الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصلَّاها، وقال:«إنه لوقتها؛ لولا أن أشق على أمتي» .
(1)
وما أحسن استنباط ابن المنذر الذي ذكره في «الأوسط» ، فقال: ففي قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي؛ لأخرت العشاء الى شطر الليل» ، دليل على أن لا حرج على من أخرها إلى شطر الليل، وإذا كان خروجه إليهم بعد انتصاف الليل؛ فصلاته بعد شطر الليل، وإن كان كذلك، ثبت أن وقتها إلى طلوع الفجر، ويؤيد ذلك حديث أبي قتادة مَعَ أَنَّا قَدْ رُوِّيْنَا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتم ذات ليلة بالعشاء حتى ذهب عامة الليل. انتهى.
(2)
ثم أسند حديث عائشة المتقدم ذكره قريبًا.
مسألة [10]: أول وقت الفجر
.
أجمع أهل العلم على أنَّ أول وقت صلاة الصبح هو طلوع الفجر الصادق، نقل الإجماع غيرُ واحدٍ من أهل العلم، منهم: ابن المنذر، وابن عبدالبر، والنووي، وابن قدامة، وغيرهم.
(3)
مسألة [11]: آخر وقت الفجر
.
للفجر وقتان: وقتُ اختيارٍ، ووقتُ اضطرارٍ، وعُذْرٍ؛ فوقت الاختيار مستمر إلى أن يسفر النهار؛ لحديث جبريل، وكذلك حديث بريدة، وأبي موسى في
(1)
سيأتي في الكتاب برقم (151).
(2)
وانظر: «المغني» (2/ 27)، «المجموع» (3/ 39)، «الأوسط» (2/ 343).
(3)
انظر: «المغني» (2/ 29)، «المجموع» (3/ 43)، «الأوسط» (2/ 347).
«صحيح مسلم» ، ويمتد بعده وقت الاضطرار إلى طلوع الشمس؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في «الصحيحين» ، أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال:«من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس؛ فقد أدرك الصبح» ،
(1)
وقد خالف أبو حنيفة الجمهورَ في هذا الحديث، وقال: من أدرك ركعة، ثم طلعت الشمس؛ فلا يكون مدركًا للصبح، وأما إذا أدرك ركعة من العصر قبل الغروب؛ فقد أدركها.
قال ابن المنذر رحمه الله في «الأوسط» (2/ 349): قد جعل النبي صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس، مدركًا للصلاتين، وجمع بينهما؛ فلا معنى لتفريق من فرق شيئين جمعت السنة بينهما، ولو جاز أن تفسد صلاة من جاء إلى وقت لا تحل الصلاة فيه، ألزم أن تفسد صلاة من ابتدأها في وقت لا تجوز الصلاة فيه، وليس فيما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا التسليم له، وترك أن يحمل على القياس، والنظر. اهـ
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في «الفتح» (579): وجمهور العلماء على أنَّ تأخير صلاة الفجر حتى يبقى منه مقدار ركعة قبل طلوع الشمس لغير ضرورة غير جائز، وقد نصَّ عليه أحمد، وحُكي جوازه عن إسحاق، وداود، وتقدم مثله في صلاة العصر. اهـ.
(2)
(1)
سيأتي في الكتاب برقم (154).
(2)
وانظر: «المغني» (2/ 30).
147 -
وَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي العَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى المَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ مِنَ العِشَاءِ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلَاةِ الغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إلَى المِائَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
148 -
وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: وَالعِشَاءُ أَحْيَانًا، وَأَحْيَانًا: إذَا رَآهُمُ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَئُوا أَخَّرَ، وَالصُّبْحُ؛ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ.
(2)
149 -
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى: فَأَقَامَ الفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الفَجْرُ، وَالنَّاسُ لَا يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
(3)
150 -
وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي المَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(4)
151 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (ذَاتَ لَيْلَةٍ)
(5)
بِالعِشَاءِ، حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَصَلَّى، وَقَالَ:«إنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(6)
(1)
أخرجه البخاري (547)، ومسلم (647). واللفظ للبخاري.
(2)
أخرجه البخاري (560)، ومسلم (646).
(3)
أخرجه مسلم برقم (614).
(4)
أخرجه البخاري (559)، ومسلم (637).
(5)
ساقطة من (أ).
(6)
أخرجه مسلم برقم (638)(219).
المسائل والأحكام المستفادة من الأحاديث
ذكر المؤلف رحمه الله هذه الأحاديث استدلالًا بها على أوقات الأفضلية لكل صلاة، وهاك الكلام على كل صلاة:
أولا: صلاة الظهر.
قال ابن قدامة رحمه الله: ولا نعلم في استحباب تعجيل الظهر في غير الحر، والغيم خلافًا.
قال الترمذي: وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم. اهـ
قلتُ: والأدلة على تعجيلها كثيرة، منها: حديث أبي برزة الذي في الباب، وفيه:«كان يصلي الهاجرة حين تدحض الشمس» ، وحديث جابر الذي في الباب، وفيه:«كان يصلي الظهر بالهاجرة» ، وكلاهما اختصره المؤلف.
(1)
ثانيًا: صلاة العصر.
