الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: سُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ، أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَحُلْ بَيْنَ الْإِمَامِ وَسُتْرَتِهِ شَيْءٌ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، فَصَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ صَحِيحَةٌ، لَا يَضُرُّهَا مُرُورُ شَيْءٍ بَيْنَ أَيْدِيهمْ فِي بَعْضِ الصَّفِّ، وَلَا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ، وَإِنْ مَرَّ مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَسُتْرَتِهِ قَطَعَ صَلَاتَهُ، وَصَلَاتَهُمْ. اهـ
مسألة [4]: إذا مرَّ من وراء السترة، أو من مكان بعيد
؟
قال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (3/ 102): وَمَنْ صَلَّى إلَى سُتْرَةٍ، فَمَرَّ مِنْ وَرَائِهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ؛ لَمْ تَنْقَطِعْ، وَإِنْ مَرَّ مِنْ وَرَائِهَا غَيْرُ مَا يَقْطَعُهَا، لَمْ يُكْرَهْ؛ لِمَا مَرَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَإِنْ مَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، قَطَعَهَا إنْ كَانَ مِمَّا يَقْطَعُهَا، وَكُرِهَ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَقْطَعُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ، فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ قَرِيبًا مِنْهُ مَا يَقْطَعُهَا، قَطَعَهَا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَقْطَعُهَا، كُرِهَ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا، لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ حَدَّ الْبَعِيدَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا الْقَرِيبَ، إلَّا أَنَّ عِكْرِمَةَ قَالَ: إذَا كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَ الَّذِي يَقْطَعُ الصَّلَاةَ قَذْفَةٌ بِحَجَرٍ، لَمْ يَقْطَعْ الصَّلَاةَ.
ثم قال ابن قدامة رحمه الله: وَلَا يُمْكِنُ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَوْضِعِ السُّجُودِ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم: «إذَا لَمْ تَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، قَطَعَ صَلَاتَهُ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ» ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ السُّتْرَةِ تَنْقَطِعُ صَلَاتُهُ بِمُرُورِ الْكَلْبِ فِيهِ، وَالسُّتْرَةُ تَكُونُ أَبْعَدَ مِنْ مَوْضِعِ السُّجُودِ، وَالصَّحِيحُ تَحْدِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا مَشَى إلَيْهِ، وَدَفَعَ الْمَارَّ
(1)
تقدم تخريجه قريبًا.
بَيْنَ يَدَيْهِ، لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِدَفْعِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَتَقَيَّدَ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ بِمَا يَقْرُبُ مِنْهُ، بِحَيْثُ إذَا مَشَى إلَيْهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَاللَّفْظُ فِي الْحَدِيثَيْنِ وَاحِدٌ، وَقَدْ تَعَذَّرَ حَمْلُهُمَا عَلَى إطْلَاقِهِمَا، وَقَدْ تَقَيَّدَ أَحَدُهُمَا بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ بِقَيْدٍ، فَتَقَيَّدَ الْآخَرُ بِهِ، وَاَلله أَعْلَمُ.
(1)
(1)
انظر: «المغني» (3/ 102 - 103).
226 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِنَّ مَعَهُ القَرِينَ» .
(2)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
قوله في حديث أبي سعيد: «
…
؛ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ».
قال ابن رجب في «فتح الباري» (509): قال أصحاب الشافعي: يدفعه دفع الصائل بالأسهل فالأسهل، ويزيد بحسب الحاجة، وإن أدى إلى قتله؛ فمات منه، فلا ضمان فيه كالصائل. وحكى القاضي أبو يعلى، ومن تابعه من أصحابنا عن أحمد في قتاله روايتين:
إحداهما: يقاتله، وذكروا نصوصًا عن أحمد تدل عليه، وفيها: أنه كان يدفع في الثانية دفعًا شديدًا حتى ربما رمى بالمار.
والثانية: لا يفعل؛ فإنه قال في رواية إسماعيل بن سعيد الشالنجي: يدرأ ما استطاع، وأكره القتال في الصلاة.
قال: وقال ابن عبد البر في «التمهيد» في قوله: «فليقاتله» : المراد بالمقاتلة:
(1)
أخرجه البخاري (509)، ومسلم (505).
(2)
هذه الرواية لمسلم (506) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
المدافعة، وأظنه كلامًا خرج على التغليظ، ولكل شيء حَدٌّ. قال: وأجمعوا على أنه لا يقاتله بسيف ولا بخاطفة ولا يبلغ معه مبلغا تفسد به صلاته.
وَحُكِي عن أشهب، أنه قال: يرده بإشارة، ولا يمشي إليه؛ لأن مشيه إليه أشد من مروره بين يديه؛ فإن فعل، لم تبطل صلاته إذا لم يكن عملًا كثيرًا.
قال: وقد كان الثوري يدفع المار بين يديه دفعًا عنيفًا.
قال: وقال ابن عبد البر في «الاستذكار» : فإن دافعه مدافعة لا يقصد بها قتله، فكان فيها تلف نفسه؛ كانت عليه ديته كاملة في ماله. وقد قيل: الدية على عاقلته. وقيل: هي هدر على حسب ثنية العاض. اهـ
والقول الأخير قال به ابن حزم كما في «المحلى» (2092).
قوله في حديث أبي سعيد: «فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» .
قال ابن رجب رحمه الله في «الفتح» (509)(2/ 676): وقد اختلف في معناه، فقيل: المعنى أن معه الشيطان المقترن به، وهو يأمره بذلك، وهو اختيار أبي حاتم، وغيره، ويدل عليه حديث ابن عمر:«فإن معه القرين» . وقيل: المراد أن فعله هذا فعل الشيطان، فهو بذلك من شياطين الإنس، وهو اختيار الجوزجاني، وغيره. انتهى.
قلتُ: الراجح القول الأول؛ لحديث ابن عمر، ومن أجل ذلك ذكر الحافظ روايته عقب حديث أبي سعيد.