم خرج، فصلَّاها، وقال:«لولا ضعف الضعيف، وسقم السقيم، وحاجة ذي الحاجة؛ لأخَّرْتُ هذه الصلاة إلى شطر الليل» ، وجاء بنحوه عن جابر عند أبي يعلى (1936)، وهو في «الصحيح المسند» ، وبنحوه من حديث أنس في «الصحيحين» .
(1)
وهذا القول هو الراجح؛ لأنَّ فيه زيادة على القول الأول، وكما تقدم: من أخذ بالزائد؛ فقد أخذ بالزائد والناقص، ومن أخذ بالناقص؛ فقد ألغى الزائد.
وأما الوقت الاضطراري؛ فقد ذهب جمهور العلماء إلى أنه ممتدٌ إلى طلوع الفجر الصادق، واستدلوا بحديث أبي قتادة رضي الله عنه في «صحيح مسلم» (681)، أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال:«أما إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى» .
وقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه في «مصنف ابن أبي شيبة» (1/ 334)، و «شرح المعاني» للطحاوي (1/ 165)، أنه قال وقد سئل عن التفريط في الصلاة: أن يؤخرها حتى يدخل وقت الذي بعدها.
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما عند ابن المنذر (2/ 345)، أنه قال: وقت العشاء إلى الصبح. وفي إسناده: ليث بن أبي سليم، وفيه ضعفٌ، ولكن يشهد له قول ابن عباس في الحائض، أنها إذا طهرت قبل الفجر صلَّتِ المغرب والعشاء، وفيه
(1)
أخرجه البخاري برقم (572)، ومسلم برقم (640).
ضعفٌ قد تقدم بيانه في [كتاب الحيض]؛ فالأثر حسنٌ عن ابن عباس رضي الله عنهما، إن شاء الله.
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح حديث أبي قتادة المتقدم: فِي الْحَدِيث دَلِيل عَلَى اِمْتِدَاد وَقْت كُلّ صَلَاة مِنْ الْخَمْس حَتَّى يَدْخُل وَقْت الْأُخْرَى وَهَذَا مُسْتَمِرّ عَلَى عُمُومه فِي الصَّلَوَات إِلَّا الصُّبْح؛ فَإِنَّهَا لَا تَمْتَدّ إِلَى الظُّهْر، بَلْ يَخْرُج وَقْتهَا بِطُلُوعِ الشَّمْس؛ لِمَفْهُومِ قَوْله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَة مِنْ الصُّبْح قَبْل أَنْ تَطْلُع الشَّمْس فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْح» .اهـ
وقال الحافظ رحمه الله تحت حديث رقم (572): وعموم حديث أبي قتادة مخصوصٌ بالإجماع بالصبح. اهـ، وهذا القول رجَّحه شيخ الإسلام، والشوكاني، وغيرهما.
وجاءت عن مالك رواية كما في «بداية المجتهد» ، وبعض الشافعية كأبي سعيد الاصطخري أنَّ وقت العشاء إلى نصف الليل، عملًا بظاهر حديث عبد الله ابن عمرو:«ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل» .
ورجَّح هذا القول الإمام الألباني رحمه الله في «تمام المنة» ، وقالوا: حديث أبي قتادة مخصوصٌ بهذا الحديث كما خصص الفجر من عموم الحديث.
قال أبو عبد الله غفر الله له: الراجح -والله أعلم- هو القول الأول -أعني قول الجمهور-، وأما ما ذكره أهل القول الثاني؛ فيرُدُّ عليه حديث عائشة في «صحيح مسلم» قالت: اعتم النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ذات ليلة بالعشاء حتى ذهب عامة الليل، فخرج