الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والكفارات، وغير ذلك من العبادات لا تفتقر إلى نطق اللسان باتفاق أئمة الإسلام، بل النية محلها القلب دون اللسان باتفاقهم، فلو لفظ بلسانه غلطًا بخلاف ما نوى في قلبه؛ كان الاعتبار بما نوى، لا بما لفظ، ولم يذكر أحدٌ في ذلك خلافًا، إلا أن بعض متأخري أصحاب الشافعى رحمه الله خَرَّجَ وجهًا في ذلك، وَغَلَّطَهُ فيه أئمة أصحابه، وكان سبب غلطه أن الشافعي قال:(إن الصلاة لابد من النطق في أولها)، وأراد الشافعي بذلك التكبير الواجب في أولها، فظن هذا الغالط أن الشافعي أراد النطق بالنية، فَغَلَّطَهُ أصحابُ الشافعي جميعهم. انتهى.
قلتُ: وهذا الغالط الذي غَلِطَ في كلام الشافعي هو أبو عبد الله الزبيري، ذكر ذلك صاحب «الحاوي» ، ونقله عنه النووي في «شرح المهذب» (3/ 277)، ونصُّ كلام الشافعي بتمامه: إذا نوى حجًّا، أو عمرةً أجزأَ، وإن لم يتلفظ، وليس كالصلاة، لا تصح إلا بالنطق.
مسألة [4]: محل النية من الصلاة
.
أجمع العلماء على أن نية الصلاة تكون عند التكبير.
ثم اختلفوا: هل يُشترط مقارنتها للتكبير أم لا؟
• فذهب الشافعي، وابن المنذر إلى وجوب مقارنة النية للتكبير، لا بعده، ولا قبله.
• وذهب أحمد، وأبو حنيفة إلى جواز تقديمها بالزمن اليسير.
• وذهب ابن حزم إلى وجوب تقديمها على التكبير متصلة به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في «مجموع الفتاوى» (22/ 229): والمقارنة المشروطة قد تُفَسَّرُ بوقوع التكبير عقيب النية، وهذا ممكن لا صعوبة فيه، بل عامة الناس إنما يُصَلُّونَ هكذا، وهذا أمر ضروري، لو كُلِّفُوا تَرْكَه؛ لَعَجزوا عنه.
وقد تُفَسَّرُ بانبساط آخر النية على آخر التكبير، بحيث يكون أولها مع أوله، وآخرها مع آخره، وهذا لا يصح؛ لأنه يقتضي عزوب كمال النية في أول الصلاة، وخلو أول الصلاة عن النية الواجبة، وقد تفسر بحضور جميع النية مع جميع آخر التكبير، وهذا تنازعوا في إمكانه.
فمن العلماء من قال: إن هذا غير ممكن، ولا مقدور للبشر عليه فضلًا عن وجوبه، ولو قيل بإمكانه؛ فهو متعسر، فيسقط بالحرج، وأيضا فمما يبطل هذا والذي قبله: أن المكبر ينبغي له أن يتدبر التكبير ويتصوره، فيكون قلبه مشغولًا بمعنى التكبير لا بما يشغله عن ذلك من استحضار النية، ولأن النية من الشروط، والشروط تتقدم العبادات، ويستمر حكمها إلى آخرها كالطهارة، والله أعلم. انتهى.
قال أبو عبد الله غفر الله له: يتبين من هذا الكلام النفيس لشيخ الإسلام رحمه الله أنَّ النية تكون قبل تكبيرة الإحرام متصلة بها، كما قال ابن حزم، بحيث لا يخلو جزء من التكبير من تمام النية، وهذا هو الراجح، والله أعلم.
ولكن ابن حزم لا يجيز تقدمها بزمنٍ يسير، ولا كثير، وقد تقدم أنَّ مذهب