الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والراجح هو القول الأول، وما ذهب إليه أبو حنيفة، قال فيه إسحاق: هذا شيء أحدثه الناس. وقال أبو عيسى الترمذي رحمه الله: هذا التثويب الذي كرهه أهل العلم، وهو الذي خرج منه ابن عمر
(1)
من المسجد لَمَّا سمعه.
(2)
مسألة [4]: هل التثويب في الأذان الأول، أم الثاني
؟
• أخرج أحمد (3/ 308)، والنسائي (2/ 14)، وغيرهما من حديث أبي محذورة، قال: كنتُ أُؤَذِّن في زمن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في صلاة الصبح، فإذا قلت: حَيَّ على الفلاح، قلت: الصلاة خيرٌ من النوم، الأذان الأول. وفي إسناده: أبو سلمان، مجهول حال.
وله طريق أخرى عند أحمد (3/ 308)، وأبي داود (501)، والنسائي (2/ 7)، وغيرهم، أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال له:«وإذا أَذَّنْتَ بالأول من الصبح، فقل: الصلاة خير من النوم» ، وفي إسناده مجهولان.
وأخرج البيهقي (1/ 423) بإسناد حسن عن ابن عمر، قال: كان في الأذان الأول بعد (الفلاح): الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم.
وأخرجه ابن المنذر في «الأوسط» (3/ 22)، من نفس الوجه عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يقول: حي على الفلاح، حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم. في الأذان الأول مرتين. يعني في الصبح.
(1)
أخرجه عبدالرزاق (1832)، وأبو داود (538)، من طريقين يحسن بهما.
(2)
وانظر: «المغني» (2/ 61)، «المجموع» (3/ 94).
فأخذ بعض أهل العلم من هذه الآثار أنَّ التثويب في الأذان الأول من أذاني الفجر، وذهب إلى هذا الصنعاني، وابن رسلان، والإمام الألباني.
وأما استدلال بعضهم لكونه في الأذان الثاني بحديث نُعيم بن النَّحَّام عند البيهقي (1/ 423)، قال: كنت مع امرأتي في مرطها في غداة باردة، فنادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى صلاة الصبح، فلما سمعت، قلت: لو قال: (ومن قعد فلا حرج)، قال: فلما قال: الصلاة خير من النوم، قال: ومن قعد فلا حرج. فلا يستقيم؛ لأنَّ إسناده منقطع؛ فإنَّ محمد بن إبراهيم التيمي لم يدرك نعيم بن النحام كما يُعلم ذلك من تاريخ وفاة نعيم، وولادة محمد بن إبراهيم.
وقد صحَّ حديث نعيم بن النحام من وجه آخر أخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (2/ 67)، والحاكم (3/ 259) بإسناد صحيح بلفظ: أذَّنَ مؤذن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في ليلة فيها برد، وأنا تحت لحافي، فتمنيت أن يلقي الله على لسانه (ولا حرج)، فقال: ولا حرج.
(1)
فهذا اللفظ هو المحفوظ، وليس فيه موضع الشاهد.
قال أبو عبد الله غفر الله له: أصح حديث في هذا الباب حديث أنس رضي الله عنه الذي في الكتاب: «من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر: حي على الفلاح، قال: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم» .
وظاهر هذا الحديث أنَّ المراد به الأذان الثاني؛ لأنه أضاف الأذان إلى الفجر، والأذان الأول أضافه النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى الليل بقوله: «إنَّ بلالًا يؤذن بليل
…
»
(1)
وصححه شيخنا الوادعي رحمه الله في «الصحيح المسند» (1162).
الحديث، ولم أجد أحدًا من الفقهاء المتقدمين قيَّد التثويب في أحد الأذانين، بل يطلقون مشروعية التثويب في أذان الفجر.
