الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النهي على التحريم، كما هو الأصل فيه، وهو وجهٌ عند الشافعية أيضًا، رجَّحه النووي، وقال: الوجه الثاني وهو الأصح كراهة تحريم؛ لثبوت الأحاديث في النهي، وأصل النهي التحريم. اهـ
(1)
مسألة [4]: حكم صلاة التطوع في هذه الأوقات
.
قال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (2/ 527): لا أعلم خلافًا في المذهب، أنه لا يجوز أن يبتدئ صلاة تطوع غير ذات سبب، وهو قول الشافعي، وأصحاب الرأي، وقال ابن المنذر رحمه الله: رَخَّصَتْ طائفةٌ في ا لصلاة بعد العصر.
ثم ذكره عن جمعٍ من الصحابة، والتابعين، وقد تقدمت أدلتهم، والرد عليها قريبًا، فراجعه، والصحيح القول الأول؛ للأدلة المذكورة في الباب، والله أعلم.
مسألة [5]: صلاة ذوات الأسباب في أوقات النهي
.
• قال الإمام النووي رحمه الله في «شرح المهذب» (4/ 171 - 172): قد ذكرنا أن مذهبنا أنها لا تُكره، وبه قال علي بن أبي طالب
(2)
، والزبير بن العوام، وابنه
(3)
،
(1)
وانظر: «المغني» (2/ 527)، «المجموع» (4/ 181).
(2)
حسن. أخرجه ابن المنذر في الأوسط (2/ 393) حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: ثنا أحمد بن يونس، قال: ثنا زهير، قال: ثنا أبو إسحاق، قال: حدثني عاصم بن ضمرة، أن عليا رضي الله عنه، صلى وهو منطلق إلى صفين العصر ركعتين، ثم دخل فسطاطه، فصلى ركعتين، فلم أره صلاها بعد. وإسناده حسن.
(3)
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (2/ 393) حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: ثنا عفان، قال: ثنا حماد، قال: أخبرنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن تميم الداري، أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين، وزعم أن الزبير وعبد الله بن الزبير كانا يصليان بعد العصر ركعتين. وهذا إسناد صحيح إلى عبد الله بن الزبير، أما الإسناد إلى الزبير، وتميم الداري فهو منقطع؛ لأن عروة بن الزبير لم يدركهما.
وأبو أيوب
(1)
، والنعمان بن بشير
(2)
، وتميم الداري
(3)
، وعائشة
(4)
رضي الله عنهم، وقال أبو حنيفة: لا يجوز شيء من ذلك.
ووافقنا جمهور الفقهاء في إباحة الفوائت في هذه الأوقات، وقال أبو حنيفة: تباح الفوائت بعد الصبح والعصر، ولا تباح في الأوقات الثلاثة؛ إلا عصر يومه، فتباح عند اصفرار الشمس، وتباح المنذورة في هذه الأوقات عندنا، ولا تباح عند أبي حنيفة.
قال ابن المنذر رحمه الله: وأجمع المسلمون على إباحة صلاة الجنائز بعد الصبح والعصر، ونقل العبدري في كتاب الجنائز عن الثوري، والأوزاعي، وأبي حنيفة، وأحمد، وإسحاق: أن صلاة الجنازة منهي عنها عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وعند استوائها، ولا تُكره في الوقتين الآخرين، ونقل القاضي عياض في «شرح صحيح مسلم» عن داود الظاهري أنه أباح الصلاة لسبب وبلا سبب في جميع الأوقات، والمشهور من مذهب داود منع الصلاة في هذه الأوقات، سواء ما لها
(1)
أخرجه ابن المنذر (2/ 394) من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، أن أبا أيوب، كان يصلي قبل خلافة عمر ركعتين بعد العصر، فلما استخلف عمر تركهما، فلما توفي عمر ركعهما. وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات.
(2)
أخرجه ابن المنذر (2/ 394) قال: وحدثونا عن الرمادي، قال: ثنا الأسود بن عامر، قال: ثنا شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن حبيب، كاتب النعمان بن بشير قال: كان النعمان بن بشير يصلي بعد العصر ركعتين. وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه شريك القاضي، وإبراهيم بن المهاجر، وكلاهما فيه ضعف، وفيه شيخ ابن المنذر، مبهم لا يعرف من هو.
(3)
تقدم تخريج أثره ضمن تخريج أثر ابن الزبير.
(4)
أخرجه ابن المنذر (2/ 393) من وجهين يحسن بهما.
سبب، وما لا سبب لها، وهو رواية عن أحمد. انتهى المراد.
قلتُ: جمع النووي رحمه الله في كلامه هذا كثيرًا من المسائل بوجه مختصر.
فأما مسألة قضاء الفوائت، فاستدل الجمهور على جوازها بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه في «الصحيحين»: أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «من نام عن صلاة، أو نسيها؛ فليصلها إذا ذكرها» .