• ذهب جمهور العلماء إلى استحباب تعجيلها، واستدلوا بأدلة كثيرة منها: حديث أبي برزة الذي في الباب، وحديث جابر الذي في الباب، وفيه:«ويصلي العصر، والشمس نقية» ، ومنها: حديث رافع بن خديج رضي الله عنه في «الصحيحين» ،
(2)
وبنحوه في «مسلم»
(3)
عن أنس، قال: كان النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يصلي العصر، ثم تنحر
(1)
وانظر: «المغني» (2/ 35).
(2)
أخرجه البخاري برقم (2485)، ومسلم برقم (625).
(3)
أخرجه مسلم برقم (624).
الجزور، فتقسم عشر قسم، ثم نأكل لحمًا نضيجًا قبل غروب الشمس.
• وذهب أصحاب الرأي إلى أفضلية تأخير العصر إلى آخر وقتها المختار، وروي ذلك عن طاوس، وأبي قلابة، وابن سيرين، وابن شبرمة، وليس معهم دليل على ذلك، والله أعلم.
(1)
ثالثًا: صلاة المغرب.
قال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (2/ 41): وأما المغرب؛ فلا خلاف في استحباب تقديمها في غير حال العذر، وهو قول أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم، قاله الترمذي.
قلتُ: ويدل على ذلك حديث رافع بن خديج الذي في الباب، وحديث جابر رضي الله عنه الذي في الباب -واختصره المؤلف-، وفيه:«وكان يصلي المغرب إذا وجبت الشمس» .
وحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه في «صحيح مسلم» ،
(2)
أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- «كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس، وتوارت بالحجاب» .
وفعل جبريل لها في اليومين في وقت واحد دليلٌ على تأكد استحباب تقديمها.
قال ابن المنذر رحمه الله في «الأوسط» (2/ 369): أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن التعجيل بصلاة المغرب أفضل، وكذلك نقول. انتهى.
(1)
وانظر: «المغني» (2/ 39)، «الأوسط» (2/ 364).
(2)
أخرجه مسلم برقم (636).
رابعًا: صلاة العشاء.
• ذهب الجمهور إلى استحباب تأخيرها لمن كان منفردًا، أو لجماعة راضين بذلك، ولا يشق عليهم.
واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها الذي في الباب، وفيه:«إنه لوقتها؛ لولا أن أشق على أمتي» ، وقد جاء بنحوه عن ابن عباس، وابن عمر، وأنس رضي الله عنهم، وكلها في «الصحيحين» ، وتقدم حديث أبي سعيد رضي الله عنه في آخر وقت العشاء.
وأما مع المشقة، فلا يستحب تأخيرها؛ لقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «لولا أن أشق
…
»، وقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«ومَنْ وَلِيَ من أمر أمتي شيئًا، فشقَّ عليهم، فاشقق عليه» ،
(1)
وعند ذلك ينبغي للإمام أن يراعي اجتماع المصلين، وعدم ذلك؛ لما في حديث جابر رضي الله عنه: إذا رآهم اجتمعوا، عجَّلَ، وإذا رآهم أبطأوا، أَخَّرَ.
• وقد حُكِي عن الشافعي أنه ذهب إلى استحباب تعجيل العشاء؛ لحديث: «أول الوقت رضوان الله
…
»، وهو حديث ضعيفٌ، سيأتي بيانه إن شاء الله.
والراجح هو قول الجمهور.
(2)
خامسًا: صلاة الفجر.
• ذهب جمهور العلماء إلى أنَّ التغليس بها أفضل، وهو قول أحمد، ومالك، والشافعي، وإسحاق، واستدلوا بأدلة منها: حديث أبي برزة الذي في الباب، وكذلك حديث جابر في الباب -واختصره المؤلف-، وفيه: «والصبح كان النبي
(1)
سيأتي إن شاء الله في الكتاب (1488).
(2)
وانظر: «المغني» (2/ 41 - 43)، «الأوسط» (2/ 369 - ).
- صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس»، وحديث عائشة رضي الله عنها:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح، فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن، ما يَعْرِفهن أحد من الغلس» ، متفق عليه.
(1)
• وذهب الحنفية، والثوري، إلى أنَّ الأفضل الإسفار؛ لما روى رافع بن خديج رضي الله عنه، أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال:«اسفروا بالصبح؛ فإنه أعظم لأجوركم» .
(2)
وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بجوابين:
الأول: أنَّ المراد به تأخيرها حتى يتبين طلوعُ الفجر، وينكشف يقينًا، من قولهم:(أسفرت المرأة)، إذا كشفت وجهها.
وهذا الجواب نقله الترمذي عن الشافعي، وأحمد، وإسحاق، عَقِبَ الحديث المذكور.
الثاني: أنَّ المراد الأمر بتطويل القراءة فيها حتى يخرج من الصلاة مُسْفِرًا، وارتضى هذا الجواب الإمام الألباني رحمه الله في «الإرواء» .
(3)
(1)
أخرجه البخاري برقم (372)، ومسلم برقم (645).
(2)
سيأتي تخريجه في هذا الباب إن شاء الله برقم (153).
(3)
وانظر: «المغني» (2/ 44).