قال الإمام العثيمين رحمه الله في «فتاواه» (12/ 185): أما كلام فقهائنا فظاهره أنَّ التثويب يكون في أذان صلاة الفجر، سواء كان قبل الوقت، أم بعده. اهـ
قال النووي رحمه الله في «شرح المهذب» (3/ 92): ثم ظاهر إطلاق الأصحاب أنه يشرع في كل أذان للصبح، سواء ما قبل الفجر وبعده، وقال صاحب «التهذيب»: إنْ ثوَّب في الأذان الأول؛ لم يثوب في الثاني في أصح الوجهين. اهـ
قلتُ: وأما حديث أبي محذورة فضعيف، وقد حمله الإمام ابن باز، والإمام العثيمين على أنَّ المراد بالأذان الأول، أي: أذان الفجر؛ لأنه أول بالنسبة للإقامة، وفي الحديث:«بين كل أذانين صلاة» .
وأما أثر ابن عمر رضي الله عنهما؛ فليس بصريح ونصٍّ في المسألة؛ لكون الراوي قد فسَّر الأذان الأول بالصبح -في رواية ابن المنذر- وأذان الصبح يعتبر هو الأذان الأول بالنسبة لأذان الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء.
وقد رجح الإمام ابن باز والإمام العثيمين أنَّ التثويب في الأذان الثاني، وبالله التوفيق.
(1)
(1)
وانظر: «تمام المنة» (ص 147)، «رد المحتار» (2/ 54)، «حاشية الدسوقي» (1/ 313 - )، «شرح المهذب» (3/ 92)، «المغني» (2/ 61)، «الإنصاف» (1/ 385)، «مجموع فتاوى العثيمين» (12/ 178 - )، «مجموع فتاوى ابن باز» (10/ 343).
175 -
وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْت بِلَالًا يُؤَذِّنُ وَأَتَتَبَّعُ فَاهُ، هَهُنَا وَهَهُنَا، وَإِصْبَعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
(1)
(1)
صحيح. بدون زيادة: «وإصبعاه في أذنيه» . أخرجه أحمد (4/ 308)، والترمذي (197)، وغيرهما من طريق: عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه به. وهذا إسناد صحيح، رجالهُ ثقاتٌ، وعبد الرزاق قد تابعه: مؤمل بن إسماعيل عند أبي عوانة (1/ 329)، وقد خالفهما: وكيع، وإسحاق الأزرق، وعبدالرحمن بن مهدي، ومحمد بن يوسف، فرووه عن الثوري، بدون زيادة:«وإصبعاه في أذنيه» ، أخرج رواية وكيع: مسلم (503)، ورواية إسحاق: ابن حِبَّان (2382)، ورواية عبدالرحمن: أحمد (4/ 308)، ورواية محمد بن يوسف: البخاري (634).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «التغليق» (2/ 270 - 271): ورواه جماعة عن سفيان، ولم يذكروا هذه الزيادة، لكن رواه بعض أصحاب سفيان عن سفيان، ففصل هذه اللفظة في جعل إصبعيه في أذنيه، فرواها عنه: حجاج، عن عون بن أبي جحيفة، به، ورواها الفريابي عن سفيان، قال: حدثت عن عون بذلك، ذكره البخاري في «تاريخه» عن الفريابي. اهـ، وانظر:«التاريخ الكبير» (7/ 15)، وقد حصل في المطبوع تصحيف.
وقال ابن رجب رحمه الله كما في «الفتح» (634): وروى وكيع عن سفيان، عن رجل، عن أبي جحيفة كذا، ولعلها: ابن أبي جحيفة أنَّ بلالًا كان يجعل إصبعيه في أذنيه.
قال: فرواية وكيع عن سفيان تُعَلَّلُ بها رواية عبدالرزاق عنه. قال: ولهذا لم يخرجها البخاري مسندة، ولم يخرجها مسلم أيضًا، وعلقها البخاري بصيغة التمريض، وهذا من دقة نظره، ومبالغته في البحث عن العلل، والتنقيب عنها رضي الله عنه.اهـ
وقال أيضًا: قال أبو طالب: قلت لأحمد: يدخل إصبعيه في الأذن؟ قال: ليس هذا في الحديث. وهذا يدل على أنَّ رواية عبدالرزاق، عن سفيان التي خرجها في «مسنده» ، والترمذي في «جامعه» غير محفوظة. انتهى المراد.
قلتُ: فيظهر أنَّ سفيان أخذ الزيادة من حجاج بن أرطاة، أو رجل مبهم؛ فهي زيادة ضعيفة.