(1)
وحديث أبي قتادة في «صحيح مسلم» (681): «إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى، فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها» .
وكما أنَّ خبر النهي مخصوص بالقضاء في الوقتين الآخرين، فيقاس عليه محل النزاع مع الأحناف.
وأما استدلال الحنفية بحديث أبي قتادة أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لَمَّا نام عن الصلاة، واستيقظ وقد طلعت الشمس، أخَّرها حتى ابيضت، فإنما يدل على جواز التأخير، لا على تحريم الفعل.
وقد أُجيب عنه أيضًا: بأن التأخير لأجل المكان، فقد جاء في «مسلم» عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال:«اقتادوا رواحلكم؛ فإنَّ هذا منزلٌ حضرنا فيه الشيطان» .
(2)
وأما مسألة المنذورة؛ فقد قال بجوازها أيضًا أحمد في المشهور عنه، وهو
(1)
أخرجه البخاري (597)، ومسلم (684).
(2)
أخرجه مسلم برقم (680). وانظر: «المغني» (2/ 516).
الصحيح من المذهب عند الحنابلة؛ لأنها صلاةٌ واجبة، فأشبهت الفرائض.
(1)
• أما تحريم الصلاة على الجنازة في الأوقات الثلاثة؛ فهو قول الجمهور.
واستدلوا بحديث عقبة بن عامر في «صحيح مسلم» ، وهو موجود في الباب.
قال ابن قدامة رحمه الله: وَذِكْرُهُ لِلصَّلَاةِ مَقْرُونًا بِالدَّفْنِ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ غَيْرِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، فَلَمْ يَجُزْ فِعْلُهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ، كَالنَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَتْ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهُمَا تَطُولُ، فَالِانْتِظَارُ يُخَافُ مِنْهُ عَلَيْهَا، وَهَذِهِ مُدَّتُهَا تَقْصُرُ.
وَأَمَّا الْفَرَائِضُ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا آكَدُ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْوَقْتَيْنِ الْآخَرَيْنِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ فِيهَا آكَدُ، وَزَمَنُهَا أَقْصَرُ، فَلَا يُخَافُ عَلَى الْمَيِّتِ فِيهَا؛ وَلِأَنَّهُ نُهِيَ عَنْ الدَّفْنِ فِيهَا.
وَالصَّلَاةُ الْمَقْرُونَةُ بِالدَّفْنِ تَتَنَاوَلُ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ، وَتَمْنَعُهَا الْقَرِينَةُ مِنْ الْخُرُوجِ بِالتَّخْصِيصِ، بِخِلَافِ الْوَقْتَيْنِ الْآخَرَيْنِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
• وقد ذهب الشافعي، وأحمد في رواية إلى جوازها، قياسًا على الفرائض.
والراجح هو القول الأول.
وهو ترجيح الإمام الألباني رحمه الله في «أحكام الجنائز» (ص 130 - 131).
(2)
(1)
وانظر: «غاية المرام» (5/ 582).
(2)
وانظر: «المغني» (2/ 518).
• وأما ذوات الأسباب الأخرى؛ فأجازها الشافعي، وأحمد في رواية، واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية.
• خلافًا للمالكية، والحنفية، والرواية الأخرى عن أحمد.
والراجح هو الجواز.
قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: والقولُ الصحيحُ في هذه المسألةِ: أنَّ ما له سببٌ يجوز فِعْلُه في أوقاتِ النَّهي كلِّها، الطويلةِ والقصيرةِ؛ لِما يأتي:
أولاً: أنَّ عمومَه محفوظٌ، أي: لم يُخصَّصْ، والعمومُ المحفوظُ أقوى مِن العمومِ المخصوصِ.
ثانيًا: لَيْسَ هُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ عُمُومِ قَوْلِه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «فَلْيُصلِّها إذا ذَكَرَها» .
وقد استدل به الجمهور.
وقوله: «إذا دَخَلَ أحدُكم المسجدَ؛ فلا يجلسْ حتى يُصلِّيَ ركعتين» .
(1)
ثالثًا: أنَّها مقرونة بسبب، فَيَبْعُدُ أنْ يقعَ فيها الاشتباهُ في مشابهة المشركين.
رابعًا: أنَّه في بعضِ ألفاظِ أحاديثِ النَّهي: «لا تَحرَّوا بصلاتِكُم طُلوعَ الشَّمسِ ولا غُروبَها» ، والذي يُصلِّي لسببٍ لا يُقال: إنَّه متحرٍّ. بل يُقال: صَلَّى للسَّببِ. اهـ
وهذا القول هو ترجيح السعدي، والشيخ ابن باز.
(2)
(1)
سيأتي في الكتاب برقم (257).
(2)
وانظر: «الشرح الممتع» (4/ 179 - 181).