الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصلاة، ولو سُلِّمَ بأنَّ المقصودَ بها سجود التلاوة فقط؛ فيكون الأمر للاستحباب، والصارف له عن الوجوب حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه الذي في الباب.
(1)
مسألة [2]: عدد سجدات التلاوة في القرآن
.
• في المسألة أقوال:
القول الأول: خمس عشرة سجدة، وهو قول إسحاق، وأحمد في رواية، وبعض الشافعية، وقد جاء عن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عند أبي داود (1401)، وابن ماجه (1057): أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أقرأه خمس عشرة سجدة، منها ثلاث في المُفَصَّل، وفي سورة [الحج] سجدتان، وهو حديث ضعيفٌ، في إسناده: عبد الله بن منين، مجهول عين، والحارث بن سعيد مجهول حال.
القول الثاني: أربع عشرة سجدة، وهو المشهور عند الحنابلة، والشافعية، وهو قول أصحاب الرأي، ولكن أبا حنيفة أسقط الثانية من [الحج]، والباقون أسقطوا سجدة {ص} ووافق أبا حنيفة ابن حزمٍ.
القول الثالث: إحدى عشرة سجدة، وهو قول مالك، والشافعي في رواية، وجاء عن بعض التابعين، وهؤلاء أسقطوا الثانية من [الحج]، والثلاث التي في المُفَصَّل، وهي سورة [النجم، والانشقاق، والعلق].
واستدلوا على سقوط سجدات المُفَصَّل بحديث أبي الدراداء عند ابن ماجه
(1)
وانظر: «المجموع» (4/ 61)، «المغني» (2/ 364).
1055 -
، قال: سجدت مع النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة، ليس فيها من المُفَصَّل شيء. وهو حديث ضعيفٌ، فيه انقطاع، والساقط رجلٌ مبهمٌ، واستدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما، عند أبي داود (1403): أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يسجد في شيء من المُفَصَّل منذ تحول إلى المدينة. وهو حديث ضعيفٌ، فيه: الحارث بن عبيد الإيادي، ومطر الورَّاق، وكلاهما ضعيفٌ.
واستدلوا بما أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 6) بإسناد صحيح، عن أبي بن كعب رضي الله عنه، أنه قال: ليس في المفصل سجود.
قال أبو عبد الله غفر الله له: القول الأول هو الصواب، أعني أنَّ عدد السجدات خمس عشرة سجدة، وقد أجمع العلماء على السجود فيما عدا الثانية من الحج، وسجدة {ص} ، والثلاث التي في المفصل.
قال ابن حزم رحمه الله في «المحلَّى» (556): فأما السجدات إلى: {الم * تَنْزِيلُ} ، فلا خلاف فيها.
ثم ذكر الخلاف في السجدة الثانية من [الحج]، ونقل الاتفاق على ذلك أيضًا الطحاوي في «شرح المعاني» (1/ 360).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «الفتح» (1067): وقد أجمع العلماء على أنه يسجد في عشرة مواضع، وهي متوالية؛ إلا ثانية [الحج]، و {ص} .اهـ
قلتُ: فهذه عشر سجدات مُجمعٌ عليها، وسجد فيها الصحابة، وأما سجدة {ص} ؛ فهي ثابتة كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، الذي في الباب، ولكنها ليست
متأكدة كغيرها؛ لحديث أبي سعيد عند أبي داود (1410)، قال: قَرَأَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ {ص} ، فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ، وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ آخَرُ قَرَأَهَا، فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ تَشَزَّنَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُكُمْ تَشَزَّنْتُمْ لِلسُّجُودِ» ، فَنَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدُوا.
وأما سجدات المفصَّل الثلاث؛ فلا ينبغي أن يُختلف في مشروعية السجود فيها؛ لضعف أدلة المانعين من ذلك كما تقدم، ولصحة الأحاديث في السجود كما في حديث أبي هريرة، وابن عباس رضي الله عنهم، اللَّذَيْنِ في الباب.
وقد ثبت عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما السجود في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} . أخرجهما ابن أبي شيبة (2/ 7) بإسنادٍ صحيحٍ.
وأما سجدة [الحج] الثانية؛ فقد صحَّ عن جمعٍ من الصحابة السجود فيها، وهم: عمر بن الخطاب، وعلي، وابن عمر، وأبو الدراداء، وأبو موسى، وابن عباس رضي الله عنهم، وصحَّ عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: لو سجدت واحدة كانت الآخرة أحب إليَّ. وصحَّ عن أبي إسحاق السبيعي أنه قال: أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في [الحج] سجدتين.
ولا يُعلم لهؤلاء الصحابة مخالف، والله أعلم، وهناك أقوال أخرى في المسألة.
(1)
(1)
وانظر: «المجموع» (4/ 62)، «الفتح» (2/ 551)، «المغني» (2/ 352 - )، «مصنف ابن أبي شيبة» (2/ 11)، «الأوسط» (5/ 253 - )، «مصنف عبد الرزاق» (3/ 335 - 343).